صفحة الكاتب : محمد الرصافي المقداد

الحكومة السورية الجديدة إلى أين ؟
محمد الرصافي المقداد

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 لا يمكن الحكم عل ثورة شعبية إلا بعد ثبوت أصالتها واستقامة دعوتها ووضوح أهدافها، ومن دون تحديد ملامح أي ثورة، بلا استعانة بهذه المبدئيّات الثورية، يُعْتَبَرُ ضربا من الخيال، وتضليلا للرأي العام الداخلي، الذي عادة ما تأخذه العاطفة إلى الحيف في الحكم على الثورات، خصوصا أولئك الذين فقدوا أمل خلاص شعوبهم من ظلم ظالم، فألقوا بأنفسهم في أتون أيّ حركة تقوم بينهم، لا يدرون منشأها؟ ولا حقيقة من يقودها؟

حديثنا اليوم يخصّ (الثورة السورية) وقد وضعْتُ تعريفها بين قوسين، لأنّه أثبت بأنّ نسبتها إلى الشعب السوري، مُدّعاة من فئة منه، التقت فيها عليها جنسيات مختلفة من الناس، بين شيشاني و أوزبكي وأفغاني وتركي، وغيرها من جنسيات غير سورية، منْ جمَعها؟ ومن موّلها؟ ومن دفع بها إلى الساحة السورية؟ بعدما اجتمعت في تركيا، التي كانت ولا تزال معقلا لهؤلاء الذين تشكلت منهم  جماعات، مشكّلة في تعدّد عناوينها البرّاقة - داعش / النصرة – فسيفساء ظاهرها إسلامي، في مواجهة النظام البعثي السوري.   

سقط نظام بشّار يوم 8/12/2025، بخذلان قياداتها سقطت وتفككت القوات العسكرية السورية، وجبهة الصد التي كانت رديفة لها، مشكّلة على الأرض من قوات حزب الله اللبناني، والحرس الثوري الإيراني، والتي أرغمت على الإنسحاب مباشرة بعد سقوط خط حمص، وانكشفت المؤامرة الدولية، وتنفيذها بدأ بتحريض عملاء الغرب، من دول الخليج وتركيا، وتراجع روسيا عن مواصلة القيام بدورها في اسناد النظام والحيلولة دون سقوطه، فهل اقنع الغرب والأتراك معهم روسيا على التخلي عن نظام بشار – ليس مجانا بالطبع – فقد تكون بنزول دول الغرب، وفي مقدمتهم أمريكا عند شروط روسيا بشأن أوكرانيا.

شن الكيان الصهيوني المحتل لفلسطين، عدوانه المكثف على الأراضي السورية، منذ الثامن من ديسمبر فقامت قواته الجوية بسلسلة من الغاراتـ، على مواقع وقواعد عسكرية هامّة، واقعة في أماكن متفرقة من سوريا، منتشرة شمالا وجنوبا وفي الساحل، شملت حتى ريف العاصمة دمشق، فلم تترك موقعا أو مكانا إلا قصفته بقوة، بحيث لم تُبقي شيئا منها يمكن أن يشكل خطرا عليه.

تلك الغارات الجوية المكثّفة التي قامت بها القوات الصهيونية، وفاقت الأربع مائة غارة، تبين اليوم أنها كانت تمهيدا لمرحلة غزو بري، أعدّت له العُدّة مُسْبّقا - وهنا يكمن غباء وسوء تقدير شعوبنا في تقدير المخاطر والتحسّب لها - بدأت به تدريجيا تلك القوات، وتكثفت عملياتها بالأمس، فبعد أن سيطرت على الجزء المحرر من جبل الشيخ والقنيطرة، توغلت من جديد لتسيطر على مناطق أخرى من الجنوب السوري، ويبدو أن تصريحات رئيس الحكومة الصهيونية (ناتنياهو) الأخيرة التي قال فيها: (أمس فتح فصل جديد في تاريخ الشرق الأوسط فنظام الأسد انهار بعد 54 عاما من الحكم". وأضاف: "الجميع يدرك اليوم الأهمية البالغة لسيطرتنا على هضبة الجولان.. هضبة الجولان ستبقى إلى الأبد جزءا لا يتجزأ من إسرائيل، ولن ننسحب منها أبدا.)(1)، قد عرّت مخططا توسّعيا للكيان، جاء بضوء أخضر من الرئيس الامريكي (ترامب)، الذي أبدى رغبته في توسيع سيطرة الكيان الصهيوني على أراضي أخرى، خارج حدود فلسطين، لتشمل مبدئيا أراضي سورية، وبالتأكيد فإنّ هذه الأطماع سوف لن تقف عند هذا الحد، ولن تتقوف القوات الغازية عنده، بل ستتواصل إلى تحقيق الحلم الصهيوني بتشكل إسرائيل الكبرى، من خلال اغتنام غفلة وبلاهة شعوب وحكام المنطقة.

وبين تحقيق طموحات الشعوب السوري المشروعة، ورفع الضغط المعيشي عليه، ومنحه مزيدا من الحريات، وبين الغزو الصهيوني على أراضيها في الجنوب، تتعقّد الأمور أمام الحكومة السورية الجديدة، وتزداد قتامة بهذا الطارئ الجديد والخطير بحيث أصبحت مغنما يغتنمه الكيان الصهيوني، ومن يدري، فتركيا أيضا تريد أن تقتطع جزاء من شمال سوريا، لا تزال تعتبره تابعا لها تاريخيا، هذا فضلا عن حلم أكراد سوريا في كنفيدرالية، تمهّد للحلم الكردي الكبير في تأسيس دولة كردية، تجمع أكراد سوريا والعراق وإيران وتركيا، حلم يسعى إليه الأكراد، لكن قادتهم لا يبدونه، خوفا من أن ينشأ تحالف بين الدول المعنية من أجل احباطه.

ودون الإشارة إلى أطماع أمريكا والغرب المتجددة، للسيطرة على منابع النفط والغاز في البادية السورية، وكمّيات الغاز المكتشفة في المياه الإقليمية التابعة لسوريا ولبنان، ما أسال لعاب الطامعين في استغلال تلك الاحتياطات بما يعود بالفائدة على من سيستغله طوعا أو كرها، فعقلية الغرب لم تخرج من إطار الإستغلال الفاحش والخارج عن القوانين الدولية، هذه العوامل اجتمعت معا لتحرّك أطماع دول لها تاريخ استعماري مُشين، بأساليب مختلفة من الترغيب والترهيب، تحيّلا منها على الشعب السوري وشعوب المنطقة بأسرها.

ومع ظهور أعمال انتقامية طائفية، باشرت بارتكابها عناصر منتسبة للحكومة الجديدة، تحت مبررات واهية لكنّها ذات تأثير كبير وخطير، من شأنه أن يزعزع الأمن بين مكوّنات الشعب السوري، ويسفّه ادّعاء الحكومة الجديدة بأنّها تمثّل التنوّع الطائفي الآمن المعروفة به سوريا، فما حصل في القرداحة وفي مناطق علوية وشيعية يثبت التوجّه الإنتقامي الذي غلب على المشهد الداخلي هذه الأيام، وفيما تتواصل معاناة السوريين المعيشية وتزداد حياتهم قساوة، تبقى حكومة الجولاني عاجزة عن فعل شيء، لردع الغزو الصهيوني على أراضيه، ويوقف أطماعه التوسعية، وتلبية مطالب شعبها في حياة آمنة وكريمة، السؤال المطروح إلى اين تسير هذه الحكومة؟ وهل ستعدّل من حالات الاستعداء الطائفي التي ظهرت من طرف عناصرها الأمنية؟ قادم الأيام ستكشف استفهاماتنا.   

 

المصادر

1 – نتنياهو: سيطرنا على الجولان وقلنا إننا سنغيّر الشرق الأوسط
https://www.jawharafm.net/ar/article/106/267986

 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


محمد الرصافي المقداد
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2025/02/28



كتابة تعليق لموضوع : الحكومة السورية الجديدة إلى أين ؟
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net