صفحة الكاتب : د . فاضل حسن شريف

المحكم والمتشابه عند العلامة السيد الطباطبائي (ح 2)
د . فاضل حسن شريف

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.


جاء في تفسير الميزان للسيد الطباطبائي: قوله عز من قائل "هُوَ الَّذِى أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَبَ مِنْهُ ءَايَتٌ مُّحْكَمَتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَبِ وَأُخَرُ مُتَشَبِهَتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِى قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَبَهَ مِنْهُ ابْتِغَآءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَآءَ تَأْوِيلِهِ‏ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ‏ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّسِخُونَ فِى الْعِلْمِ يَقُولُونَ ءَامَنَّا بِهِ‏ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّآ أُوْلُواْ الْأَلْبَبِ" (آل عمران 7) ولذلك ذكر بعضهم أن التأويل هو الأمر العيني الخارجي الذي يعتمد عليه الكلام، وهو في مورد الأخبار المخبر به الواقع في الخارج، إما سابقا كقصص الأنبياء والأمم الماضية، وإما لاحقا كما في الآيات المخبرة عن صفات الله وأسمائه ومواعيده وكل ما سيظهر يوم القيامة، وفي مورد الإنشاء كآيات الأحكام المصالح المتحققة في الخارج كما في قوله تعالى "وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذَا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا" (الإسراء 35)، فإن تأويل إيفاء الكيل وإقامة الوزن هو المصلحة المترتبة عليهما في المجتمع وهو استقامة أمر الاجتماع الإنساني. وفيه أولا أن ظاهر هذه الآية أن التأويل أمر خارجي وأثر عيني مترتب على فعلهم الخارجي الذي هو إيفاء الكيل وإقامة الوزن لا الأمر التشريعي الذي يتضمنه قوله. وأوفوا الكيل إذا كلتم وزنوا الآية، فالتأويل أمر خارجي هو مرجع ومآل لأمر خارجي آخر فتوصيف آيات الكتاب بكونها ذات تأويل من جهة حكايتها عن معان خارجية كما في الإخبار أو تعلقها بأفعال أو أمور خارجية كما في الإنشاء لها تأويل، فالوصف وصف بحال متعلق الشيء لا بحال نفس الشيء. وثانيا أن التأويل وإن كان هو المرجع الذي يرجع ويؤول إليه الشيء لكنه رجوع خاص لا كل رجوع، فإن المرئوس يرجع إلى رئيسه وليس بتأويل له، والعدد يرجع إلى الواحد وليس بتأويل له، فلا محالة هو مرجع بنحو خاص لا مطلقا. يدل على ذلك قوله تعالى في قصة موسى والخضر عليهما السلام "سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا" (الكهف 78)، وقوله تعالى "ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا" (الكهف 82)، والذي نبأه لموسى صور وعناوين لما فعله عليه السلام في موارد ثلاث كان موسى عليه السلام قد غفل عن تلك الصور والعناوين، وتلقى بدلها صورا وعناوين أخرى أوجبت اعتراضه بها عليه، فالموارد الثلاث هي قوله تعالى "حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا" (الكهف 71)، وقوله تعالى "حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلَامًا فَقَتَلَهُ" (الكهف 74)، وقوله تعالى "حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ" (الكهف 77). والذي تلقاه موسى عليه السلام من صور هذه القضايا وعناوينها قوله "قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا" (الكهف 71)، وقوله "قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا" (الكهف 74)، وقوله "لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا" (الكهف 77). والذي نبأ به الخضر من التأويل قوله "أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا (79) وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا (80) فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا (81) وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ" (الكهف 79 - 82). ثم أجاب عن جميع ما اعترض عليه موسى عليه السلام جملة بقوله "وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي" (الكهف 82).، فالذي أريد من التأويل في هذه الآيات كما ترى هو رجوع الشيء إلى صورته وعنوانه نظير رجوع الضرب إلى التأديب ورجوع الفصد إلى العلاج، لا نظير رجوع قولنا جاء زيد إلى مجيء زيد في الخارج. ويقرب من ذلك ما ورد من لفظ التأويل في عدة مواضع من قصة يوسف عليه السلام كقوله تعالى "إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ" (يوسف 4)، وقوله تعالى "وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا"، فرجوع ما رآه من الرؤيا إلى سجود أبويه وإخوته له وإن كان رجوعا لكنه من قبيل رجوع المثال إلى الممثل، وكذا قوله تعالى "و قال الملك إني أرى سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف وسبع سنبلات خضر وأخر يابسات، يا أيها الملأ أفتوني في رؤياي إن كنتم للرؤيا تعبرون، قالوا أضغاث أحلام وما نحن بتأويل الأحلام بعالمين، وقال الذي نجا منهما وادكر بعد أمة أنا أنبئكم بتأويله فأرسلون يوسف أيها الصديق أفتنا إلى أن قال "قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تَأْكُلُونَ (47) ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تُحْصِنُونَ" (يوسف 47، 48). و كذا قوله تعالى "وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا وَقَالَ الْآخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ" إلى أن قال "يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا وَأَمَّا الْآخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْ رَأْسِهِ قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ" (يوسف - 41). وكذا قوله تعالى "وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ" (يوسف 6)، وقوله تعالى "وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ" (يوسف 21)، وقوله تعالى "وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ" (يوسف 101)، فقد استعمل التأويل في جميع هذه الموارد من قصة يوسف عليه السلام فيما يرجع إليه الرؤيا من الحوادث، وهو الذي كان يراه النائم فيما يناسبه من الصورة والمثال، فنسبة التأويل إلى ذي التأويل نسبة المعنى إلى صورته التي يظهر بها، والحقيقة المتمثلة إلى مثالها الذي تتمثل به، كما كان الأمر يجري هذا المجرى فيما أوردناه من الآيات في قصة موسى والخضر (عليهما السلام)، وكذا في قوله تعالى "وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذَا كِلْتُمْ إلى قوله وأحسن تأويلا"(الإسراء 35).

ويستطرد العلامة الطباطبائي في تفسيره أية المحكم والمتشابه آل عرمان 7 قائلا: والتدبر في آيات القيامة يعطي أن المراد هو ذلك أيضا في لفظة التأويل في قوله تعالى بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ولما يأتهم تأويله الآية، وقوله تعالى "هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ" (الأعراف 53) الآية فإن أمثال قوله تعالى "لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ" (ق 22)، تدل على أن مشاهدة وقوع ما أخبر به الكتاب وأنبأ به الأنبياء يوم القيامة من غير سنخ المشاهدة الحسية التي نعهدها في الدنيا كما أن نفس وقوعها والنظام الحاكم فيها غير ما نألفه في نشأتنا هذه، وسيجيء مزيد بيان له فرجوع أخبار الكتاب والنبوة إلى مضامينها الظاهرة يوم القيامة ليس من قبيل رجوع الإخبار عن الأمور المستقبلة إلى تحقق مضامينها في المستقبل. فقد تبين بما مر أولا أن كون الآية ذات تأويل ترجع إليه غير كونها متشابهة ترجع إلى آية محكمة. وثانيا أن التأويل لا يختص بالآيات المتشابهة بل لجميع القرآن تأويل فللآية المحكمة تأويل كما أن للمتشابهة تأويلا. وثالثا أن التأويل ليس من المفاهيم التي هي مداليل للألفاظ بل هو من الأمور الخارجية العينية، واتصاف الآيات بكونها ذات تأويل من قبيل الوصف بحال المتعلق، وأما إطلاق التأويل وإرادة المعنى المخالف لظاهر اللفظ، فاستعمال مولد نشأ بعد نزول القرآن لا دليل أصلا على كونه هو المراد من قوله تعالى وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله الآية، كما لا دليل على أكثر المعاني المذكورة للتأويل مما سننقله عن قريب. قوله تعالى "وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ"، ظاهر الكلام رجوع الضمير إلى ما تشابه، لقربه كما هو الظاهر أيضا في قوله وابتغاء تأويله، وقد عرفت أن ذلك لا يستلزم كون التأويل مقصورا على الآيات المتشابهة. ومن الممكن أيضا رجوع الضمير إلى الكتاب كالضمير في قوله "مَا تَشَابَهَ مِنْهُ". وظاهر الحصر كون العلم بالتأويل مقصورا عليه سبحانه وأما قوله "وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ"، فظاهر الكلام أن الواو للاستيناف بمعنى كونه طرفا للترديد الذي يدل عليه قوله في صدر الآية "فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ"، والمعنى أن الناس في الأخذ بالكتاب قسمان فمنهم من يتبع ما تشابه منه ومنهم من يقول إذا تشابه عليه شيء منه "آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا"، وإنما اختلفا لاختلافهم من جهة زيغ القلب ورسوخ العلم. على أنه لو كان الواو للعطف وكان المراد بالعطف تشريك الراسخين في العلم بالتأويل كان منهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو أفضلهم وكيف يتصور أن ينزل القرآن على قلبه وهو لا يدري ما أريد به ومن دأب القرآن إذا ذكر الأمة أو وصف أمر جماعة وفيهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يفرده بالذكر أولا ويميزه بالشخص تشريفا له وتعظيما لأمره ثم يذكرهم جميعا كقوله تعالى "آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ" (البقرة 285)، وقوله تعالى "ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ" (التوبة 26)، وقوله تعالى "لَكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ" (التوبة 88)، وقوله تعالى "وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا" (آل عمران 68)، وقوله تعالى "لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ" (التحريم 8)، إلى غير ذلك، فلو كان المراد بقوله "وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ"، أنهم عالمون بالتأويل - ورسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) منهم قطعا - كان حق الكلام كما عرفت أن يقال وما يعلم تأويله إلا الله ورسوله والراسخون في العلم، هذا وإن أمكن أن يقال إن قوله في صدر الآية "هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ" "الخ" يدل على كون النبي عالما بالكتاب فلا حاجة إلى ذكره ثانيا.

فالظاهر أن العلم بالتأويل مقصور في الآية عليه تعالى، ولا ينافي ذلك ورود الاستثناء عليه كما أن الآيات دالة على انحصار علم الغيب عليه تعالى مع ورود الاستثناء عليه كما في قوله تعالى "عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا (26) إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ" (الجن 26، 27)، ولا ينافيه أيضا كون المستثنى الراسخين في العلم بعينهم، إذ لا منافاة بين أن تدل هذه الآية على شأن من شيءون الراسخين في العلم، وهو الوقوف عند الشبهة والإيمان والتسليم في مقابل الزائغين قلبا وبين أن تدل آيات أخر على أنهم أو بعضا منهم عالمون بحقيقة القرآن وتأويل آياته على ما سيجيء بيانه. قوله تعالى "وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا"، الرسوخ هو أشد الثبات، ووقوع الراسخين في العلم في مقابلة الذين في قلوبهم زيغ ثم توصيفهم بأنهم يقولون آمنا به كل من عند ربنا يدل على تمام تعريفهم، وهو أن لهم علما بالله وبآياته لا يدخله ريب وشك، فما حصل لهم من العلم بالمحكمات ثابت لا يتزلزل، وهم يؤمنون به ويتبعونه أي يعلمون به وإذا وردت عليهم آية متشابهة لم يوجب تشابهها اضطراب قلوبهم فيما عندهم من العلم الراسخ بل آمنوا بها وتوقفوا عن اتباعها عملا وفي قولهم ءامنا به كل من عند ربنا ذكر الدليل والنتيجة معا فإن كون المحكم والمتشابه جميعا من عند الله تعالى يوجب الإيمان بالكل محكمه ومتشابهه، ووضوح المراد في المحكم يوجب اتباعه عملا، والتوقف في المتشابه من غير رده لأنه من عند الله ولا يجوز اتباع ما ينافي المحكم من معانيه المتشابهة لسطوع البيان في المحكم فيجب أن يتبع من معانيه المحتملة ما يوافق معنى المحكم، وهذا بعينه إرجاع المتشابه إلى المحكم فقوله كل من عند ربنا بمنزلة الدليل على الأمرين جميعا، أعني الإيمان والعمل في المحكم، والإيمان فقط في المتشابه والرجوع في العمل إلى المحكم. قوله تعالى "وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ"، التذكر هو الانتقال إلى دليل الشيء لاستنتاجه، ولما كان قولهم كل من عند ربنا كما مر استدلالا منهم وانتقالا لما يدل على فعلهم سماه الله تعالى تذكرا ومدحهم به. والألباب جمع لب وهو العقل الزكي الخالص من الشوائب، وقد مدحهم الله تعالى مدحا جميلا في موارد من كلامه، وعرفهم بأنهم أهل الإيمان بالله والإنابة إليه واتباع أحسن القول ثم وصفهم بأنهم على ذكر من ربهم دائما فأعقب ذلك أنهم أهل التذكر أي الانتقال إلى المعارف الحقة بالدليل وأهل الحكمة والمعرفة، قال تعالى "وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ (17) الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ" (الزمر 17، 18)، وقال تعالى "إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ (190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ" (آل عمران 190، 191)، وهذا الذكر الدائم وما يتبعه من التذلل والخضوع هو الإنابة الموجبة لتذكرهم بآيات الله وانتقالهم إلى المعارف الحقة كما قال تعالى "وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَنْ يُنِيبُ" (غافر 13)، وقد قال "وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ" (البقرة 269)( آل عمران 7).


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . فاضل حسن شريف
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2025/03/04



كتابة تعليق لموضوع : المحكم والمتشابه عند العلامة السيد الطباطبائي (ح 2)
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net