صفحة الكاتب : مروة محمد كاظم

أبو محمد الحسن العسكري عليه السلام
مروة محمد كاظم

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 وجاؤوا من المدينة (( رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ )) [ سورة النور :٣٧] ، أُقصوا من مدينة جدهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم ) ، إنهم غرباء آل محمد(صلى الله عليه و آله وسلم ) ، نعى رحيلهم سعف النخيل وحثيث الشجر، أُخرجوا من المدينة عنوةً نحو سر من رأى (سامراء ) على يد ظلَمَةِ بني العباس (عليهم لعنة الله) ، كان الإمام الحسن العسكري(عليه السلام ) في الرابعة أو الخامسة من عمره مع أبيه الإمام علي الهادي(عليه السلام ) ، يسيرون و الجلال إكليلهم، باقون ما بقي الزمان ، لا ينطفئ نورهم ، كقوله تعالى : (( يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ)) [ سورة الصف: ٨] ، أسفروا كالصبحِ عن المدينة نحو العراق حتى حطّت بهم الرحال في سامراء في مدينة(عسكر) مدينة الجيش والجند، وكل من يسكنها يُلقبُ بها، فقالوا( الحسن العسكري ) ، عاصر عدةً من ملوك بني العباس (عليهم لعنة الله) ، كانوا لا يختلفون عن سلالة أجدادهم من ملوك بني العباس في الظلم والفتك بالناس ولاسيما محبي أهل البيت (عليهم السلام) ، فقد نصبوا العداء لهم ، و منعوا عنهم زيارة أبي عبد الله الحسين (عليه السلام) ، و شرّدوهم ، و لم يكتفوا بقتلهم بل مثّلوا بأجسادهم بعد موتهم ، ((وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ)) [سورة الشعراء: من الآية ٢٢٧] ، كان يغيظهم مهابة وإجلال الإمام الحسن الزكي العسكري(عليه السلام ) الذي كان يلتف حوله محبيه ، لم يكن قبالتهم إلا أن يحبسوه بين جدران سجونهم الظلماء، وما أن دخلها الإمام العسكري (عليه السلام) حتى تبدل حالها إلى النور ، فأخذوا يُضيِّقون عليه في السجن ، و يبعثون له أفتك السجانينَ غلاظةً ، وإذا بهم يتحوّلون إلى عاشقين، فينادى بهم: هلموا ، ماذا فعل بكم الحسن العسكري بن الرضا (عليه السلام ) ، قالوا: ما رأينا منه إلا جميلًا، كان قائمًا ليله، وصائمًا نهاره، مشغولًا عن الأغيار بربه الواحد القهار ، كان أبو محمد الحسن العسكري(عليه السلام ) ذا شخصيةٍ كارزمية ينزع إليها الطارف والتليد ، البليد والعتيد ، لذا فرض شخصيته المؤثرة المستقلة دون أن يثير الريبة والشك به.. مما أكسبه احترامًا ورفعة وإجلالًا حتى من أشد المعارضين لنهج آل البيت (ع) وأكثرهم حقدًا وعداوة ، وهو الوزير (عبيد الله بن يحيى بن خاقان) الذي يقول: (ما رأيت ولا عرفت بسر من رأى رجلًا من العلويين مثل الحسن بن علي بن محمد بن علي الرضا في هديه وسكونه و عفافه و نبله وكبّرته عند أهل بيته وبني هاشم كافة وتقديمهم إياه على ذوي السن منهم والخطر) 
كان الإمام العسكري(عليه السلام ) حَذِرًا من مناوئيه ، وحتى اللقاء به (ع) في الطرقات العامّة لم يكن آمنًا، إذ يقول لبعض شيعته : «ألا لا يُسَلِّمَنَّ عليَّ أحد ، ولا يشير إليَّ بيده ، ولا يومئ ، فإنكم لا تؤمنون على أنفسكم» (1).
وورد عنه أنه قال: «ما مُنِيَ أحدٌ من آبائي بمثل ما مُنيتُ به» (2)
وعندما يستشعر الخطر يأمرهم بتكثيف العمل السري وكتمان الأسرار انطلاقًا من قول الرسول (ص): (اقضوا حوائجكم بالكتمان) ، ((ولم ينس أصحابه حتى وهم في السجون والمعتقلات.. وقد اعتقل ذات مرة جماعة من أصحابه فبعث إليهم الإمام أحد أعوانه ليحذرهم من أحد المعتقلين.. وكان جاسوسًا دُسَّ بينهم من قبل صاحب الشرطة (صالح بن وصيف): (أخبرهم الإمام (ع) أن يحذروا واحدًا في الحبس يدّعي أنّه علوي ، وهو ليس منهم. وفي ثيابه قصة قد كتبها إلى السلطان يخبره فيها بما يتحدثون عنه. فقام بعضهم ففتش ثيابه فوجد القصة كما أخبرهم الإمام (ع) )) (3) وكان الشيعة إذا حملوا الأموال من الحقوق الواجبة عليهم إلى الإمام (ع) نفذوا إلى (عثمان بن سعيد العمري السمان) الذي كان يتاجر بالسمن تغطية لنشاطه في مصلحة الإمام (ع) فكان يجعل الأموال التي يتسلمها في جراب السمن ويحمله إلى الإمام (ع) بعيدًا عن أنظار الحاكمين ؛ لأنهم إذا عرفوا أمره صادروه (4)
ولما شعر الإمام العسكري تربصَ المعتمد العباسي لقتله ، حرص كثيرًا على أمر ولده الحجة المنتظر (عليه السلام ) ، فقد أمر المعتمد جواسيسه بمراقبة النساء الحوامل من بيت الإمام العسكري عليه السلام في حياته(ع) وحتى بعد وفاته ، فكان الإمام العسكري (عليه السلام) شديدَ الحيطة والحذر منه ، فقام بكتمان ولادة ولده المهدي المنتظر (عليه السلام) إلا للخواص من أصحابه ..
قام المعتمد العباسي (عليه لعنة الله) بدسّ السمّ له ، و له من العمر ثمانية وعشرون عامًا ...

ولما استُشهد الإمام العسكري( عليه السلام ) أراد أن يصليَ عليه أخوه جعفر بن علي لكنّ ذا الطلعة البهية (عج) هو الذي صلّى عليه وجهزه ، ودُفِن (ع) في داره مع أبيه الهادي (ع) وراء ظهره .
أمر ‏الخليفة المعتمد العباسي، تمويهًا على الرأي العام حول استشهاد الإمام (عليه السلام)، وكأنّ ‏السلطة ليس لها في ذلك يد بل على العكس، فإنّها قد أظهرت اهتمامًا كبيرًا أيام مرض الإمام ‏عليه السلام وخرج كبار رجالات البلاط العباسي مشيعين...، بعد دفن الحسن العسكري أخذ الخليفة في البحث والتقصي عن ابن الإمام حيث أنه قد سمع أنه سيسود العالم وسيدمر أهل الباطل.. وبعد طول فحص لم يحصلوا على خبر، وقد تم وضع الإماء اللواتي يشكّ في حملهن بالإمام تحت المراقبة لمدة سنتين (5) .
(1) بحار الأنوار للمجلسي: 50 / 269.
(2) الإمام الحسن العسكري من المهد إلى اللحد للسيد محمد كاظم القزويني : 297
(3) أعلام الورى: 354.
(4) غيبة الطوسي: 215 – 219 .
(5) كمال الدين: 1/42.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


مروة محمد كاظم
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2018/11/16



كتابة تعليق لموضوع : أبو محمد الحسن العسكري عليه السلام
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net