شاهدت أحد شيوخ الوهابية يترحم على يزيدَ لعنه الله عليه، وشاهدت وهابيا آخر يمتدح الحسين ويتفجع لمصابه، أيهما يمثل علماء الجمهور؟
الجواب يأخذنا إلى أبعاد فكرية، وإلى مواضيع متشعبة، ونتف تاريخية لا تشبه بعضها البعض، وكل في واد.
أغلب مصادر علماء الجمهور يجوزون لعن يزيد لعنه الله، الإمام أحمد سأله ولده عن لعن يزيد فقال كيف لا يلعن من لعنه الله تعالى في كتابه ﴿فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ ﴿۲۲﴾ أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ ﴿۲۳-22﴾﴾ سورة محمد
وفي موقف آخر يعرض شيوخ الوهابية قضية أخرى، فهم يقولون أن هناك أناس من أهل الحسين عليه السلام وأقاربه منعوه من الخروج على يزيد فلم يمتنع.
والمعروف أن من أشار عليه بترك الخروج حرصا على حياته ولخوفهم عليه من خذلان الناس وهم يعيشون سطوة الخوف من طغيان الطغاة شيئا واردا، والحسين عليه السلام أعلن مخطط الثورة بنفسه (الحرية- والحكمة- والعدل- والإصلاح)، الكوفة رفضت بيعه يزيد أساسا ولم تقبل به يوما، ولا إشكال بين المسلمين قاطبة في أنه عليه السلام الرجل الأول في المسلمين، أفضلهم عند الله عز وجل وأرفعهم مقاما وأغبطهم كرامة
قال البلاذري أن رجال أهل العراق وأهل الحجاز ختلفون إِلَى الْحُسَيْن يجلونه ويعظمونه ويذكرون فضله ويدعونه إلى أنفسهم ويقولون: إنا لك عضد ويد. ليتخذوا الوسيلة إِلَيْهِ، وهم لا يشكون فِي أن مُعَاوِيَة إذا مات لم يعدل النَّاس بحسين أحدًا.
وهناك بعض الصحابة ممن شاهدوا موقف أن يلاعب ابن زياد قضيب على ثغر الإمام الحسين، اعترض الصحابة ممن كان حاضرا ومنهم أنس بن مالك وزيد بن أرقم وأبو برز الإسلامي وغيرهم، ذكرت بعض المصادر أن قوما قالوا لمعاوية اكتب إلى الحسين كتابا تعيبه وأباه فيه فقال (ما أعيب فيه إلا أن أكذب، ومثلي لا يعيب أحدا بالباطل، وما عسيت أن أقول في حسين ولست أراه للعيب موضعا) مهما كان مصدر هذا الحديث والرواية فهي تعمل لتحسين صورة معاوية وتصفه بالتعفف والرصانة والأخلاق المؤمنة، كيف هو لا يعيب ولا يكذب وهو الذي كان يأمر بلعن علي عليه السلام على منابر المسلمين، ويأمر الناس بشتمه، ومن كان يعتبر براءة علي انتماء لحكومة بني أمية.
والذي يدهشني أن مثل هذه الأخبار نجدها في بعض المصادر الشيعية، تكرر هذا القول، حتى لو كان بمنطوق المصدر، لا بد أن لا ننخدع بما يكتبون، الفرزدق ينقل الحقيقة إلى الحسين عليه السلام (أنت أحب الناس إلى الناس، والقضاء في السماء، والسيوف مع بني أمية). فما هو الشيء الجديد إذا ما سمعت أحدا يمدح الحسين عليه السلام ويترضى على قاتله، وإذا بقت المسألة على الكلام طعنا أو مدحا، فحامل الراس الشريف وقاتله شمر بن جوشن يدلي بشهادته لينال الجائزة
(أَوقِرْ رِكَابِي فِضَّةً وَذَهَبًا * أَنَا قَتَلْتُ الْمَلِكَ الْمُحَجَّبَا * قَتَلْتُ خَيْرَ النَّاسِ أُمًّا وَأَبَا * وَخَيْرَهُمْ إِذْ يُنْسَبُونَ نَسَبَا)
ينقل التاريخ هذه المشاهد التي مر بها الحسين لما تحمل من فكر في منهاج القضية الحسينية الفكري والإنساني والإسلامي، لو نتأمل في تلك المشاهد بكل مشهد على حدة من أجل فهم فقرات المسير الحسيني والنهضة الحسينية، وراي الناس من أهل الفكر والراي، عبد الله بن جعفر كتب للحسين عليه السلام (إن هلكت اليوم طفئ نور الأرض فأنك علم المهتدين ورجاء المؤمنين فلا تعجل) وابن مطيع يشخص حالة الدنيا والعالم فيقول للحسين عليه السلام (والله لأن قتلت لا بقيت حرمة بعدك إلا استحلت) ليس من السهل على مشايخ السلفية وغيرهم تبرير العمل الوحشي بقتل سيد الشهداء عليه السلام أو تقليل سخونة الجراح لأن القضية قضية ذمة وإنصاف.
وقف الحسين عليه السلام واضعا بصمته الأخيرة على الأحداث بصوته، بضميره، بموقفه (يا أمة السوء! بئسما خلفتم محمدا في عترته، أما إنكم لن تقتلوا بعدي عبدا من عباد الله الصالحين فتهابوا قتله، بل يهون عليكم عند قتلكم إياي) الآن علينا أن نقرا التاريخ بدقة لنعرف كيف يتعامل النواصب مع أخبار أهل البيت ومع تاريخ أهل البيت عليهم السلام، لنكشف رؤية التاريخ رؤية فاعلة ليس من أجل ترضية العروش، يقول التاريخ أن عبد الله بن الزبير كان شديد البغض لبني هاشم، قال لابن عباس إني لأكتم بغض أهل البيت منذ أربعين سنة) وقد ترك الصلاة على النبي في خطبه، قيل له في ذلك فقال إن له أهل سوء يشرئبون لذكره ويرفعون رؤوسهم إذا سمعوا به، وكان ينال من أمير المؤمنين عليه السلام وهو على منبر المسلمين، يقول ابن عباس إن لمقتل الحسين ومصيبة الحسين عليه السلام عندي أقل من شماته ابن الزبير ابن عباس: فازدد إذا بي قضبا، فو الله لا نبالي أحببتنا أم أبغضتنا!، ومع هذا البغض الشديد من النواصب هناك أخبار ونصوص تأتي عن طرق الجمهور فلا تستغرب إذا ما وجدت يوما شيخا وهابيا يروي بعض أحاديث الطف، مثلا السبب واضح هو أن نقل هذه الأخبار يعني شيوعها فلم يتمكنوا من تجاهلها، هناك روايات منقولة عن علماء الجمهور تؤيد وتؤكد أن الإمام الحسين عليه السلام أعد إعداد إلهيا لهذه المهمة، وأن الحسين عليه السلام ليس للشيعة فقط، وأن الحسين ليس لدين واحد معين بل هو لكل رسالات الله السماوية، وهذا يرتبط عندهم بقوله عليه السلام (من لم يلحق بنا لم يدرك الفتح) هو فتح للدين والدعوة إلى الله.
المهم أردت أن أوضح عن معنى المدون الموروث من علماء الجمهور الذين يمتدحون الحسين عليه السلام في موضع ويخفضون في موضع آخر، فكيف تتم محبة الحسين عليه السلام وهم يترضون على قاتله، القضية إذا هي طريقة تعبيرية أو وسيلة من وسائل التعبير ممكن أن نسميها طريقة (الشمر بن جوشن) حين امتدح الحسين بقوله (أني قتلت خير الناس أما وأبا)
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat