صفحة الكاتب : محمد عبد الرحمن

مؤشرات اقتصادية
محمد عبد الرحمن

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

لا يزال المراقبون والمحللون ومنظمات دولية يوجهون التحذيرات بشان آفاق الاقتصاد العراقي في ظل التوجهات والسياسات القائمة، فيما أوساط رسمية عراقية وجهات متنفذة مهيمنة تواصل الحديث وكأن بلادنا ذات اقتصاد متين وراسخ ومتنوع المصادر ويخطو بخطوات ثابتة نحو النمو . وحتى عندما يتم ذكر ارقام عن النمو، فحقيقة الامر انه لا يتعدى إيرادات تصدير النفط الخام.  
التحذيرات تؤشر ركود الناتج الإجمالي الوطني غير النفطي، وارتفاع معدلات الديون ، الداخلية والخارجية ، واستمرار انخفاض قيمة الدينار العراقي مقابل الدولار الأمريكي  ، فيما سعر الصرف ما زالت تتحكم فيه السوق الموازية وسط عجز حكومي واضح عن السيطرة عليه ، بينما يواصل البنك المركزي  ضخ الملايين من الدولارات عبر بوابة “مزاد العملة “ الذي يثير استمراره الجدل رغم كل ما قيل عنه.  
وهذه الأوضاع دفعت الى المزيد من تدهور القيم الفعلية للأجور والرواتب، مع ارتفاع الأسعار وشحة او سوء الخدمات العامة المقدمة للمواطنين، لاسيما في مجالات الصحة والتعليم والنقل، كذلك الاعتماد الكبير على الاستيراد بعد ما أصاب الصناعة والزراعة من شلل. 
الاقتصاديون الجادون والمنظمات الدولية ذات العلاقة، يصفون الاقتصاد العراقي بانه “اقتصاد هش” وهذا أساسا مرتبط باعتماد تمويل الموازنة بنسبة تتجاوز ٩٥ في المائة من إيرادات النفط ، وهي غير خاضعة  لسيطرة وتحكم العراق صعودا وهبوطا. وفي هذا السياق تقول تقديرات ان هبوط سعر برميل النفط الى ما دون ٦٠ دولار يمكن ان تنتج عنه كوارث جدية، وعندها ستغطي  تلك الإيرادات رواتب الموظفين والرعاية الاجتماعية فقط واللتين تصلان الى اكثر من ٨٧ ترليون دينار في الموازنة العامة لسنة ٢٠٢٣ . 
وواضح ان السياسات المتبعة حتى الان لم تؤدِّ الى تنوع الاقتصاد والتقليل الممنهج من الاعتماد على تصدير النفط ، والى تعدد مصادر تمويل الموازنة العامة ، بل ادت الى انكماش الناتج المحلي في سنة ٢٠٢٣، وزيادة الدين العام ليبلغ ٥٨,٣ في المائة بعد ان كان في سنة ٢٠٢٢ بحدود ٥٣,٨ في المائة، أي انه سيصل الى ١٥٢ مليار دولار بزيادة ١٠ مليارات دولار، ومنها ديون  خارجية تبلغ ٥٠ مليار دولار، وداخلية تصل الى ١٠٢ مليار دولار. وهذه الأرقام تقول ان الحكومة اقترضت في السنوات الثلاث السابقة داخليا حوالي ٦٠ مليار دولار ، بمعدل ١٥ مليار سنويا، وبفوائد سنوية للديون الداخلية تبلغ ١٧ في المائة من حجم الديون. 
ومن جانب آخر وعند الحديث عن متوسط دخل الفرد العراقي (على الرغم من الملاحظات على آلية احتسابه) ، فان متوسط الدخل الشهري في العراق لسنة ٢٠٢٣ بلغ ٥٤٤ دولارا فقط ، في حين كان في قطر ٣٨٩٢ ، وفي الامارات ٣٤٩٤ ، وفي الأردن بحدود ٦١٩ دولار .
ولابد من الإشارة الى ان النفقات العامة في تزايد تصاعدي وخاصة الرواتب والأجور، مع توجه غير مدروس لتوسيع التوظيف، حيث تقول تقديرات رسمية ان عدد موظفي الدولة العراقية منذ سنة ٢٠٠٤ حتى ٢٠١٩ ازداد بنسبة ٤٠٠ في المائة، وبالقطع طفرت هذه النسبة في السنوات الأخيرة هروبا من استحقاق توفير فرص عمل وايلاء العناية لتنمية القطاعات الوطنية المنتجة، وتهيئة الظروف المناسبة للاستثمار، والحرص على تشغيل الايدي العاملة فيه والحد من عسكرة المجتمع. هذا ويتخذ التوظيف راهنا طابعا زبائنيا متزايدا واستثمارا سياسيا .
كل هذه المعطيات وغيرها تؤشر الخلل البنيوي الكبير في الاقتصاد العراقي، وتعمق طابعه الريعي، وما يقود اليه هذا من تفاوت اجتماعي كبير، مع عدم وجود إرادة سياسية تعمل عبر إجراءات ضامنة للحد من تاثير ذلك، على وفق منظومة متكاملة من الضمانات الصحية والاجتماعية والخدمات العامة المقبولة، وعدم التمييز بين المواطنين . 
ان استمرار السياسة الاقتصادية والمالية والنقدية الراهنة، مع تفشي الفساد رغم كل الإجراءات المتخذة، لن يقود الا الى المزيد من تبذير أموال الدولة وهدرها وتعمق التداعيات الناجمة عنها، ولن يفضي الى تنمية اقتصادية – اجتماعية مستديمة باتت مطلوبة بإلحاح.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


محمد عبد الرحمن
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2024/03/18



كتابة تعليق لموضوع : مؤشرات اقتصادية
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net