صفحة الكاتب : منتظر العلي

أسواقُ الكوفة في التاريخ
منتظر العلي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

  مثلت الأسواق في مدينة الكوفة الحياة بمختلف جوانبها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية، فلم تقتصرْ الأسواق على عمليات البيع والشراء، وانما كان لها الأثر الكبير والواضح على حياة العرب قبل الاسلام وبعده، فمثلت مكاناً لفضّ النزاعات القبلية، وداراً يلجأ اليها الضعفاء والعاجزون الذين يطلبون الحماية، وفيها تُعقد الأحلاف، وتدفع المظالم عن المظلومين، كما انها كانت مدرسة ثقافية يتبارى فيها الناس في الشعر والنثر، منهم الخطباء والشعراء في المناسبات القومية والدينية. 

 ولما مُصّرت الكوفة، وبنيت فيها الأسواق، حرص العرب المسلمون على أن تكون هذه الأسواق امتداداً للاسواق القديمة قبل الاسلام التي كانت عليها العرب آنذاك وأعطوها نفس الصورة التي كانت عليها، حيث انهم لم يفرضوا عليها حدوداً مصطنعة، وانما تركوها ساحة كبيرة واسعة وأرضاً رحبة. ويظهر أن أسواق الكوفة بقيت على هذه الحالة غير المستقرة فترة من الزمن. 

 وكانت الأسواق تمتد من قصر الامارة والمسجد الجامع الى القلائين، والى دور ثقيف، وأشجع من الجانب الاخر حيث كانت تتصل بالكناسة، الى أن السوق القديم الذي هو بقرب المسجد الجامع هو نفسه السوق الذي تطور وتوسع بعد أن تثبتت مكانه وموقعه الى سوق كبير أو مجموعة اسواق. 

 ويقال أن امتداد هذه الأسواق جاء باتجاه الشمال الشرقي وباتجاه الجنوب الغربي من المسجد الجامع ومركز المدينة، وقد اصطلح على الأسواق التي مثلت جزءاً من مركز المدينة بتسمية السوق الجامعة، حيث ازداد عرض أفضل أنواع السلع والبضائع. 

 وكانت هذه الأسواق مسقفة بالحصر والبواري؛ كونها السوق الرئيسة الوحيدة في مدينة الكوفة، وبقت على ذلك حتى (105هـ)، حيث صنفت الأسواق حسب الباعة ووزعت توزيعاً حسب البضائع والتجارات، وبنيت الحوانيت بالأحجار، وسقفت بسقوف من ازاج مصقور بالاجر والجص، وعلى وفق هذه الرواية نجد السوق صنفت حسب السلعة التي تباع فيها؛ فلكل سلعة دار أو سوق خاصة به، وبنيت بشكل دكاكين منظمة.. وكان المحتسب وديوانه قد اتخذ مكاناً في السوق، وجعل بينه مسجداً بين حوانيت الصيارفة والمسلفين، حيث كانت تقع هذه الحوانيت في مسجد بني جذيمة. 

 وأشارت المصادر التاريخية الى أن في الكوفة اسواقاً عديدة وكثيرة مختلفة، منها سوق أسد، سوق يوسف، وسوق حكمة، وهو أيضاً بنواحي الكوفة، فكانت هذه الأسواق من أشهر الأسواق في الكوفة. ونشير هنا الى أن هذه الأسواق لم تحدها حدود معينة او اسوار، وانما كانت على ارض مفتوحة. 

 وتجدر الاشارة الى أن أسواق مدينة الكوفة تميزت واشتهرت بحرف وصناعات الى جانب مزاولتها التجارة في عمليات البيع والشراء، فمن هذه المهن صناعة الوشي والخز، وبشكل خاص العمائم والمناديل الكوفية المشهورة، وصناعة السيوف الحيرية الشهيرة والسهام ونصال الرماح التي تميزت فيها المدينة؛ كونها أنشئت بوصفها قاعدة عسكرية أساساً للمجاهدين العرب المسلمين. 

 وقد اشتهرت مهنة الصيارفة والصاغة الذين كانوا في سوق قريب من الجامع في جهة الجنوب والى شماله كانت سوق وحوانيت الوراقين ومحلات التمارون الذين يبيعون التمر والبقالون، وأصحاب الأنماط اضافة الى محلات القصارين والجزارين والحناطون. 

 وذكر ان الصيارفة اللخميين كانوا أساقفة في الحيرة وبعد ظهور الصيارفة المسلمين دفع ذلك الى اتصالهم بالصيارفة النصارى اليعاقبة الذين كانوا قد نزحوا من نجران، فتبادلوا التعاون والخبرات في مجال عملهم. كما اشتهرت الكوفة بصناعة النسيج، وانتشرت هذه الصناعة انتشاراً كبيراً بعد اقبال الأمراء عليها، بحيث أصبحت مكافأة رجال الدولة تقدم من الملابس الثمينة والسلع الفاخرة فضلاً عن ظهور مهنة جديدة، تتعلق ببيع الزهور والبنفسج والزنبق الابيض. 

 كما تميّز الكوفيون بالنجارة وصناعة الاثاث، وصناعة الاواني الفخارية والخزف والجرار ذات الالوان الزاهية، وصناعة الدهون والزيوت، واستخراج زيت السمسم ودهن اللوز، وصناعة الصابون وغيرها من الصناعات والأعمال الحرفية الاخرى التي أثبتت بمرور الأيام بأن لأهل مدينة الكوفة الخبرات الكبيرة التي نمت وتطورت بعد القرن الاول الهجري، لتصبح في أزهى حللها.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


منتظر العلي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2021/06/21



كتابة تعليق لموضوع : أسواقُ الكوفة في التاريخ
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net