صفحة الكاتب : عماد يونس فغالي

ويستمرّ الجمال
عماد يونس فغالي

    كان الرائد توفيق يزبك، ذلك الصديق القديم، قد أخبرني أنّه يهيّء لمجموعةٍ شعريّة جديدة. لكنّه فاجأني يوم دفع إليّ بمخطوطته "همسات وادي"، مُبديًا رغبةً في أن أكتبَ فيها كلمة، تكون بمثابة مقدّمة لمشروع كتابه هذا.

 

    كنتُ قد قرأتُ كتابه الأوّل "من غلال السّـفوح"، وكتبتُ فيه مقالاً بعنوان "في توفيق الغلال"، معبّرًا عمّا أثار فيّ من مشاعر شخصيّة ووطنيّة، كرّستْ محبّتي له ولِما يجمعنا.

 

    في هذا الكتاب الثاني، يستمرّ الجمال. جمال الموضوع وجمال المعاني المقدَّمة. نعم، إنّكَ أمام لوحةٍ أخرى من الوطنيّات، والتغنّي بالجيش وتحيّة الشهيد البطل. وهي لوحة ٌ تثير، مدى الأيّام، نفسَ الضابط الأبيّة. لكنّها مناظر جديدة، ترسم معالم آيته الشعريّة، بخطوطٍ حدّدتها غزارة الحبّ الذي تكنّه هذه النفس لحبيبها الوطن. 

 

    هي مناظر يمتزج فيها هذا الحبّ العاصف للوطن بميّزات طبيعته الخلاّبة، السخيّة بالخيرات التي تسبغها على أبنائه من دون حساب. فتغنـّي الشاعر بوطنه الحبيب، من خلال ما يطبع في نفسه ارتواؤه الدائم من مشارب قريته اللبنانيّة، وتخوّفه المستمرّ من انقطاع لبَن الحياة فيها، كان المنبع الحقيقيّ لدفع الكلمة في ميدان الشعر، ناضرةً كعروسٍ في حُليِها، للقاء الحبيب.  

 

    في القصائد المتواردة على امتداد الكتاب، تأمّل الشاعر بالكلمة، بل بالفكرة الشعريّة وبمواردها الأوّليّة، هو ميزة هذه الباقة العطريّـة، المولودة من رحم الحبّ في مصادره كافّة. يقول في "عايش مع الكلمة":

"عايش أنا وكلمة وصليل السيف"

وفي "نيسان كذّب":

"والريح عم تنفخ صفير

والقافية مش غافية"

وفي "شعرك يا سالم خمر":

"لبنان بدّو سحر كلمة للأبد

كانت قبل ما الريح يتحدّى الأزل"

 

    فإذا كانت المصادر الموحية شعرَ رائدنا، تزاوجَ الطبيعة اللبنانيّة ولقــاءَ البحر بالقرية وعوائدها، مع مواطن نفسه الحميمة، فإنّ ثمرة هذا التزاوج، غدَتْ كلمة ً شاعريّة منبثقة من ألم الحياة، ومعصورة بمعاناة الشاعر الإنسان. وفي هذا نقرأ:

"... تا غنّي من الألم أعذب أنيني

وبعد ما الآخ يتملّك وإشقى...

أنا كتبت بقساوة مش تإبقى

بمجد القافية وَرْقة حزينة..."

     وما قوله في قصيدة ٍ أخرى: "سلاحي القلم وقدرتي ألم"، إلاّ تكريسٌ لِما بين المعاناة والكلمة من علوّ شأن وقدسيّة نفس. إنّ الألم الإنسانيّ العميق بات في نظر الشاعر، عالمَ الكلمة ودمَ الحياة. الكلمة تنبع من الظلمة، وحلاوات القصائد تنزفها عروق الشاعر، قطراتٍ من دموع عينين تنظران بجفون الليل.

 

    واقعٌ آخر في شعر ضابطنا، يتجلّى ثمرةً لتأمّلاته، هو واقع العمر الذي يضيق به الزمن. عمر الإنسان المتّحد بالزمن، مرتبط ٌ بمحدوديّته. فتضيّق عليه تصدّعات إبداعيّته. لذلك تجد الشاعر داعيةَ تمرّد في وجه العمر الذي يحدّ الحياة، فيقول:

"تمرّد شبابك مَرَقْ

من خاطر المفرق"

ليسلّط َ سيفًا قاطعًا، ولو من عالم الحلم، على "كبر العمر عم ياخد الميلين" . هو سيفٌ جعله الشاعر في يد الإنسان، يواجه به أسلحة َ الزمن الخاطف عمرَه الزاخر بالحياة والعطاء.

 

    توفيق يزبك، تقدّم لنا معرض فنّ ٍ أدبيّ، مزيّنًا بالتحف الشعريّة النبيلة، تنقلنا في عالم الوحي والإبداع، على أجنحة أبياتٍ مسبوكة المعاني والمباني المختلفة، إلى واحات القيم الإنسانيّة الرفيعة وقصور الفكر النّبويّ الشامخ. فنحيا معك بواكير الحاضر المثيرة، ممزوجة بأمنيات الغد العِذاب، مبنيّة ٌ جميعها على صخور الأمس العتيدة، ومحلاّة بنسيمات أفراحنا وتخوّفاتنا. فتخلقَ فينا أنشودةً من سلام الروح وطمأنينة البال، نغنّيها فوق الربى اللبنانيّة، وصيّةً أودعتها ابنك البكر:

"كرمال عيني ضلّ بلبنان"

عنوانَ تمسّـكٍ بترابٍ يختزن تراثًا أنبَـتنا، وعربونَ مجدٍ وطنيّ  أثيل. 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


عماد يونس فغالي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2013/02/06



كتابة تعليق لموضوع : ويستمرّ الجمال
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net