صفحة الكاتب : مصطفى الهادي

العض على اصابع الندم .
مصطفى الهادي

 يقول تعالى في معنى ذلك : (يوم يعض الظالم على يديه). (1) وقد استعارت العرب ذلك فقالت : يعض اصابع الندم . وهو تعبير على فداحة الخسارة وعظيم الندم.

ففي حالة التقصير الشديد واضاعة الفرصة يصمت كل شيء من حولك ويمد الخاسر في صوته المتحسر، ونبراته الأسيفة؛ والإيقاع الممدود يزيد الموقف طولاً ويزيد أثره عمقاً وعذابا.

﴿ويوم يعض الظالم على يديه ﴾ يعض على أصابع الندم.. فلا تكفيه يد واحدة يعض عليها ولا اصبع واحد يقضمهُ. إنما هو يداول بين الأيدي والاصابع أو يجمع بينهما لشدة ما يعانيه من الندم اللاذع المتمثل في عضه على اليدين والاصابع. وهي حركة معهودة يرمز بها إلى حالة احباط نفسي فيجسمها تجسيماً حيث تبدأ حركة العض لا اراديا.

ويتكرر هذا المشهد مرات ومرات والمقصود هو الإنسان ( فَرَدُّوا أيديهم في أفواههم) (2) حركة لا شعورية تدل على الدهش والندم في آن واحد . ( عَضُّوا عليكم الأنامل من الغيظ) (3) ويتكرر هذا المشهد والعضّ مستمر ولكن الندم لا يفيد.

أشياء كثيرة في هذه الحياة لا نعرف قيمتها حتى نفقدها فنعض عليها اصابع الندم. وفي كثير من الاحيان عندما ندرك قيمتها يكون الوقت قد فات واننا اصبحنا في الوقت الضائع الذي لا نعرف متى يطلق الحكم فيها صفارته فينتهي كل شيء ولا ينفع حينها الندم.

فلا يعرف الحياة إلا المحتضر .
ولا يعرف قيمة الام إلا اليتيم .
ولا يعرف قيمة الصحة ، إلا عند المرض.
ولا نعرف قيمة المال إلا بعد فقده والحاجة إليه.
ولا نعرف قيمة القوة إلا حين الضعف.
ولانعرف قيمة الطعام إلا عند الجوع.
ولا نعرف قيمة الزواج إلا بعد الانفصال.
ولا نعرف نعمة الأولاد إلا عند العقر.
ولا نعرف قيمة الصديق إلا عندما نخسره.
ولا نعرف قيمة الامان إلا عند الخوف.
ولانعرف قيمة الوطن وحب الوطن إلا عند الغربة.
ولا نعرف قيمة الوقت ، إلا عند الرحيل.

فلا نعرف قيمة هذه الأشياء إلا عندما نفقدها ! وعندما تعود ننسى كم تحسرنا على فقدانها وكأننا لم نتعلم بعد أهميتها . وهكذا تتكرر حالات عض الاصابع.

فلنعرف قيمة الوقت على الاقل قبل الرحيل ، ما دمنا نعيش ثوانيه ودقائقه وساعاته ونحن نرفل بأثواب الصحة والامان. فإذا زاغت الابصار وبلغت القلوب الحناجر ، فلا تلحق ان تعض اصابع الندم بل سيكون ولات حين مندم.
(إذا بلغت التراقي ، وقيلَ من راق، وظن أنه الفراقُ والتفتِ الساقُ بالساقِ إلى ربك يومئذ المساق). (4)

1- الفرقان آية : 27 ـــ 29.
2- إبراهيم آية : 9.
3- آل عمران آية : 119.
4- سورة القيامة آية : 25.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


مصطفى الهادي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2016/02/01



كتابة تعليق لموضوع : العض على اصابع الندم .
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net