استعرض سماحة السيد أحمد الصافي المنظومة الأخلاقية التي طرحها الإمام زين العابدين عليه السلام في دعاء مكارم الأخلاق، سلط الضوء فيها على الحالة النفسية، وتغيير مكامن النفس نحو الأفضل.
فقد اعتمدت السلطات السياسية على مد جذورها في مجتمع يفهم الإسلام فهما سطحيا، سطحوا له الدين العظيم فضعفت الأسس التي بنيت عليها المنظومة الأخلاقية، بقت أمامنا مساحة الفطرة الإنسانية التي يمكن الاعتماد عليها للتغيير.
الإنسان قادر على أن يغير بعض سلوكه نحو الأفضل، وتعد الأخلاق أحد مقومات شخصيته الإنسانية، حيث تمثل صورة الإنسان الباطنة، والتي محلها القلب وهي قوام شخصية الإنسان، ولا بد لهذه الأخلاق من مقومات أيضا لتتحول إلى سلوكيات تعامل بين أبناء المجتمع.
ذكر الأمام زين العابدين عليه السلام الكثير من هذه الأشياء المهمة من عوالم التغيير الأخلاقي مثل (حلية الصالحين/ زينة المتقين/ العدل/ كظم الغيض/ إطفاء النائرة/ ضم أهل الفرقة/ إصلاح ذات البين) ثم قال (إفشاء العارفة/ ستر العائدة/ لين العريكة/ خفض الجناح/ حسن السيرة/ سكون الريح/ طيب المخالقة/ السبق إلى الفضيلة/ إيثار التفضل ترك التعيير)
***
(إفشاء المعروف وحل المشاكل الاجتماعية)
الإسلام الحنيف ربط بين القيمة والسلوك وجعل الأخلاق هي القاسم المشترك بين أوجه الحياة المختلفة.
نجد أن القيم الإسلامية ثابتة لا تتغير كونها صالحة لكل زمان ومكان، الأخلاق في الإسلام هي الدعامة الأولى لحفظ كيان الأمة، وتركيز الإمام زين العابدين على قضية التعويد، لأن التعويد قد يلغي الكثير من أصول التعامل الإنساني لهذا كان مرتكز المعصوم عليه السلام إفشاء المعروف بين الناس، وهذه الأمور ينسبها سماحه السيد أحمد الصافي إلى علم النفس الحديث ومعالجة الوضع النفسي الخاص، أثر هذه الدروس النهضوية تعمل على تذويب الكثير من المشاكل، وأي خلل اجتماعي يسبب حاله نفسيه تنكمش عن الآخرين.
ترسيخ القيم الأخلاقية تبدأ من مواصفات وقائية لتحصين الإنسان اجتماعيا، كرس الأئمة عليهم السلام المفاهيم التربوية لتبدأ مع عملية النشأ لتعزز القيمة الإنسانية، الاحتفاء بالمولود واختيار الاسم الجيد، والكنية التي تليق بالاسم، هذه الأمور التي يظنها البعض صغيرة قادرة على تنظيم العلاقة بمستوى من المودة، ويتوسع الخطاب في كتاب المصابيح إلى قضية التوافق والانسجام وردم الهوة من خلال ذكر المحاسن، وتأسيس النتيجة للذات إنما هي أعمالكم ترد إليكم، سيقيض الله من يذكر الحسنات، الذكر الحسن الذي يقلل شحنة الضغائن ويأتي بتأثير إيجابي.
بما للقيم من فاعلية في بناء الإنسان والمجتمع، والدنيا بما تمتلك من تناقضات وثقافات فهي وسيلة من وسائل كسب الآخرة.
ذكر العيوب ونقلها يوسع المشاكل ويضر، وهذه الصفات لا يريدها الإمام عليه السلام للإنسان، فالقيم لها تأثير كبير على سلوك الإنسان الفرد، الذي يحقق معنى الوجود البشري لهذا نجد أن تعليم القيم وغرسها في نفوس النشأ فريضة ينبغي الاهتمام بها.
&&
ينبهنا سماحة السيد أحمد الصافي إلى مسالة مهمة، ذكر الناس بالمعروف لا يقلل ذلك من شان إنسان، البعض يعمل لإسقاط الآخرين من أعين الناس، البحث عن المثالب وتسقيط سمعة الآخرين ظاهرة متفشية، بعض البشر يتفكهون بالعيب والغيبة والنميمة والكلام لمجرد الكلام، قضية ترسيخ القيم قضية تربوية، كيف نغرس القيم في النشأ الجديد؟
نجد في كل دعاء من أدعية الإمام السجاد عليه السلام، موجه من موجهات السلوك، فمن أساسيات التوازن النفسي إفشاء العارفة، وستر العيب عن الناس، ما المصلحة في هتك ستر الآخرين، هل الانفتاح على الثقافات الغربية تجعلنا نتحرر من الدين؟
أم تجعلنا نعيش منطقة اللا دين، ونحن ندعي الإسلام، الغفلة تجعل الإنسان يتوقع أن الدين هو الصلاة والصوم، وبعض الروايات تقول بعض حطب جهنم أناس كانوا يقومون الليل، لكنهم إذا عرضت لهم الدنيا وثبوا عليها، هذا الإنسان يعيش حالة ازدواجية، يجب على الإنسان أن يرى نفسه على هذه الصفات التي يذكرها الإمام عليه السلام.
أشياء كثيرة توقعنا في مشاكل كان الأحرى بنا تجنبها، نخشى أن تعمل الثقافة المستوردة على تهميش الثقافة الدينية، وتتدنى معها القيم الأخلاقية والدينية، لهذا يعلمنا الإمام السجاد عليه السلام الصفات والأساليب التربوية ليصل بنا إلى (لين العريكة).
يروي لنا سماحة السيد أحمد الصافي عن وزير حضر بالمصادفة إلى أمين الخزنة الشخصي، فوجد شخصا بيده ورقة مكتوب عليها (يصرف هذا المال لفلان) قرأ الوزير الورقة المزورة فقال جئت استعجلك على الورقة كي تصرفها له.
&&
هذه الشمائل التي يوصي بها الإمام قادرة على بناء الإنسان المسلم وتكوينه الأخلاقي وحاجة الإنسان إلى التمسك بقيم الدين، ومن ضمن هذه الأمور التي يطلبها الإمام عليه السلام من الله سبحانه في دعائه (خفض الجناح/ حسن السيرة/ سكون الريح/ طيب المخالقة/ السبق إلى الفضيلة/ إثار التفضل/ ترك التعيير)
جوهر الدعاء رغم الفارق الزمني بيننا وبين الإمام عليه السلام يعد معالجة أغلب الأمور المعاصرة اليوم، ووضع الحلول لها مثلا (خفض الجناح) بعض الآيات الشريفة تقرن هذه القضية مع من يستحق أن نخفض له الجناح، القران الكريم يقول للنبي صلى الله عليه وآله وسلم ﴿ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ أتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ المقصود اخفض جناحك للمؤمنين، وفي العلاقة مع الأبوين يوصي الله تعالى الولد بأن يخفض الجناح (الجناح للطائر) دليل على المسكنة، يقصد التذلل والهدوء، هذه القضية فعلا من الأمور المعاصرة التي استفحل فيها العقوق بالوالدين، ثم يعود إلى أخلاقيات التسامح والسخاء، لا بد أن نتعلم (لين العريكة) والتواضع والتسامح وزيادة رصيد القيم بالحث على كسب الفضائل /وحسن السيرة/ وسكون الريح /وطيب المخالقة/ والسبق إلى الفضيلة، هناك جائزة من يفوز في السباق إلى الفضيلة، قضية غير قابلة أن يمنعك منها مانع، ليس هناك طرحا لا يسمح للإنسان أن يكون إنسانا جيدا.
شخص سماحة السيد أحمد الصافي قضية محورية مهمة كيفيه الإفادة من كلام الإمام عليه السلام، ووصاياه ونصائحه، يقول إن القيمة الحقيقية للإفادة من كلام الإمام عليه السلام هي فيما نعمل، وليس فيما نقول، يقول النبي صلى الله عليه وسلم "مَنْ عَمِلَ بِما عَلِمَ، أَوْرَثَهُ الله عِلْم ما لَمْ يَعْلَمْ ".
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat