مرفأ علم ويقين. "سماحة السيد محمد الروحاني"
د . تقى محمود السعدي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
د . تقى محمود السعدي

سيرة أي عالم تعطينا القدرة على الإحساس في التاريخ كميزة إنسانية، وتمنحنا الكثير من مشاعر الحزن أن، لا يعرف شبابنا تاريخ العلماء تلك حسرة، وكل سيرة نمر عليها تشدنا بما لا بد أن نقدمه لهؤلاء العلماء.
سماحة السيد محمد بن السيد محمود الحسيني الروحاني ولد عام 1918م في ظل أسرة عريقة، والده أحد فضلاء الحوزة العلمية المقدسة، وجده أحد المراجع العظام، أجمل ما في مذهبنا الجعفري هو الاحتفاظ بتواريخ الأئمة عليهم السلام وعلماء الأمة، نحن نمتلك تاريخا لا بد أن يترجم إلى أحاسيس ومشاعر، كي لا نجعل رموزنا تماثيل من ورق ونعيد لهم الحياة في كل جيل، نعيش ماضيهم ومستقبلهم ونقرأ سيرتهم في مناهجنا
درس عند والده السيد محمود والشيخ جعفر الصوري القمي السيد شهاب الدين المرعشي، ثم شد الهجرة إلى كربلاء وهو شاب في منتصف العقد الثاني من عمره، ليحضر ما تبقى من السطوح العالية عند السيد محمد هادي الميلاني والسيد أبو القاسم الخوئي ثم هاجر إلى النجف الأشرف ليحضر دروس البحث عند الشيخ محمد حسين الكلباني الأصفهاني والشيخ محمد كاظم الشيرازي، والشيخ محمد رضا آل ياسين والشيخ محمد علي الكاظم الخرساني والسيد أبو القاسم الخوئي، كل عالم حوزة يشعر بثقل المسؤولية على عاتقه، ثقل علوم أهل البيت سلام الله عليهم، لأنه يدرس في مدرستهم ومنهجهم، ورغم ما عانت منه تلك المدرسة من اضطهاد المدارس الأخرى، ومواجهات لمدارس الزيف والاضطهاد وضعف وسائل التوثيق، إلا أن سعيهم كان جبارا في تخليد هذا الإرث الذي حاربته السلطات الرسمية في أحضان هذا التاريخ كان يكبّر العلماء، ومع حضوره دروس العلماء الأعلام، زاول التدريس في المقدمات إلى نهاية السطوح العالية سنين كثيرة، بدأ بتدريس البحث الخارجي وتخرج على يديه عدد كبير من الفقهاء واستمر على ذلك، هاجر مرغما إلى قم المقدسة، وكأني اكتشفت شيئا مهما لنفسي، عرفت بأن الجغرافيا تكبر بالتاريخ وأينما رسا العلماء حولوا تلك الموانئ إلى مرافئ علم وإبداع، فما أن وصل قم مهجرا إليها بدا بتدريس البحث الخارجي، وسرعان ما ازدحم الطلاب المخلصين في مجلس بحثه، وطلب منه الكثير من العلماء طرح مرجعيته بعد وفاة السيد الحكيم فرفض ذلك، وأشار بعد رحيل الخوئي قدس سره والسيد السبزواري والسيد الكليكاني وقد عانت مرجعيته من ظروف صعبة.
نحن لا ننظر إلى السيرة نظرة سطحية باعتبارها كأحداث شخصية واقعة بين حياة وموت الأحداث التي تمر برجال المرجعية هي أحداث أغلبها لها طابع عام، سيرة كل عام تشبه سيرة الملوك مرتبطة بالمجتمع والناس والدولة والتاريخ، وإذا ما أردنا أن نعرف أسماء بعض العلماء الذين تخرجوا من مدرسته، مثل سماحة الشهيد محمد باقر الصدر قدس سره، حيث درس عنده كفاية الأصول للمحقق الخرساني وحضر عنده الخارج إلى أن اشتغل بالتدريس، وتخرج من مدرسته سماحة السيد الشهيد عبد الصاحب نجل الإمام الحكيم قدس سره لمدة 20عاما، وهو يدرس عند السيد الروحاني وتخرج من مدرسة سماحة الشيخ البشير النجفي وسماحة الشهيد علاء الدين نجل السيد محسن الحكيم، وسماحة السيد علي مكي العاملي، والشيخ محمد مهدي شمس الدين، وسماحة الشيخ محمد الرضا الجعفري، وسماحة الشيخ محمد الصادق الجعفري، والكثير من الأساتذة، مدرسة خرجت أمة من العلماء، وأثرت العمق العلمي بالمجتمع، هذه القمة لا ينظر إليه كأمر شخصي، حياة هامة في نظر الآخرين والمجتمعات.
من مؤلفاته التي أنجزها عبارة عن شروحات استدلالية ورسائل علمية وتقارير أصولية ومجموعة كبيرة من البحوث والمناهج والكتب.
توفى إلى رحمة الله، يوم الجمعة عن عمر يناهز 99 عاما، في سنه 1444 هجرية قدس الله سره.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat