صفحة الكاتب : د . اسعد كاظم شبيب

 المسائل الإقليمية وأزمة الاحتجاجات الشعبية في الأردن
د . اسعد كاظم شبيب

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 يبدو إن سمة الاستقرار التي عاشتها الأردن باتت ليس بمأمن من الاضطراب في ظل المتغيرات العديدة منذ أحداث ما عرف بالربيع العربي مع بدايات عام2011والى يوم اندلاع حركة الاحتجاجات المطلبية الشعبية غير المسبوقة في الأردن بهذا الشكل(مظاهرات مستمرة، واعتصامات، تطالب بإصلاحات اقتصادية، وإلغاء قانون ضريبة الدخل، وتخفيض أسعار المحروقات، وتغيير نهج الحكومة، مستفيدة من التطورات العالمية في مجال الإعلام وتكنولوجيا المعلومات والاتصال بين الناس)، اذ في التاريخ الاحتجاجي الأردني تتشابه المسألة ما بين احتجاجات عام 2018 وسابقاتها، حيث يلاحظ إن الإصلاحات الاقتصادية بدأت في الأردن كجزء من الضغوطات التي يتعرض لها من بيئته الخارجية سواء من مطالب المؤسسات المالية الدولية وحالة عدم الاستقرار الإقليمي الأمر الذي ينعكس سلبيا في تحقيق حالة من عدم المواءمة مع طبيعة البيئة الداخلية فيبدأ معه دور الدولة الداخلي في التراجع على حساب اهتماماتها الخارجية فتنشا معها اختلالات داخلية تقود إلى حالة من عدم الاستقرار يتم التعبير عنها من خلال اضطرابات واحتجاجات شعبية وهذا ما حدث بقوة في الاحتجاجات الشعبية أعوام 1989، 1996، و2009، و2011، وأطلق الأردن في منتصف عام2017 خطة لتحفيز النمو الاقتصادي الأردني 2018 - 2022 اشتملت على استراتيجيات اقتصادية ومالية موزعة قطاعياً تعمل على تأطير ملامح الرؤية والسياسات المتعلقة بكل قطاع لمجالات النمو. وتدخل بعض القوانين الاقتصادية اليوم كجزء من تنفيذ البرنامج الإصلاحي للسياسات المالية والاقتصادية المتفق عليه مع صندوق النقد الدولي، بما يضمن توفير المرونة الاقتصادية الكافية لمواجهة الاضطرابات التي تشهدها المنطقة حسب سياسيات الحكومة الأردنية. وفي الوقت الذي يدرك النظام السياسي في الأردن حجم شرعية المطالب الشعبية التي ينادي بصلاحها المحتجون لاسيما تلك الماسة بحياة المواطن كقانون ضريبة الدخل المثير للجدل حاليا في ظل انخفاض في مستوى الدخل وارتفاع البطالة لشرائح كبيرة من الأردنيين، هناك تخوف حقيقي من مسوؤلين أردنيين من تأثير الوضع الإقليمي في حالة مقاربة مع كل احتجاجات شعبية على ضرب استقراره وتكرار النسخة المشوهة من مخرجات الربيع العربي، بالرغم من ان الاحتجاجات كانت سلمية تماما، وعليه تشكل حالة عدم الاستقرار السياسي في المنطقة العربية، وظاهرة العنف الاجتماعي في الأردن دورا كبيرا في دفع الاحتجاجات في الأردن بالتوجه نحو الخيارات السلمية في التعبير عن مطالبها، لكن تكرار النسخة السورية أو الليبية من جديد في الأردن غير مستبعد إذا ما رغبت الولايات المتحدة وإسرائيل بذلك وهو أمر غير وارد الآن نهائيا كما سيتضح، ويمكن قراءة التخوف الأردني من حالة عدم الاستقرار السياسي من زاويتين: 
الأولى: الصراع الفلسطيني ــ الإسرائيلي وصفقة القرن
يحاول عدد من مؤيدي النظام الأردني بإطفاء جمرة حركة الاحتجاجات في الأردن بربطها في مسالة صفقة القرن(نقل السفارة الأمريكية إلى القدس بأشراف ودعم مباشر من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، مقابل ضمانات أمريكية لأنظمة عربية خليجية من مسائل إقليمية كالنفوذ الإيراني في المنطقة)، بمعنى ان البعض يرى إن الاحتجاجات الكبيرة في الأردن هي حركة موظفة من قبل قوى إقليمية كإسرائيل ومويدي نقل السفارة الأمريكية إلى القدس من العرب، والسبب يرجعه هولاء إلى ما عدوه رفض الجانب الرسمي في الأردن لصفقة القرن كاعتراف رسمي بضم القدس كعاصمة لإسرائيل وأحقيتها التاريخية والدينية بهذه المدينة مثلما يزعم الإسرائيليين والأمريكيين، وباعتقادي إن ربط الاحتجاجات الشعبية المطلبية بموقف الأردن من صفقة القرن هو تعليل واهم لسبب أساسي إن الأردن من البلدان العربية التي لها علاقة دبلوماسية وثيقة وفوق العادة مع العالم الغربي والتحديد مع الولايات المتحدة وبريطانيا وللأردن أيضا علاقات ودية ومعاهدات سلام مع إسرائيل إضافةً إلى ما تعده الولايات المتحدة، وإسرائيل من موقف ايجابي رافض للتهديدات المباشرة وغير المباشرة لأمن إسرائيل من قبل الحركات المقاومة الإسلامية في فلسطين ولبنان وسوريا وداعميها من الأنظمة السياسية.
الثانية: الصراع الإقليمي(الخليجي ــ الإيراني) وارتفاع أسعار المحروقات
يتمثل العامل الثاني هذا بصراع عدد من دول الخليج بقيادة السعودية مع إيران، خصوصاً من موقف النظام الأردني من الوجود الإيراني في سوريا ودعمها لبقاء الرئيس بشار الأسد في السلطة، ومن المعروف ان الأردن جزء أساسي من مصدره الاقتصادي ناتج من السياحة الداخلية والجزء الأكبر على التسهيلات الاقتصادية النفطية من الأنظمة العربية الغنية بالنفط السعودية، والكويت، والبحرين، والإمارات فضلا عن العراق، وسبب رئيسي من أسباب فوران المظاهرات الاحتجاجية الأخيرة في الأردن هو ارتفاع أسعار المحروقات، وهذا يعني ان هناك نقص في توريد النفط الخام الى الأردن او زيادة كبيرة في أسعار النفط من قبل الدول المشار إليها، إذ تحاول هذه الدول خصوصا الخليجية منها الضغط على الأردن اقتصاديا حتى ينصاع الأخير لمطالب دول الخليج بقيادة السعودية لاسيما فيما يخص النفوذ الإيراني والنظام السوري وحلفاءه في لبنان والعراق، يأتي هذا الارتفاع في أسعار المحروقات في استمرار المشكلات والاختلالات الاقتصادية: عجز الميزان التجاري، وعجز الموازنة العامة، وتفاقم المديونية الخارجية منذ العام 2011، وحسب تقارير وزارة المالية في الأردن بلغ في نهاية الربع الأول من العام 2016 نحو 26 ملياراً و542 مليون دينار، مما يعادل 37.424 مليار دولار يمثل 95.1 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي المقدر لنهاية الربع الأول من العام، وبالمستوى ذاته للدين العام كنسبة من الناتج في نهاية 2016. وبلغت خدمة الدين العام الخارجي خلال الربع الأول من عام 2017 نحو 49.2 مليون دينار (34.9 مليون دولار) موزعة بواقع 42.6 مليون دينار (30.2 مليون دولار) أقساط، و6.6 مليون دينار (4.7 مليون دولار) فوائد، وبلغ الدين العام الداخلي (موازنة عامة وموازنات المؤسسات المستقلة) في نهاية الربع الأول من عام 2017، نحو 13.957 مليار دينار (9.9 مليار دولار) أو ما نسبته 50.2 في المائة من الناتج المقدر لنهاية الربع الأول من عام 2017، مقابل نحو 13.780 مليار دينار (9.8 مليار دولار) بالمستوى نفسه من الناتج لعام 2016(م.صحيفة الشرق الأوسط،12/مايو/2017).
لكن ستلجأ دول الخليج باتخاذ خطوات التراجع وتقديم التسهيلات الاقتصادية النفطية مرة أخرى وهذا ما تم فعلا بعد اللقاءات بين الملك عبد الله من الأردن وملوك السعودية والكويت والبحرين على مستوى القمة في الرياض والكويت لتتراجع معها كل السيناريوهات السياسية والاقتصادية تجاه الأردن لاستمرار الرغبة الأمريكية بتماسك النظام السياسي الأردني لأنها أي الولايات المتحدة الأمريكية تدرك جيدا ان الضغوطات سيكون لها نتائج عكسية فكلما تصاعدت الضغوطات خليجية كلما تقرب الأردن أكثر من إيران الخصم اللدود للمحور السعودي الإماراتي البحريني، وهي الحالة التي تمارسها مصر أيضا بتقارب مع إيران للضغط على السعودية والبحرين في ارفادها بالنفط الخام لسد حاجياتها الصناعية، وعليه ان ضغوطات دول الخليج ستوفر لإيران حافزا في ان تكون البديل الاقتصادي وقد تتطور الى علاقات فوق العادة مع الدول التي تعاني من الشحة الاقتصادية النفطية وهذا ما لا تريده الولايات المتحدة في ضوء كثرة مشاكلها بسبب تصاعد الدور الروسي، والصيني، والإيراني في مناطق الشرق الأوسط والمنطقة العربية.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . اسعد كاظم شبيب
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2018/07/01



كتابة تعليق لموضوع :  المسائل الإقليمية وأزمة الاحتجاجات الشعبية في الأردن
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net