"أو تدرون بأنَّ السَّوطَ
قبلَ الضَّرب يبكي"
أن تمتلك القصائد لابد من أن تكون شامخا كشاعرة، و الليلة لا تجزم بعدد عشاق القمر لكنها تجزم بنصوص الشعراء. فالوطن ليس قصيدة، لكن لابد في حالة الجرح أن تنطق به شاعرة، والمجد في صياغة النهايات لا يمكن رؤيته دون التأمل في معبد الكلمة.
هكذا هو "بكيتُ العراق" ديوان ساجدة الموسوي الرابع عشر يمتحن الحلم ليرتقي به رسولا لوطن. هو ليس محاولة حزن، و لا صوت غارق في بحر، بل هو الشعر كجزء من النضال لحرية الحلم الذي يعيش على العراق.
تلك مهمة اللغة مع الموسوي، الإيحاء منها إحياء للغيوم لتمطر، في وطن لم يسأل شعبه - كما فعل أهل المكسيك تلك البلاد العريقة بالحضارات حينما غزاهم الأسبان عام 1521 - إن كانت الآلهة قد خانتهم؟
***
وفي 28 قصيدة ضمها هذا الديوان تؤكد الموسوي إن الأمل يليق بوطن مثل العراق. وإزاء رؤيا كهذه ، تبنى قصائد الموسوي على تمرد الصورة واحتجاجها وعلى شموخ الكلمة ودلالاتها. والدهشة مما حدث هو استعادة لما كان يجب أن يحدث. فالتاريخ في هذا الديوان تم توظيفه ليؤكد فعل المقاومة للاحتلال والهمجية والخيانة.
الإبداع، هو عذاب المبدع حينما يكون موضوع النص وطن، فما بالك بالعراق .وفضيلة النص مع الموسوي انه ينتمي لأولئك الذين لا نعرف أسماءهم، لكنهم يقاومون من اجل الحرية .
ومع إن الحداثة عربيا وصفا غامضا و زمنيا قد تم تجاوزه وإبداعيا لم يعد سؤالا للمبدع، إلا أن قصائد الموسوي تضع الحداثة باعتبارها موقفا في قضية .
"على لحظة كلُّ شيء يعودُ إلى عهدِهِ
والبلايا اختبار"
إن محاولات الحصول على الأمل ليس مثل المشاركة في صناعته. ومهمة المبدع تتجلى هنا، إذ هو متمرد حتى في يأسه، ومقاوم حتى حين يعلن استسلامه بالانتحار. لكنها في المقابل مهمة صعبة لأنها لا تنطوي على مفاجأة الأحياء فقط، بل تنطوي على الإبداع بوصفه التعبير الثائر عن امة من اجل البقاء والاستمرار.
لا يمكن التعامل مع قصائد الموسوي من خلال الفصل بين المضمون والشكل فالوحدة بينهما أساس الإبداع هنا، بل وأساس الموقف. فهي تنتمي للعراق والعرب والإنسانية مثلما حددت الموسوي موقعها في العالم.
هي شاعرة لا تساوم، ليس لان ذلك ما تقوله نصوصها، بل ما يؤكده فعل الكلمة، لكنها بالمقابل شاعرة برقة حلم ينتظر التحقيق.
مرة قالت الموسوي: " الشعر كان ولا يزال الكيان الذي من خلاله أطل على العالم الداخلي والخارجي". وقد أطلت بشموخ وطن يتلقى الطعنات لكن ذاكرته الأقدم في التاريخ.
إذا كانت الأمومة بقت لصيقة بمريم العذراء حينما تم تقديمها للعالم من خلال الفن، فإن الموسوي أكدت سجلها الذي كان دوما يؤكد ان الإبداع جزء من قضية وطن وشعوب تناضل من اجل الحرية والعدالة .
و دلالة الرمز في قصائد الموسوي يتجاوز الكلمة لأنه يصب في ساحة طويلة يفتحها النص. ذلك مثل بستان من النخيل يكتسب علاقته مع المكان بما يتجاوز التمر لأنه أساسا يدخل الجذور ليكون جزء من كل تفاصيل النخلة بما في ذلك ظلها.
ساجدة الموسوي. بكيت العراق: 2012، 110 ص
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat