صفحة الكاتب : حيدر الحد راوي

تأملات في القران الكريم ح13
حيدر الحد راوي

 سورة البقرة

وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ{124} وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْناً وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ{125} وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَـَذَا بَلَداً آمِناً وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُم بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ قَالَ وَمَن كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ{126} وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ{127} رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ{128} رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ{129} وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلاَّ مَن سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ{130} إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ{131}
كلمات ابراهيم الخليل (ع) مما يختلف المفسرون فيه كثيرا , كل مفسر يشرح كينونة هذه الكلمات حسب ثقافته , وتوجهاته المذهبية , وكل منهم لديه ادلة يستخرجها مما لديه من مصادر .
عرف ابراهيم (ع) بأنه خليل الله , فلا غرابة ان تكون بينهما من الاسرار ما يخفى على عامة الناس , اسرار لا يدركها الا من جرب حال الخلة , او الراسخون في العلم , المهم لدى المتأمل ان يعرف ان هذه الكلمات لابد ان تكون على قدر كبير من الاهمية , للناس عامة , و المسلمين خاصة , كلمات لها من الشأن العظيم بحيث لابد ان تخفى عن الجهلاء , وتبقى لدى اهل العلم , (فَأَتَمَّهُنَّ ) في ذلك اشارة لخطورتها واهميتها , فبين الله تعالى اتمامها . 
قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ{124}  
ذهب المفسرون في عدة اتجاهات حول امامة ابراهيم (ع) , قد لا يلبي أي منها طموح المتأملين , فيرى المتأمل ان الدين الاسلامي هو اخر الاديان , ونبيه (ص) اخر الانبياء , وكتابه القرآن الكريم , اخر الكتب , و محمد (ص) امام الاسلام و المسلمين , وهو من ذرية ابراهيم (ع) , وقد وعد الله ان يظهر الاسلام على الدين , فيكون الاسلام مصدر التشريع لكافة الانس والجن , فيصبح الاسلام اماما للبشرية , ومحمد (ص) اماما للاسلام , وهو (ص) من ذرية ابراهيم (ع) فيتحقق قوله تعالى (قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً ) . 
وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْناً وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ{125}   
اتخذ الله عز وجل له بيتا في الارض , ليكون قبلة للمسلمين , و يقصده الحجاج للطواف , والعاكفين و المتعبدين الركع السجود , واختاره جل وعلا ان يكون في جزيرة العرب , ولم يختاره ليكون في لندن او باريس , في ذلك اشارة كبيرة لاهمية هذه الارض والاراضي المحيطة بها .
يعهد الله عز وجل لابراهيم واسماعيل (ع) , (أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ ) , وهكذا كان ! . 
وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَـَذَا بَلَداً آمِناً وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُم بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ قَالَ وَمَن كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ{126}
  دعاء الانبياء (ع) مستجاب , سريع المفعول , فيحل الامن والامان على مكة والبيت , ويكفى كل من يلوذ بهما .
يتوعد الله عز وجل من كفر بمتاع الدنيا الفانية , ليكون مصيره في الاخرة النار , ذلك المصير البائس ! . 
وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ{127}
يرفع ابراهيم واسماعيل (ع) بناء الكعبة المشرفة , من الاسس , حتى الجدران , بخشوع وهيبة , داعيين الباري عز وجل ان يتقبل منهما هذا العمل , لعلمه بشؤون عباده , رغم العمل الشاق لم يغفل ابراهيم واسماعيل (ع) من مناجاة الله عز وجل , ولم يغب ذكره جل وعلا من قلبيهما (ع) , والاجدر بالاشارة , انهما (ع) يسألانه عز وجل ان يتقبل منهما ! , اما في ايامنا هذه يعمل عمل الخير , من قبل المؤمنين وغيرهم , غير مبالين بقبوله من قبله عز وجل ام لا , المهم لديهم انهم قد عملوا شيئا , يذكرهم الناس فيه , مدة من الزمان او ربما مدى الحياة . 
رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ{128}
يستمر ابراهيم واسماعيل (ع) بالدعاء والتضرع لله عز وجل , فيسألانه ان يجعلهما مسلمين , وذريتهما ان تكون مسلمة , ثابته على نهج الاسلام . 
ابراهيم واسماعيل (ع) رغم انهما مسلمين لله عز وجل يطلبان منه ان يثبتهما على الاسلام , ورغم انهما معصومان يطلبان التوبة ! , الواضح انهما (ع) يريدان ان يظهرا تواضعهما ويعلما امتهما وذريتهما . 
رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ{129}   
يدعو ابراهيم واسماعيل (ع) الله عز وجل , ويطلبان منه ان يبعث في امتهما رسولا من نفس الامة , فيتلوا عليهم ايات الله , ويعلمهم الكتاب والحكمة والشرائع والسنن , ويطهرهم من الشرك ودنس الذنوب , واكل الحرام . 
لقد كان ابراهيم (ع) يعلم بأمر خاتم الانبياء (ص) , فما ضرورة الدعاء له (ص) ؟ , يجب على المتأمل ان يقف هنا , حتى يطلع على اراء المختصين في الموضوع , فيعود بعد ذلك للتأمل . 
فيجد ان الامر من المحتوم , وبالرغم من ذلك , يجب الدعاء له (ص) , وهناك قضية ينتظرها كافة المسلمين , الا وهي قضية الامام المهدي (عج) , فبالرغم من انها من المحتوم , لكن يجب الدعاء له (عج ) بغية تعجيل ظهوره , كما وان للدعاء فوائد كثيرة , ففي رواية (( ادع الله ولو على شسع نعلك )) . 
وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلاَّ مَن سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ{130}  
ملة ابراهيم (ع) هي ملة الاسلام , فمن يرفض الاسلام , فقد رفض ملة ابراهيم (ع) , ولا يكون الا سفيها وجاهل , الغريب في الموضوع , ان الله عز وجل لم يتوعد ذلك السفيه بالعقوبة ! , لا شك ان كلمة (مَن سَفِهَ نَفْسَهُ ) اتت محشورة بين ملة ابراهيم (ع) وبين اصطفائه (ع) , اذا علمنا ان ملة ابراهيم (ع) هي الاسلام , دين الرحمة , فلم تذكر أي عقوبات للسفيه في هذه الاية , وهذا لايعني ان ذلك السفيه في امان من العقوبة .   
إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ{131}
ابراهيم (ع) ذلك العبد الصالح , حيث قال له الله عز وجل ( أسْلِمْ ) , فأجاب بما لا يقبل الشك والريب , (أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ ) . 
يجد المتأمل في هذه الايات الكريمة مادة خصبة للتأمل , فينظر كيف اختار الله عز وجل بشرا من خلقه ليكون خليلا , خليلا عربيا هو ابا العرب , واختار ارضا تقع في ارض العرب لتكون له بيتا .
كما وان في الاسلام تأمل لا حد له , بدءا من تاريخ ظهوره ( ابراهيم ) وانتهاءا في الخاتم محمد (ص) , ( إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ }يوسف40 

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


حيدر الحد راوي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2011/10/16



كتابة تعليق لموضوع : تأملات في القران الكريم ح13
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net