في مسيرة الإنسان، يتأرجح القلب بين لحظات الغفلة التي تعمي البصر والبصيرة، ولحظات اليقظة التي توقظ الروح من سباتها لتعود إلى بارئها.
وفي هذه الرحلة يكون للإيمان رجال قد اختارهم الله ليكونوا أنوار هداية للعقول والقلوب.
ومن هؤلاء الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام)، الذي كانت كلماته البسيطة كفيلة بأن تخرج النفوس من أعماق اللهو إلى نور الطاعة، كما حدث مع بشر الحافي.
ينبعث من بيت بشر صوت اللهو والطرب ،ذلك الشاب الغافلٍ المعرض عن الله، يعيش أسيرًا لهواه، لا يرد لنفسه طلبًا، ولا يرى الحق إلا من زاوية شهواته.
خرجت جارية من منزل بشر إلى الشارع، وتصادف مرور الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام)، فتوقف وسألها سؤالًا غريبًا أيقظ القلوب:
"يا جارية، هل صاحب هذا الدار حر أم عبد؟"
: "بل هو حر".
فقال الإمام (عليه السلام): "صدقتِ، لو كان عبدًا لخاف من مولاه".
كانت كلمات الإمام عميقة في بساطتها، تحمل معاني سامية، وانصرف بعدها تاركًا أثراً كبيرًا. عادت الجارية إلى المنزل، فبادرها بشر بالسؤال عن سبب تأخرها، فنقلت له الحوار الذي دار بينها وبين الإمام.
تلك العبارة البسيطة: "لو كان عبدًا لخاف من مولاه"، أصابت بشر في الصميم، فاهتز قلبه، وارتجفت روحه كمن استيقظ من غفلة طويلة. قام مسرعًا يسأل عن الرجل الذي قال تلك الكلمات، فأخبرته الجارية بأنه الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام). دون أن ينتعل حذاءه، انطلق خلف الإمام يحدث نفسه قائلًا: "لا بد أن يكون هذا الرجل وليًا من أولياء الله".
لحق بشر بالإمام، اقترب منه معتذرًا نادمًا، ثم هوى على يديه يقبّلهما قائلًا:
"سيدي، من هذه الساعة أريد أن أكون عبدًا... عبدًا لله وحده. لا أريد حرية الشهوات التي تقيد الروح، ولا أريد حرية المال والجاه التي تذل الإنسان، بل أريد حرية القلب في عبوديته لله".
كانت تلك اللحظة نقطة تحول في حياة بشر الحافي. عاد إلى ربه دون تردد، تاركًا وراءه كل المغريات، واختار طريق التوبة الخالصة. أصبح من كبار الزهاد والوعاظ، يعيش حياةً ملؤها الورع والتقوى، ويتذوق حلاوة العبادة التي لا تأتي إلا لمن كسر قيود الشهوات، كما قال: "لا تجد حلاوة العبادة حتى تجعل بينك وبين الشهوات سدًا".¹
اليقظة تبدأ بخطوة واحدة تجاه الله، وأبواب رحمته لا توصد أبدًا أمام من يريد العودة.
فقصة بشر هي رسالة أمل لكل إنسان يشعر أنه أضاع الطريق، ليعلم أن الله ينتظر عودته بحب ورحمة، لأن الله يحب التائبين ويفرح بعودتهم إليه.
المصادر:
¹ ـ سير أعلام النبلاء - الذهبي - ج ١٠ - ص ٤٧٣
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat