ردود على محاولة الإساءة للقرأن والنبي ص
تثيرُ ظاهرةُ تكرار الإساءة لمقام النبي الكريم محمدٍ (صلى الله عليه وآله وسلم) والقرأن الكريم من قِبَل الآخر المُختلِف أسئلةً عدةً حول الدوافع ، والأهداف ، والآثار الناتجة عنها ، وتضعُ المثقفَ الإسلاميَّ أمامَ وجهٍ من وجوهِ التحدياتِ القائمةِ التي تقفُ خلفَها جهاتٌ مختلفةٌ ، كثيرةٌ ، ومتنوعةٌ ؛ تختلفُ وسائلُها وطرائقُ اشتباكِها مع الخطاب الإسلامي ، و يوحدُها الهدفُ المُبتغى والنتيجة المرجوَّة. ومن جانب آخر فإنَّها تضع الإنسانَ المُسلم أياً كان مستواه الثقافي ودرجةُ وعيه ومعرفتُه أمام نفسه في عمليةِ مُساءلةٍ ومُحاسبةٍ حول طبيعةِ علاقته بالنبي (ص) أسوةً ، وإماماً في المعرفة والسلوك ، وتجعله قبالةَ حالاتِ التفريطِ بالإرث النبويِّ المعرفيِّ الكبير ، و الانحراف عن صراط السلوك المحمديِّ المستقيم التي يعيشُها الكثيرُ منا، في مكان العمل والبيت وفي شتى الأماكن والمواقف الحياتية ، فلا يمر يومٌ من دون أن يقترفَ أو يقتربَ ـ في أهون الأمور ـ من أنْ يعيشَ حالةً من هذه الحالات .
وهكذا تدفعنا هذه الظاهرةُ إلى الوقوف أمام الذات والآخر على حدٍ سواء ، وقفة متأملة واعية , ويبدو لي أنَّ الوقفة الأولى التي تتضمنُ إعادة قراءة علاقتنا بالنبي (ص) و تقويم سلوكنا الشخصي على درجةٍ كبيرةٍ من الأهمية ، لأنها الأسَّ الذي يقومُ عليه كل ما عدا ذلك ، وسنبقى دائماً بحاجة مستمرة لمثل هذه القراءات ، لأنها ترمِّمُ بعض ما تآكلَ من بنيان هذه العلاقة ، وتحصِّنُ ما سَلم منها .
أما ظاهرةُ الإساءة للنبي (ص) فلا يمكن فصلُها عن فضائها الكبير الذي تنتمي إليه بكل مكوناته السياسية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها . لا يمكن عزلُها عمَّا روَّجَ إليه الخطابُ الغربي تحت عنوان (صراع الحضارات) بديلاً واقعياً لما رآه في (حوار الحضارات) من يوتوبيا افتراضية هي أقربُ إلى حلمٍ رومانسي ليس هناك مجالٌ لتحققه على أرض الواقع . و لا يمكن سلخَ الظاهرةِ عن المكوِّن النفسيِّ الغربيِّ الذي ترتكز إليه العديدُ من محاولاتِ الإساءة إلى الدين الإسلامي ورموزه . على الرغم من محاولةِ البعضِ ـ عبر نظرةٍ فقيرةٍ مُستعجلة ـ تضييقَ حاضنةِ هذه الظاهرة ، والتقليلَ من أهميتها و خطورتها .
من هنا كان لهذا المِلف أنْ يتوجه إلى رصدِ الحدث (حدث الإساءة) وتداعياته ، و ردود الأفعالِ المُسلِمَةِ في جانب يسيرٍ منها ، والانتقالِ إلى قراءتهِ وتفكيكهِ بطريقةٍ حرصَتْ بعضُ مقالاتِ هذا الملف على رصدِ جذورِه وتشخيصِ مَرجعياتهِ برؤيةٍ علميةٍ دقيقةٍ ، و هو ما يجسِّدُ نزوعاً حقيقياً نحو التعاطي مع الآخر المختلف بشكلٍ علمي وحواري جريءٍ و غير متشنج نحن أحوج ما نكونُ إليه في عصرنا الراهن.
تبقى الحاجةُ ماسةً إلى دراسةٍ شاملةٍ ،متأنيةٍ ، و موضوعيةٍ لهذه الظاهرة ، تقرؤها في ضوء مسبوقاتِها الفكريَّةِ والنفسيَّةِ ، ننتظرُ أنْ يُحققها باحثٌ حاذق ، وما هو ببعيدٍ إنْ شاء الله .
|