صفحة الكاتب : نبيل نعمه الجابري

التخطيط التربوي وتحديد الأولويات  (المعلم ثانياً)
نبيل نعمه الجابري

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

    تقوم التربية في جوهرها على تنمية الإنسان؛ لأنه أساس كل تنمية، وهو صانع كل حضارة، أهميته تتأتى من كونه محركاً لكل مدخل من مدخلات التنمية، بل وهو أساسها، كما إنَّ نتاج هذه المدخلات يتجه إليه، وبذلك يكون غايةً له تُسخر كل الإمكانيات المادية والطبيعية والصناعية، والوسائل المتاحة...
   عملية التربية والتعليم خصوصاً في مرحلتها الابتدائية، أو الأساسية؛ تعدُّ القاعدة التي يُنطلق منها لبناء المواطن الصالح، كما أنها المرحلة التي يستمد فيها الاتجاهات والعادات، وتتأصل من خلالها الملامح الرئيسة لشخصية هذا الإنسان، الكائن، البنّاء في مجتمعه، عبر توافر مجموعة من الأولويات المصنفة بدقة، هذه الأولويات تتكاتف فيما بينها كيما ينمو سليماً معافى، يتمتع بروح المواطنة، ليختزل بداخله كل القيم النبيلة التي تمثله في مسيرته الإنسانية القادمة.
  وبعد أن تناولنا المدرسة وطبيعتها وهيئتها وأهميتها كأولوية أولى من غيرها، لا يمكن أن يكون هناك هدف تعليمي دونها، بعدّها ركناً أساسياً من أركان التخطيط التربوي، نأتي لتناول المحور الثاني من محاور وأولويات التخطيط التربوي والتعليمي، والمتمثل في (المعلم)، باعتباره المحور الذي عن طريقه يتم معرفة قدرات وميول واتجاهات المتعلمين، والكشف عن أنماط التعليم لديهم.
   ورغم تعدد النظرة للمعلم لدى الشعوب الإنسانية، إلا أنه ومنذ القدم مثّل قيمة إنسانية كبيرة، وحظي بالهيبة والوقار والاحترام والتبجيل، فقد مثل المعلم قمة الهرم الوظيفي في بناء الدولة إبان أبجدياتها الأولى، فالحضارة الصينية كانت تولي للمعلم أهمية خاصة، وتجعل من اختياره لمزاولة مهنة التعليم أمراً صعباً يستمر لعشرات السنوات، ويمر باختبارات مضنية، لعلمهم أن مناصب الدولة المهمة التي لم يكن ينالها إلا المجدُّ من أبناء أقرانه، لا يكون إلا من خلال المعلم، كذلك هي التربية اليونانية والإغريقية، والفلاسفة والمتكلمين، وما وصلوا وتوصلوا إليه في العهد اليوناني، لهو خير دليل على عظمة مكانة المعلم لديهم؛ لذا نرى بأن المعلم أو الفيلسوف كان مقرباً من البلاط الإمبراطوري، وله حظوة كبيرة لدى الإمبراطور، كذلك هو الأمر في الحضارة الهندية والفارسية، إلا أن المعلم لدى العرب وبالتحديد عند المسلمين، كان مثالاً حياً جُسدَ بشخصيات سيذكرها التاريخ عبر مراحله، وشخصية رسولنا الكريم محمد (ص) خير شاهد على الدور الذي كان يلعبه المعلم، وهو يبث في الأمة الإسلامية معطيات الرسالة السمحة، إذا قال (ص): (إنما بعثتُ لأتمم مكارم الأخلاق)، كما وقال (ص): (أدبني ربي فأحسن تأديبي)، هكذا وضع رسولنا الكريم (ص) صورة واضحة لشخصية المعلم، وحدد بدقة المكانة التي يحتلها في مجتمعه.
  استمرت النظرة للمعلم خلال العصور الإسلامية المتلاحقة – ومع وجود التباين في النظرة إليه - إلا انه حظي بمنزلة كبيرة، وقد دوّنت كتب التاريخ أعلاماً من المعلمين والأساتذة الذي تلمذوا تحت أيديهم جهابذة ننحني لهم في كل تذكرة، لما سطرته يراعاتهم وفي كل المجالات.
   اليوم ومع تطور الحياة وتخصصها، لم يعد المعلم محوراً عن طريقه يتم إمداد العلوم، والفنون، والآداب، والأديان كما كان متعارفاً عليه، بل تطورت النظرة للمعلم، وأولي الأهمية من قبل مؤسسات معنية متخصصة في إعداده وتنشئته، حتى يكون عنصراً فاعلاً في قيادة المجتمع، وراحت هذه المؤسسات تعد الخطط اللازمة والكفيلة بتطوير عمله، إلا أننا مع وجود هذه المؤسسات، نلاحظ تراجعاً ملحوظاً في نتاج العملية التربوية والتعليمية، والمخرجات التي نأمل أن تكون عليها، سبب هذا التراجع يمكن عزوه إلى مجموعة أمور، منها عدم وجود تخطيط دقيق، وعدم الاهتمام بإعدادهم وفق تصور سليم ودقيق، وأقصد هنا المعاهد والمؤسسات المعنية بإعداد المعلمين الأكْفَاء في مجالات التعليم المتاحة.
 نحن نرى أن عملية خلق جيل تعليمي، يجب أن يعتمد على أسس ممنهجة، وخطط مدروسة يأخذ بها الجهاز التخطيطي، من أجل اعتماد خطة تربوية خمسية، أو عشرية، لمرحلة التعليم الابتدائي، تهدف إلى تطوير أنموذج للتنبؤ باحتياجات التعليم في سنوات الخطة، وبالتحديد فيما يتعلق منه بإعداد معلمين أكفاء لهم القدرة على ممارسة الكفايات التعليمية اللازمة لعملهم في هذه المرحلة، هذه القدرة تستند إلى مؤهلات مهنية تحكم شخصية المنتقى منهم، كيما يمثلوا الشريحة الواجب اختيارها، تتمثل في:
1-  مدى تكيف الأفراد المنتخبين مع طبيعة العمل التربوي والتعليمي، والمؤهل العلمي والأكاديمي، والخبرة الوظيفية، تأتي كأمور ثانوية، إذ يجب مراعاة ميول المعلمين ورغباتهم في المادة التي يجدون أنفسهم مبدعين فيها، وفق نظام محدد يتم مراجعته سنوياً.
2- إيلاء أهمية قصوى للنوع على حساب الكم، بتمهين الكوادر البشرية ذات المهارة، والخبرة، والتدريب، والابتعاد جهد الإمكان عن التوظيف الروتيني للكوادر العاملة في مجال التعليم على أساس المؤهل العلمي، وتقييم النقاط الحاصل عليها في مجال التخصص.
3- إبرام اتفاق مشترك بين مديريات التخطيط التربوي، ومديريات الإشراف التربوي، لإدخال المعلمين بدورات تقييمية نهاية كل عام دراسي، هذه الدورات إما أن تكون داخلية أو خارجية - حسب الحاجة -  يتم فيها إمدادهم بالخبرة الكافية لإعداد النشء، مستعينين بتقنيات التكنولوجيا، وفق وآخر ما توصل إليه العالم المتطور في هذا المجال، بما يضمن إنتاج عملية تشاركية تفاعلية بين مكونات العملية التربوية والتعليمية.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


نبيل نعمه الجابري
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2021/06/26



كتابة تعليق لموضوع : التخطيط التربوي وتحديد الأولويات  (المعلم ثانياً)
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net