ترامب وتقمص دور"المنقذ"

 

البعض يرى ان الرئيس الامريكي الجديد دونالد ترامب فشل في طمأنة ملايين الامريكيين الذين لم يصوتوا له في الانتخابات الرئاسية ، ويتوجسون خوفا من سياسته على الصعيدين الداخلي والخارجي ، خلال خطاب حفل التنصيب الذي اقيم في واشنطن يوم الجمعة 20 كانون الثاني / يناير ، بعد ان اعاد ذات الكلمات والعبارات التي استخدمها خلال حملته الانتخابية.

على نقيض المجموعة الاولى ، هناك من يرى ان ترامب لم يفشل في طمأنة المشككين به ، لانه لم يبذل اي مسعى في هذا المجال لطمأنتهم لانه ببساطة لا يقيم وزنا لهم ما داموا لم يؤمنوا به وبسياسته وبرامجه ، التي اكد عليها وبشكل استفزازي خلال الانتخابات ، التي افرزت انقساما في المجتمع الامريكي لم يشهده التاريخ الحديث لامريكا من قبل.
يمكن تلمس هذه الحقيقة ، ليس من خطاب التنصيب او من خلال خطابات ترامب التي القاها خلال حملته الانتخابية ، بل من نوعية اعضاء الفريق الذي اختاره لقيادة امريكا خلال السنوات الاربع القادمة ، فهي من النوعية التي تتحول امامها شخصيات مثل وزير الدفاع الامريكي السابق دونالد رامسفلد ونائب الرئيس الامريكي السابق ديك جيني الى حمائم ، فهذا الاختيار يؤكد اصرار ترامب على تنفيذ وعوده الانتخابية مهما كانت النتائج.
فهذا الفريق مؤلف من مرشح وزير الدفاع الجنرال جيمس ماتيس ، المعروف بالكلب المسعور ،  الذي أوصى ، خلال توليه قيادة المنطقة الوسطى في الجيش الاميركي، في العام 2011، الرئيس الامريكي السابق باراك اوباما بمهاجمة ايران ، ردا على تصدي المقاومة العراقية لقوات الاحتلال الامريكي ، كما اكد لاوباما انه سيكون لديه ثلاثة أولويات هي “إيران، إيران وإيران” ، واما مرشح ترامب لوزارة الخارجية ريكس تيلرسون فهو من اشد المعارضين للاتفاق النووي بين ايران ومجموعة 5+1 ، واما مرشحه لمنصب مستشار الامن القومي فهو الجنرال المتقاعد مايكل فلين صاحب مقولة ان “الاسلام ايديولوجيا مريضة” و “أن “الإسلاموفوبيا منطقية وأن الإسلام أراد استعباد أو إبادة 80% من البشرية” ، وجميع هؤلاء المرشحين هم من اقرب المقربين من “اسرائيل” والداعمين والمحرضين على نقل السفارة الامريكية من تل ابيب الى القدس.
من الواضح ان ترامب سيسعى من خلال هذا الفريق المتطرف والعنصري ، لتنفيذ وعوده الانتخابية ، مثل بناء جدار على الحدود مع المكسيك ، ومنع العرب والمسلمين من الدخول الى امريكا، وطرد 11 مليون لاجىء ، ونقل سفارة امريكا من تل ابيب الى القدس ، والدخول في صراع تجاري مرير مع الصين واستفزازها عبر الاتصال بزعيم تايوان ، والغاء الاتفاق النووي مع ايران ، واتخاذ مواقف غامضة من الاتحاد الاوروبي والناتو.
اشخاص مثل ترامب يؤمنون انهم “منقذون” ، وان الاقدار اختارتهم “لانقاذ شيء ما” ، وليس مهما بعد هذا الايمان ان يكون لك اعداء او اصدقاء ، وهذه الصفة ، “صفة المنقذ” ، هي صفة مشتركة لدى كل مستبدي وطغاة التاريخ ، الذين سحقوا الملايين واشاعوا الدمار والخراب في العالم ، ليتموا مهمتهم في “الانقاذ” ، وتتضاعف خطورة مثل هؤلاء الاشخاص عندما يخرجون من دول تمتلك قدرات عسكرية هائلة ، كما هو حال ترامب اليوم.
هناك صفة اخرى مشتركة لهذا النوع من “القادة المنقذين” ، وهي انفصالهم عن الواقع بشكل كامل ، ويزداد هذا الانفصال كلما طال امدهم في الحكم ، فكل الذين استمعوا لخطاب ترامب ، صدموا من الصورة التي رسمها للاقتصاد والامن في امريكا ، وهي صورة لم تكن في جوانب منها تتسق مع الواقع.
توماس ألان شوارتز ، وهو مؤرخ لشؤون الرئاسة في جامعة فاندربيلت ، اشار الى تناقضات ترامب وقال ، إن الصورة التي رسمها ترامب “لا يوافقه عليها كل الأمريكيين على الأرجح” ، فهو ” ما زال يعول على شعور بالأزمة الوطنية والتراجع” ، فاقتراحاته بشأن دعم الإنفاق على البنية التحتية وفرض قيود صارمة على الحدود ولهجته الجانحة إلى الانعزال في خطابه ربما لا تتوافق مع الأولويات التقليدية حتى لدى رفاقه الجمهوريين.
نائب المستشارة الألمانية، زيغمار غابرييل، قال بعد تنصيب ترامب مباشرة ، إن «ما سمعناه اليوم كان نبرات قومية عالية… أعتقد أن علينا التأهّب لأوقات صعبة” ، ان ترامب «كان جاداً جداً»، في خطاب تنصيبه، وهو ما يعني أنه سينفذ تعهداته في ما يتعلّق بالتجارة والقضايا الأخرى، ويحوّلها إلى فعل ، لذلك على أوروبا وألمانيا أن تقفا معاً «للدفاع عن مصالحنا”.
التظاهرات النسوية التي عمت امريكا والعالم ضد تنصيب ترامب ، والشرخ الكبير الذي شهده المجتمع الامريكي ، ونسبة الشعبية المتدنية والقياسية له ، وادبياته العنصرية ، وشخصيته السجالية ، وتاريخه الشخص والمهني ، بالاضافة الى فوزه الباهت على هيلاري كلينتون ، وحالة الخوف التي اثارتها مواقفه وتصريحات غير المسؤولة ازاء القضايا الدولية الحساسة ، كلها عوامل تجعل الاعوام الاربع المقبلة ، ليست صعبة على امريكا فحسب ، بل على العالم اجمع ، هذا لو اتم ترامب فعلا هذه السنوات في منصب الرئاسة ، فالعالم لم يعد يتحمل المزيد من التطرف.

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2017/01/22



كتابة تعليق لموضوع : ترامب وتقمص دور"المنقذ"
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net