اثر دلالة المفردة في الإيقاع داخل الخطاب دلالات الخطاب المـــــوجه إلى أهل الكتـاب في القرآن الكريم
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

ملخص رسالة الماجستير للطالب مراد حميد عبد الله علي العبد الله
إن التركيب هو مجموع من الكلمات متراصة ومتلاحمة، تحمل دلالات ومعاني توجه الفكرة الذهنية من قيد المحسوس الفكري، لتبصر الوجود الفعلي داخل النص، وتحمل هذه الفكرة كل ما يراود النفس من مشاعر روحية ونفسية وانفعالية، لغرض تصويرها بأدق معنى لتؤدي الفكرة وتوصيل ما يريد المتكلم إلى متلقيه؛ فعندما نريد تحليل أي نص لمعرفة ما يحمل لنا من خبايا وأسرار، لابد لنا من أن نقوم بتفكيك النص وتجزئته، حتى يتسنى لنا دراسة كل جانب...
فقارئ النص لابد له من أن يقوم بفهم النص بصورة عامة، ثم يحاول معرفة البيئة أو سياق الحال الذي قيلت فيه، ومن ثم يركز على إدراك العلاقات النحوية، وطريقة الأداء اللغوية، ومعرفة الدلالات الهامشية للألفاظ، وما تحمله من عاطفة انفعالية تكون مصاحبه للنص. وعليه فمهمة المحلل ستكون حافلة في الوقوف على كل جزء، لكن ليس بمعزل عن الآخر، بل لابد من أن يكون كلاً مجتمعا، حتى نصل إلى الغاية المتوخاة من التحليل.
فاللغة العربية تميزت بأن أغلب تعبيراتها اتسمت بائتلاف جرس وقعها، ويسر ألفاظها، وخفة أدائها في النطق، فهجرت بذلك اللغة كل لفظ مستوحش وخشن؛ ويصاحب ذلك كله ما يسمى بالعنصر الإيقاعي، وهو أهم عنصر جمالي في النص، نظراً لارتباطه بطبيعة التركيبة العصبية للبشر، من حيث استجابتها لما هو منظم...
فان اقتران ما هو منتظم من الأفعال، بما هو منتظم من الأصوات، سيضاعف من فاعلية العنصر الإيقاعي، ويكسب أهمية خاصة، فالإيقاع في الخطاب إنما هو قائم على أسس نفسية، لأن الإيقاع ينبع من النفس عن طريق توظيف صيغ وألفاظ لها وقع إيقاعي، يساهم بشكل فعال في توجيه الغرض من الخطاب، فالألفاظ في السياق اللغوي قوى روحية تملأ ما يتطلع إليه القصد المعنوي، لكن يجب أن نعرف أولا أن الإيقاع لا ينبعث في العلاقات الصوتية فحسب، بل في التهيؤ النفسي للمتلقي الذي يحفزه العمل الإبداعي من خلال تراصف عدة جوانب، فالقيمة الحقيقية للإيقاع لاتكمن في العلاقات الصوتية نفسها، بل في التهيؤ النفسي الذي يحدثه الأثر الأدبي الجيد، من خلال شبكة عظيمة من العادات والمشاعر، والدافع يبدأ من الكلمات الأولى وتستمر في النمو، فكل كلمة جديدة تصادف استعدادا مسبقا، وتلتئم مع هذا الاستعداد.
ولا يعني هذا الالتئام إن الكلمة الجديدة، أو المؤثر الجديد، يأتي بإشباع للتوقع، أو إخلاف التوقع، فلا يقلان أهمية عن إشباعه؛ إذ أن الإشباع المستمر يحدث فتوراً أو إعراضاً، إنما يعني هذا الالتئام إن كل مؤثر جديد يدخل في تكوين الاستجابة التالية، وهذا هو الفرق بين التنويع والممتع، وبين إخلال النظم، فموضوع مثل الزجر- على سبيل المثال - يتطلب سياقا كاملا ذا إيقاع شديد، يحوي كلمات تتصل الواحدة بالأخرى، فكل منها تسهم بشكل فعّال في زيادة حدة الإيقاع.
أما بارتفاع أو بانخفاض، ولا يخفى أن هناك سياقا يستمر بالارتفاع، فتحدث في النفس نفرة منه، فالإيقاع في النظم القرآني ساعد كثيرا في توجيه النفس البشرية، نتيجة لما تتمتع به ألفاظ القرآن من قوة الدلالة في الإيحاء، فقوله تعالى حين كلم سبحانه النبي موسى (ع): (إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِي الْمُقَدَّسِ طُوًى) طه:12، فالأمر بلفظ (الخلع) منح السياق هدوءاً مستمراً على ما كان من أمر النداء، ثم الأمر بالدخول ثم جاء أمر التكليم، على الرغم من الإثارة النفسية التي تعرض إليها النبي موسى (ع)، وعجبه من هذا الصوت الذي يناديه، فأمر الخلع هو أمر بالإقامة والاستقرار، وهذا تنبيه لموسى (ع) على إن الموقف موقف حضور ومقام مشافهة؛ وقد خلى به وخصه من نفسه بمزيد من العناية، ولذا قيل إني أنا ربك، ولم يقل أنا أو أنا رب العالمين، فلما تعددت الآراء التي قيلت في المادة المصنوعة منها النعلين، ربما يكون لذلك ارتباط نفسي، فجاء الأمر بالخلع على ألطف ما يكون، ولم يرد بيان خلعه للفعل، سوى انه يدخل واديا مقدسا، ويقف بين حضرة ربه، فجاء الأمر حاملاً معه لهجة رخية.
إن ما يُحدث الإيقاع داخل العبارة القرآنية ما تحمله العبارة من جرس وحركة، تتعانقان لتتميم الصورة في إيقاع مثير، وفي انتظام موحد، فالإيقاع الداخلي للكلمات داخل السياق، مرتبط بالحالة النفسية عند المتكلم، وقدرته على صنع حالة انفعالية تساعده في إثارة انفعال متلقيه، عبر مزج روح الأمن والطمأنينة لديه، مع روح الخوف، وهذا يساعد بدوره على خلق حالة وجدانية وشعورية تجعله قادرا على الانتقال إلى نفس المتلقي... فالإيقاع إذن إشارة طبيعية إلى عمق الانفعال، فان هذا الإيقاع يميل إلى أن ينقل الانفعال إلى قلب السامع.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat