صفحة الكاتب : د . محمد تقي جون

المنامة الثالثة والسبعون عُطل... عُطل
د . محمد تقي جون
حين لعبوا بكل الموازين لتختل الحياة، واتفاقاً مع مبدأ التعطيل الذي وسموا به ورسموا مستقبل العراق، انهدَّ سيل العُطل جارفاً قاصفاً. كان الشعب ممدداً كميَّت مؤجل لا ينقصه سوى الأجل. وتوغل الثلج في كل المفاصل فتجمدت وإذا بالعراق نهاره وليله نائم.
قال ابن سيَّا وهو يتأكد من تحول العطل كثرةً إلى نوع آخر من القتل: 
" حين خلق الله (سبحانه) السماوات والارضين في ستة أيام، وجعل اليوم السابع يوم راحة، لم يكن محتاجاً للعمل والراحة، ولا هما يمتان لقدرته بصلة. لأنه قادر أن يخلقها بكلمة واحدة (كن فيكون)، ولكنه (Y) أراد من ذلك أن يؤسس للسلوك البشري في الأرض حسب، فعلى الإنسان أن يتعب، ومقابل ستة أيام تعب يكون اليوم السابع للراحة. وهو ما كان؛ فكل ملة ودين وأمة لها عطلة بعد كد وعمل، الهدف منها ليس محض الراحة بل لينشط بها الإنسان ويعاود العمل".
" ولكن أمريكا وساستها (المنفذين ضد أبناء جلدتهم) استغلالاً للطبيعة العراقية (النفعية) أفشت العطل لتعطيل الحياة، فأصبحت العطلة حاضنة وظرفاً لتحطيم الإنسان والبلد. بل صارت العطلة تعدي ما قبلها أو ما بعدها من الايام، وصارت غير منضبطة بقرار، ومفاجئة احياناً، وقد يتعطل العراق لارتفاع طفيف في درجات الحرارة او البرودة (حمارة الحَر وصبَّارة القـُر)، أو لولادة أو وفاة احد الأئمة فجعلوهم دعاة كسل وهم دعاة عمل، وأضافوا لجمعة المسلمين سبت اليهود...".
لقد كانت العطل مانعة من اكتساب العلم للطلبة؛ فبسببها يموت نصف زمن التعليم، وبسببها يتأخر عمل الدوائر، وتصبح مشاريع البناء (شراميع). وشيئاً فشيئاً سادت البلادة وأصبح الاسترخاء عادة. ولأن الدولة لم تصنع ما يشجع العمل استشعروا الملل وصاروا يطلبون الراحة ويفضلون الاستراحة، وهكذا تخلصت أمريكا من الإنسان بانيا والإعمار مبانياً.
ويستمر سيل العطل لتسود العطالة وتتأصل، وتشيع ثقافة الجمود والتوقف والخراب.. كان الناس في هستريا يستفسرون بعضهم من بعض متى أقرب عطلة؟ وكم عطلة في هذا الشهر؟ لقد صاروا مدمنين على الراحة، مخدرين يُسار بهم وهم نيام. 
ما لاحظوا ان الراحة لا تكون إلا بعد تعب، وأي راحة على راحة تؤدي إلى شلل كالأكل على أكل. وإذا أعطِيتْ الراحة فليس لذاتها او فائضة عن الحاجة، بل بقدر ما يستعيد به الإنسان نشاطه ليقوم للعمل مجددا، وبهذا سعادة الإنسان وقيام الحضارات وإعمار الأرض. أما إطلاق الراحة فهي كالماء قليله مع الحاجة إليه يحيي، وكثيره مع عدم الحاجة إليه يميت.
اذاً تحقق لابن سيَّا أن العطل وضعت وفق برنامج دقيق مدروس، فكانت طُعماً بلعه العراقيون وسيبلعونه حتى الموت أو ينتبهوا.
فأطلقها ذات دوي تحمل كل مرخ ومرتخٍ أن يصغي:
أتفرحون بالعُطلْ من عُطلٍ إلى عُطلْ
ألم تخافوا أنها (طُعمٌ) يموتُ من أكلْ
إن لم تكن عن تعَبٍ فذاك تعطيلٌ.. شللْ
الله أعطى راحةً بُعيدَ كدٍّ فاستهلْ
يا جمعة الرحمن لم تُشفعْ، ومن يَشفعُ ضلْ
فلا أقول سيدي أنت عميلٌ فعَمَلْ
بل أنتما: شعب غفا وحاكم عنه انشغلْ
فهل ترى كمثلنا بين الشعوب والدولْ
بل كلُّ شعبٍ.. دولةٍ تُُعلي ويعليها العملْ
تزاحمَ القتل علينـــــــــــــــــــا وأرى النومَ قتَلْ
الله يا شعبي أما تتـــــــــــــــــرك إدمان الجهَلْ؟
ألم يساورك المللْ؟ ألم يضايقك الكلل؟
البطء يستشري بدنيـــــــــــاك وما تشكو الثقلْ؟
البطء يستشري.. وفي العالـــــــم يستشري العَجَلْ
انهض وعوِّض فائتاً والغِ من العام العُطَلْ
أو بكَ نائماً يسارُ للتــــــــــــــــــلاشي والفشلْ

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . محمد تقي جون
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2014/08/08



كتابة تعليق لموضوع : المنامة الثالثة والسبعون عُطل... عُطل
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net