صفحة الكاتب : محمد الرصافي المقداد

ماذا تريد تركيا من سوريا؟
محمد الرصافي المقداد

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

ما حصل في سوريا لا يمكن اعتباره ثورة بأي حال من الأحوال، لقد كان مؤامرة تعنونت بالربيع العربي بدأت خيوطها في تونس، والهدف منها كان استدراج الشعوب المستهدفة للثورة على حكامها، وإن كانوا عملاء لأمريكا، قدمتهم قرابين مشروعها الشرق أوسط الجديد، فلم ترحم بن علي ولا مبارك، لأجل أن يبتلع الشعب السوري طُعم سهولة سقوط تلك الأنظمة، فينتفض في وجه نظام البعثي الظالم، ليحل محله نظام مطبع مع إسرائيل، ينسج على منوال مصر والأردن،  وبالتالي تصبح حدود فلسطين المحتلة أكثر أمنا، بغلق جبهة طالما كانت داعما للقضية الفلسطينية.

هذا المشروع الأمريكي الغربي، اعتمد في أداته على الإسلاميين أحزابا سياسية كجماعة الاخوان بالنسبة لتونس ومصر، بركوب موجة الثورة الشعبية، الموجّهة خارجيا في اسقاط النظامين، بينما باء المشروع في سوريا بالفشل، نظرا لضراوة ردّة فعل النظام، فالتجأت القوى الغربية بمشاركة أساسية من تركيا إلى تجميع الطامعين بإعادة الخلافة التي اسقطها أتاتورك، من مختلف بلدان العالم- أكثر من 82 جنسية- ليقع تدريبهم في معسكرات جنوب تركيا، والحاقهم بفصائل متطرّفة مسلّحة، وقع ادخالهم إلى سوريا ثم العراق، بعقيدة تكفيرية وهابية، هي امتداد للفكر الحنبلي الإستئصالي لبقية المذاهب الإسلامية.

لم تنجح الجماعات الإرهابية التكفيرية في إسقاط النظامين السوري والعراقي، على الرغم من قيام ما سُمّي بالدولة الإسلامية للعراق والشام على أجزاء من أراضي البلدين، وسرعان ما سقطت بفعل مقاومة الشعبين العراقي والسوري لها، بمساعدة برّية إيرانية، وجوّية روسية سنة 2017، وانحسرت الجماعات في محافظة إدلب وريفها، حيث بقيت بفصائلها – حتى تلك المصنفّة أمريكيا ضمن قائمة الإرهاب - تحت حماية تركية أمريكية، فأمريكا تسعى بكل الوسائل لإسقاط نظام بشار لأجل تأمين إسرائيل، كمرحلة أولى للقضاء على محور المقاومة هناك، بينما تسعى تركيا للسيطرة اقتصاديا على سوريا، وربما قضم مناطق كانت تابعة لها زمن السلطان العثماني.

وما صرّح به الرئيس التركي أخيرا، يدعو إلى التساؤل، ماذا يريد من ورائه؟ وقد حشر فيه إسرائيل وإيران وهو يدرك جيّدا أن تواجد القوات الإيرانية على الساحة السورية كان من أجل محاربة الجماعات الإرهابية المتطرفة، وفي نفس الوقت الاستعداد لمواجهة إسرائيل ببناء قواعد عسكرية هناك من شأنها أن تساعد في سرعة الحاق الهزيمة بها، وهذا الهدف لم يكن خافيا على أمريكا وإسرائيل نفسها التي كانت قواتها الجوية تقوم من حين إلى آخر بغارات على تلك المواقع من أجل تدميرها أو عرقلة العمل فيها، وقد نجحت في ذلك بعد سقوط النظام البعثي السوري مباشرة، حيث شن الطيران الإسرائيلي أكثر من 500 غارة جوية، على جميع القواعد والنقاط العسكرية، حتى المشتبه فيها، بمعنى أنّها مسحت عمل ما يقارب 12 عاما من الإعداد.

تصريح (أردوغان)، وقد عوّدنا على مثل هذه التصريحات السياسية، كان يمكن أن يكون جدّيا وصحيحا، لو أنّه بادر ودافع عن الجنوب السوري، وقام بمنع إسرائيل من التوغل عبره إلى المحافظات الجنوبية السورية، وكان أجدى به -عوض لقلقة اللسان - أن يقف موقفا مسؤولا نافعا للقضية الفلسطينية، فما جري في غزة من تدمير وابادة للشعب الفلسطيني، قد حرّكت جرائمه الفظيعة قادة من أمريكا الجنوبية، فقموا بطرد بعثات إسرائيل من عواصمهم، فكيف بمسلم مثله بقي محافظا على علاقاته المشبوهة بإسرائيل، وكان بإمكانه أن يفعل ذلك دبلوماسيا، فيقطع علاقات بلاده معها، مع العلم أنّ تركيا كانت من أوائل الدول التي اعترفت بالكيان الدخيل الغاصب، منذ قيامها على أرض فلسطين سنة 1948، وبإمكانه عسكريا بأن تقوم قواته - وتركيا ليست بالهيّنة تسليحا وتعدادا- بالدفاع عن القطاع المظلوم، وهي إن فعلت ذلك، فمن شأنه أن يوقف العدوان، لكنّ أردوغان لم يفعل شيئا من ذلك، وبقي متطاولا قولا بعيدا كل البعد عن الفعل والمبادرة، بل إنّ احتياجات إسرائيل الإقتصادية كانت تأتي من تركيا، في ظل أزمة قطع أنصار الله للخط البحري من جهة باب المندب، في مقابل الحصار المطبق الذي يعانيه الفلسطينيون، يعالجه التركي بالصمت والتنديد أحيانا.

تحذير أردوغان جاء خلال مأدبة إفطار أقامها للسفراء الأجانب المعتمدين بأنقرة بمقر حزب العجالة والتنمية أشار فيه مبهما إلى (من يسعون للإستفادة من عدم استقرار سوريا عبر تأجيج الإنتماءات العرقية والدينية أنهم لن يحقّقوا أهدافهم)، فهل كان يقصد إيران؟ وهي المنسحبة بخبرائها العسكريين من سوريا، ولم يعد لها حتى التمثيل الدبلوماسي هناك، أو أنّه يقصد جماعات الجولاني التي أخلفت بوعودها في عدم التعرض للأقليات العرقية والدينية، فإذا هم اليوم في أسوأ وضع أمني، معرّضون يوميا إلى اعتداءات خطف وتصفية ونهب ممتلكات واستيلاء على العقارات، ومخابراته على علم بما يجري، وكان أولى به أن يضغط على الجولاني وحكومته، بالكف عن ارتكاب جرائم عديدة بحق العلويين والشيعة، استباحتهم العناصر الإرهابية المكونة من هيئة تحرير الشام، فيكون أكثر مصداقية في هذا الملفّ الخطير، فجماعته هم من افتتح في سوريا زمن إرهاب فئات من الشعب السوري، على مرأى منه ومسمع.    

لم يكتفي (أردوغان) بما اسهم به من جانبه سابقا، في تدريب وتسليح وتمويل جماعات تكفيرية تسيطر اليوم على سوريا، وحمايتها في إدلب أوّلا، بل قام هذه الأيام بإدخال عناصر مقاتلة، كما صرّح بذلك رئيس مجلس الأمن القومي في (قيرغيستان) (مارات أيمنكولوف) في حديثه، أمام مؤتمر الأمن الجماعي ومنظمة (شنغهاي) للتعاون الأمني في آسيا الوسطى :

 أكثر من عشرين ألف مقاتل من (تركستان الشرقية)، شُحنوا مؤخراً مع أفراد عائلاتهم عبر تركيا، وأصبحوا مقاتلين في قوات الأمن السورية الجديدة "الأمن العام" وأكثر من 5 آلاف مقاتل من وسط آسيا والقوقاز، شُحنوا أيضاً إلى سوريا، ويشكلون تهديداً مباشراً للأمن الإقليمي. (1)

هذا فضلا عن آلاف الأتراك الذين شركوا مع (الإيغور) وجنسيات أخرى، في حملة نزهة إسقاط النظام السوري، حبكت خيوطها كل من أمريكا والغرب وتركيا، وسقطت فيها مصداقية روسيا، خسرت فيه إيران جهودا لا يستهان بها، من أجل هدفها الأسمى وهو تحرير فلسطين.

الملثمون اليوم ضمن التركيبة الأمنية للنظام، علامات دالة على التغيير الديمغرافي للشعب السوري، وخطر هذه الإقحامات العرقية داخل النسيج السوري، سيكون لها انعكاسات سلبية في المستقبل، لعلّ أهمّها فقدان الروح الوطنية لهؤلاء الموطّنين الغرباء على الساحة السورية، ومن أين تكون لهم روح وطنية أو غيرة على سوريا، وأصولهم وثقافاتهم مختلفة مع ثقافة المكون السوري، فكيف سيندمجون في هذه الحال وسط المجتمع السوري؟ يبدو أن السياسة التركية الحالية، متجهة إلى تعاون أوثق مع إسرائيل، يكون لها منه نصيب من السيطرة والاستفادة من سوريا، دون مراعاة لشيء من الدين وحسن الجوار، ويأتي تصريح الجولاني، باعتبار إسرائيل جارة مستعد للتعاون معها، دليلا كافيا على تناغم الحكومة السورية الجديدة مع ما يراه أردوغان تجاهها.

 

المصادر

1 – https://www.north-pulse.net/?p=88919


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


محمد الرصافي المقداد
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2025/03/07



كتابة تعليق لموضوع : ماذا تريد تركيا من سوريا؟
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net