منذ اللحظة التي نجح البرلمان العراقي في عقد جلسته التي انتهت بقرار تعطيل مجلس المفوضين والعودة الى الفرز اليدوي لنتائج الانتخابات، لا أحد يبدو قادرا على تحديد المسار الذي ستسلكه البلاد.
الجزم عند أيّ نقطة ستنتهي إليها "أزمة النتائج" يكاد يكون مستحيلا مع مجموعة طرق محتملة، أغلبها ذات نهايات مجهولة وخطيرة في آنٍ معاً، والفراغ الدستوري المنتظر بعد الثلاثين من حزيران الجاري موعد انتهاء عمر البرلمان الحالي.
ما يمكن قوله إن "مواجهة المصالح" التي تبتلع كل شيء وتسخر كل شيء طيلة 15 عاما، تمكنت من دفع مجلس النواب؛ ليضع سكينة على رقبة العملية السياسية فيما هو الطرف المطالب بل المسؤول عن حمايتها قبل غيره.
ليس من شك في أن بعض مفاصل العملية الانتخابية انطوت على مخالفات وتلاعب خصوصا انتخابات النازحين وكركوك و الاقتراع الخاص لكن كل ذلك لا يبرر ما حصل.
نواب خاسرون يشكلون نحو 70 بالمئة من مجلس النواب الحالي يدفعون المؤسسة التشريعية لارتكاب حزمة من الخروقات الدستورية والقانونية في ظرف ساعتين فقط! ساعتين حصيلتهما فراغ دستوري قادم لا محالة مع علم الجميع وفي مقدمتهم النواب الطامحون بالعودة أن العد والفرز اليدوي، وفترة الطعونات الخاصة به، وصولا الى المصادقة ستتطلب مدة لا تقل عن الشهرين، في حين ان الفترة الفاصلة بين الفراغ الدستوري واللحظة التي دخل فيها النواب قاعة الجلسة هي 24 يوما.
ومع أن أية "غنيمة سياسية" مهما كبرت لا تبرر أن يكون مجلس النواب بنفسه وراء التسبب بفراغ دستوري، لكن كانت الاجراءات التي تدفع الى هذا الفراغ ستبدو مقنعة في حال وجود ولو مؤشر واحد على ان تغييرا جذريا سيحصل في "حصص" القوائم، كل المعطيات تقول إن العد والفرز اليدوي لن يغير بتراتبية الكتل، ولن يكون أكثر من خسارة بعض الكتل عددا محدودا جدا من المقاعد، وما هو أكيد ان التغيير الضئيل إن حصل فلن يؤثر في شكل التحالفات وهو المسالة الأهم عن القوى التي تتقاسم المشهد الانتخابي.
وربما ستكون هناك قدرة على تجرع "الفراغ الدستوري" لو أن الاعادة ستزيل حالة اللاثقة التي تسيطر على الشارع العراقي بكل تفاصيل العملية الانتخابية.
الاطمئنان لن يعود بإعادة الفرز ومن دونه، ولنا أن نتخيل كيف سيكون حجم التشكيك هذه المرة فيما لو نجحت شخصيات سياسية كبيرة بالوصول بعد الفرز اليدوي؛ وقتها سيكون الحديث هكذا: شخصيات كبيرة تمتلك "حصة" (عضو في مجلس المفوضين التسعة) لم تفلح بالفرز الالكتروني فلجأت الى الفرز اليدوي من أجل الفوز. سيما أن هذا الفرز يعتمد على العنصر البشري بشكل كامل وبالتالي فرصة ممارسة الضغوط عن طريق "الحصة" متاحة!
إن ما يؤشر على وجود شيء من الانتقام سيطر على المزاج داخل القاعة في جلسة الاربعاء هو إهمال النواب خيارا كان ممكنا أن يجمع بين كشف التلاعب الحاصل في بعض مفاصل العملية الانتخابية وبين تلافي الوقوع بالفراغ الدستوري وذلك باتخاذ قرار بإعادة فرز جزئي يشمل فقط مناطق الاعتراض منها مثلا كركوك والسليمانية وحتى تصويت الخارج والنازحين، وهي عملية كان ممكنا لها ان لا تستغرق ما لا يكلف كل المدة المتبقية من عمر البرلمان الحالي وبالتالي تجنب المحظور.
الغريب ان هاجس "الفراغ الدستوري" لم يكن كافيا لردع النواب الخاسرين ولا لإقناع رئيس البرلمان الحالي سليم الجبوري لتلافي هذه الفراغ، بالرغم من كون هذا الهاجس نفسه دفع في السابق دعاة تأجيل الانتخابات وبمقدمتهم الجبوري نفسه الى القبول بإجرائها في موعدها، والغريب ايضا إن الكثير ممن رفع شعار "احذروا الفراغ الدستوري" أيام جدل موعد الانتخابات بهدف قطع الطريق على من يريد التأجيل سجل دورا رئيسا في الجلسة المخالفات الدستورية، منهم على سبيل المثال رئيس ائتلاف دولة القانون نوري المالكي!
بالمحصلة إن جلسة الاربعاء كانت بمجملها استجابة متهورة للعبة مصالح لا تقف عند حدود الفوز والخسارة انما تمتد حتى للحراك السياسي المتعلق بمنصب رئيس الوزراء، هذا يمكن التأكد منه في اي عملية جرد سريعة لمعرفة المستفيدين من تعطيل انعقاد البرلمان الجديد، فالاعتقاد بأن ما حصل جاء نتيجة تحالف بين إرادة الخاسرين ورغبة رئيس الوزراء الحالي حيدر العبادي بالبقاء في منصبه يبدو مقنعا، فلا أحد يمكن أن ينكر الفائدة التي ستعود على بقاء الاخير بمنصبه لفترة أخرى وكم ورقة ضغط سيكسب لمواجهة التعقيد السياسي الذي يعرقل طريقه لنيل الولاية الثانية سيما بعد كل المعلومات التي تقول ان مستوى قبوله من الكتل الاخرى كان ينتقل بين الرفض أو دعمه بشروط شبه تعجيزية.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat