صفحة الكاتب : مصطفى الهادي

الشمر الضبابي ماذا تعرف عن ((الشمر بن ذي الجوشن)).
مصطفى الهادي

ما أكثر الشخصيات القلقة في التاريخ التي تركت ندوبا عميقة لا تُمحى في ذاكرة الأمم ، وخلّفت آلاما أسست لحزنٍ دائم في وجدان الشعوب. صاحبنا اليوم هو الشخصية المضطربة الغامضة (شمر بن ذي الجوشن؟!!).

لعلنا نستفيد من الرواية التالية في تكوين بعض الاجابة على السؤال حول الشمر بن ذي الجوشن .

سأل رجل في الحج عبد الله بن عمر بن الخطاب عن دم بعوضة قتلها وهو محرم ؟ أهو حرام ؟

فسأله عبد الله من اي البلدان هو فقال من العراق .

فصاح عبد الله بن عمر بن الخطاب :أنظروا إلى هذا يسألني عن دم البعوضة، وقد قتلوا إبن رسول الله (صلّى الله عليه وآله)! وسمعت رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يقول: (إنهما رَيحانتّي من الدنيا) يعني الحسن والحسين (عليهما السلام).

الشمر هو ابن الجوشن بن الاعور بن الضباب بن كلاب:

كان يُذكر بالالقاب فقط. فهو : ابن ذو الجوشن. يعني ابن من يلبس العباية. من هو ذو الجوشن / اختلف الناس فيه .

ويُقال له : ابن الاعور . من هو الاعور اختلف الناس فيه ايضا .
ويُقال له أيضا : ابن الضباب ويُقال له الضبابي. من هو الضبابي هذا . لا أحد يدري. !!

يعني يصبح عندنا نسب هذا الرجل كالتالي :
الإسم : شمر .
الاب : ابن ذو الجوش!
الجد : ابن الأعور !
جد الجد : ابن الضباب !
العشيرة : ابن كلاب !

وافعا نسب شيلة راس .

ولكن لماذا هذا الغموض في نسب الرجل ، لعل الرواية التالية تسلط الضوء على بعض جوانب هذا الغموض ورد في ج4 ص492. عن الشيخ عباس القمي في نفس الصحفة عن كتاب مثالب العرب لابن الكلبي ان امرأة ذي الجوشن ـــ يعني أم الشمر ـــ خرجت من جبانة ــ مقبرة ـــ السبيع إلى جبانة كنده فعطشت في الطريق ولاقت راعيا يرعى الغنم فطلبت منه أن يسقيها الماء فابى ان يعطيها الا بالاصابة منها فمكنته فواقعها الراعي فحملت بشمر. فأصبح هذا الفعل سُبتة عليه حيث حيث ناداه الحسين عليه السلام يوم عاشوراء : (يا ابن راعية المعزى) كناية عن هذا الفعل. (1)

الشمر : كانت سيرته غامضة وذكره سيء وكان الناس يعرفونه بأقبح الاسماء حيث كان يُعرف بأنه (( ابن البوال على عقبيه )) كما في رواية زهير بن القين التالية .

عندما خاطب زهير اهل الكوفة ووعضهم ناداه الشمر : لقد اضجرتنا بخطابك يا ابن القين . فقال له زهير : يا ابن البوال على عقبيه ما إياك اخاطب انما أنت بهيمة والله ما اظنك تحكم من كتاب الله آيتين فابشر بالخزي يوم القيامة والعذاب الأليم .

فاالشمر لم يكن يحسن من كتاب الله آيتين ؟؟!! لابل انه لم يكن يحضر الصلاة كما يروي ابي إسحاق السبيعي في لسان الميزان لابن حجر ج4 ص259 حيث يقول: ((كان شمر بن ذي الجوشن الضبابي لا يكاد أولاً يحضر الصلاة معنا)).
وقول زهير بن القين للشمر بأنه ابن البوال على عقبيه له دلالات غير حميدة عند العرب .

ففي قول علي عليه السلام دلالة لا تخفى على كل عاقل عندما يقول عليه السلام : (لا نقبل قول أعرابي بوال على عقبيه؟).

أو قول عمر بن الخطاب : (يا كليب لن احاسبك فلا معنى لحساب أعرابي بوال على عقبيه).

فكانت هذه الكلمة سُبة لكل من تقال له ملازمة له يُعيرونه بها للدلالة على ضعة اصل الرجل وخباثة اصله.

والشمر بن ذي الجوشن ليس كما يُشاع عنه من شجاعة كاذبة بل كان الرجل في جُبن فاضح وخسة ونذالة تدفعهُ للجرأة على الشرفاء في حالة ضعفهم وليس في حال قوتهم .
فعندما كان شمر بن ذي الجوشن يحرّض الجيش على قتل الحسين فمر بأبي الجنوب وهو شاك في السلاح فقال له الشمر : أقدم على الحسين وقاتله قال أبو الجنوب : وما يمنعك أن تقدم عليه أنت يا شمر ؟

فقال شمر له : أليَّ تقول ذا ؟ قال : وأنت لي تقول ذا ؟ فاستبا فقال له أبو الجنوب : وكان شجاعا : والله لهممت أن أخضخض السنان في عينك قال : فانصرف الشمر عنه وقال : والله لان قدرت على أن أضرك لأضرنك .
وهذا هو قول الجبناء الذين يتحاشون لقاء الابطال وجها لوجه، فيتحينون الفرص للإضرار بهم .

والشمر كلمة اصلها : شامير ، أو سامر ، تُقلب فتصبح شمر وهي من أسماء اليهود ولربما يُشير ذلك إلى اصل الشمر اليهودي لأن الخطاب أيضا موجه له تحت إسم : يا ابن اليهودية . وكان إسم الشمر من أسماء اليهود المعروفة والمؤرخون يعرفون ذلك فلا يفوتهم الاشارة إلى ذلك:

وقد ذكر ذلك في بعض الروايات كما في الرواية التالية :

فانطلق علي عليه السّلام إلى رجل من اليهود يقال له جار بن الشمر اليهودي. فقال له علي عليه السّلام: أسلفني ثلاثة أصوع من شعير وأعطني جزةً من الصوف تغزلها لك بنت محمد. فمن خلال هذه الرواية يتبين أن (الشمر) من أساء اليهود.

وحتى من كتب في هذا العصر يعرف ذلك ، كما قال أحد الكتاب :

فإن شمر العصر هو (موشي ديان)، وإن الشمر الذي كان قبل 1300 عام مات وأتخم موتاً، فتعرفوا الى شمر هذا العصر.

ولربما نعرف هدف من يسأل عن كفر الشمر فإنه في النهاية يُريد ان يقول بأن الشمر كان من شيعة علي كما يُشاع عنه هنا وهناك .

واقول له بأن ذلك بعيد كل البعد عن الحقيقة لأن أهل البيت لم يعرفوا امثال هذه النماذج , وحتى لو عرفوها فهذا ليس من العجائب وخصوصا وان الرسول علّم بعض اصحابه اسماء المنافقين في المدينة وكانوا من أصحابه .

فمثلا كان زهير بن القين وهو من افضل اصحاب الحسين عليه السلام كان عثمانيا يبغض أن يجتمع في مسيره مع الامام الحسين عليه السلام .

كـان زهـيـر رجلاً شريفاً في قومه ، نازلاً فيهم بالكوفة ، شجاعاً، له في المغازي مواقف مشهورة ومـواطـن مـشـهـودة . وكـان اولاً عـثـمانيّاً، فحجّ سنة ستين في اهله . ثمّ عاد فوافق الحسين (ع) في الطريق .

روى ابـو مخنف عن بعض الفزاريين قال : كنّا مع زهير بن القين حين اقبلنا من مكّة نساير الحسين (ع) فـلم يـكـن شـي ء ابـغـض إ ليـنـا مـن ان نـسـايـره فـي مـنـزل ، فـإ ذا سـار الحـسـيـن (ع) تـخـلّف زهـيـر، وإ ذا نـزل الحـسـيـن تـقـدّم زهـيـر،، فهداه اللّه ، وانتقل زهير علويا وقاتل بين يدي الحسين حتى قُتل رضي الله عنه .
فليس من العجب ان ينقلب من كان مع علي إلى بغضه .

اما الشمر بن ذي الجوشن فكان بعيداً عن أهل البيت عليهم السلام ولم تكن له مخالطة معهم
ان الحسين (عليه السلام) عندما قال الشمر أبشر بالنار سأله من أنت فقال أنا شمر وهذا دليل على عدم معرفته المسبقة به.فكيف يكون من اصحاب الامام علي عليه السلام .

الشمر بن ذي الجوشن الضبابي ـ لعنه الله ـ كان يعلم ذلك أيضاً لان حينما رجع الى يزيد ( لعنه الله ) وهو حاملاً رأس الحسين عليه السلام طلب الجائزة وقال مفتخراً :

إملأ ركابي فضة أو ذهبـاً * قتلت خـير الـناس أما وأباً
أنـي قـتلت الـسيد المهذبا * وخيـرهم جداً وأعلا نـسباً
طغته بـالرمح حـتى انقـلبا * ضربته بالسيف ضرباً عجباً (2)
فمن يعترف بأنه قتل خير الناس أما وأبا وخيرهم جدا وأعلا نسبا ، يقتله طمعا في حطام الدنيا ماذا يُقال له؟ ولكن مع اعتراف الشمر بقتل الامام الحسين ووصفه بانه خير الناس اما وابا إلا أننا نرى من عجائب الدهر ان بعض علماء علم الرجال عند اهل السنة والجماعة يوثقونه مثل يحيى بن معين. ولعله من مآس الدهر ايضا أن يُعتبر الشمر بن ذي الجوشن من (خير الناس) وذلك حسب الحديث الذي يرويه اهل السنة من أن النبي قال : ((خيركم قرني ، ثم الذين يلونهم ، ثم الذين يلونهم )). يعني الصحابة والتابعين وأتباعهم هم خير القرون او خير الناس ، وكان الشمر من التابعين.
وعلى ضوء هذا الحديث قال الصفدي في كتابه الوافي بالوفيات في ترجمة شمر: ((كانت لأبيه صحبة وهو تابعي)). (3) أي ان شمرا كان من التابعين فيكون وفق الحديث الاول ان شمرا من (خير الناس). لانه من التابعين وبناء على ذلك أيضا فهو يدخل ضمن الصلاة عليه كما يُصلى على النبي وآله وصحابته حيث يقولون في الصلوات على النبي : (اللهم صل على النبي محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم باحسان إلى يوم الدين). فأدخلوا في الصلاة كل من هب ودب من شذّاذ الامة وسفلتها مع ان كتبهم تروي بأن الشمر أحد قتلة الإمام الحسين عليه السلام . كما عن ابن حجر في لسان الميزان في كلامه عن شمر: ((أحد قتلة الحسين رضي الله عنه)).(4)
فهل يكون خير الناس من اعترف انه قتل خير الناس ؟
قال تعالى في كتابه العزيز : (( ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤهُ جنهمُ خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنهُ وأعد له عذابا عظيما)). (5)

المصادر .
1- على طريقة الامويين في تزوير الحقائق فقد اختلقوا روايات مفادها ان الشمر هو اخ لإم البنين وهذه طريقة من قبل الخط الأموي لوضع نسب للشمر لأنه اسدى خدمات جليلة لهم في واقعة كربلاء ولذلك قيل بأن الشمر اقرباء العباس وهو من قبيلة بني كلاب . وبما أن زوجة الامام علي عليه السلام ام البنين كلابية ايضا ، فهذا يعني عند العرب بأن الشمر والعباس بينهم خوله ، يعني خوال . ولذلك حسب رواياتهم فإن الشمر نادى العباس قال : اين ابناء اختنا . وهذا طبعا غير صحيح وغير ثابت تاريخيا .
2- يُنسب هذا الشعر إلى اثنين خولي بن يزيد وشمر بن ذي الجوشن كما في الفصول المهمة في معرفة الأئمة - ابن الصباغ - ج ٢ - الصفحة ٨٢٩ وكذلك : ينابيع المودة للقندوزي الحنفي ج 2 : 424 .
3- لسان الميزان لابن حجر ج16 ص 105.
4- نفس المصدر السابق ج4 ص259 .
5- سورة النساء آية : 93.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


مصطفى الهادي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2015/10/26



كتابة تعليق لموضوع : الشمر الضبابي ماذا تعرف عن ((الشمر بن ذي الجوشن)).
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net