صفحة الكاتب : سمير عادل

نضال المرأة ومساواتها بين يمين المجتمع ويساره
سمير عادل

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 ان تراجع مكانة المرأة وارعابها واعادتها لملازمة البيت وتحويلها الى عبودية العمل المنزلي لا تقف ورائها قوة اليمين في المجتمع المتمثل بسلطة الاسلام السياسي وميليشياته التابعة له او المنضوية تحت ستار العشائر، بقدر ما يعود الى ضعف اليسار على صعيد التنظيم السياسي. وهنا لا اقصد" اليسار" على صعيد تحالف الاحزاب اليسارية التي هي اما احزاب ومنظمات ليست لها علاقة بالمجتمع، اذ نراها منشغلة بالصفاء الفكري وغارقة بالنرجسية والمزاجية والتي تبحث على التقاط صور خلف لافتة او شعار من شعاراتها كي تتنفس الصعداء من الغبار الذي غطى على تاريخ الانتصارات الوهمية التي لا يتجاوز اطاره الذهني كي يصيبه بالتالي الشعور بالزهو البرجوازي الصغير ونشوة الاخلاص الأيديولوجي، بينما المرأة في العراق تطحنها كل اشكال الظلم الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والقانوني، كذلك نرى الطائفية في كل صراع على النهب والسلب تطل براسها على المجتمع، والترهات القومية ترفع قامتها عند اعادة تقاسم النفوذ والامتيازات، والتفاهات والسخافات العشائرية تسل سيفها الصدئ في كل نزاع وراءه اتاوة . أما ما نقصد باليسار هو اليسار الاجتماعي كتقاليد مدنية ومتحضرة وانسانية تزيح من مكانها كل الاعراف والقوانين والتقاليد المتخلفة والرجعية بالمعنى المطلق لهذه المقولات.

ان تأريخ المجتمع العراقي الحديث هو تاريخ الصراع بين يسار المجتمع ويمينه، بين كل ما يمت صلة للانفتاح والانعتاق والتحرر من القيم والثقافة المتخلفة من ذكورية وطائفية وقومية وبين فرض اعراف وافكار القرون الوسطى وتسويقها على انها جزء من التقاليد المجتمع العراقي. لا نريد ان نخوض في صفحات التاريخ كي نثبت صحة ما نقوله فليس هناك مساحة تكفي لذلك، ولكن نورد فقط هزيمة قرار ١٣٧ لمجلس الحكم وبعد ذلك ما تلاه من فشل بتمريره في (البرلمان) تحت عنوان القانون الجعفري، وهذا واحدة من تلك الامثلة، وظهور النساء بعد هبوب نسيم الثورتين المصرية والتونسية على المنطقة بما فيها العراق في انتفاضة شباط من عام ٢٠١١ وبعد ذلك في احتجاجات البصرة التي وصلت ذروتها في ٧ ايلول ٢٠١٨ وقد انظمت المئات من النساء الى تلك الاحتجاجات اضافة الى دورهن بشكل عملي بدعم التظاهرات، حيث شكلن الفرق الطبية وفرق جمع التبرعات لدعم مطالب المحتجين بنيل حياة حرة وكريمة. وكان رد فعل اليمين باختطاف الناشطات من قبل المليشيات وتصفية عدد منهن لإعادة المرأة من جديد الى المنزل.

في الثامن من اذار هذا العام، تبين ان يسار المجتمع العراقي مازال موجود، وما زالت تقاليده راسخة، ومازال يقاوم من اجل وجوده. وخلال اكثر من اسبوع من حملة اعلامية وسياسية اطلقتها قوى تحررية عبر شبكات التواصل الاجتماعي ولصق البوسترات وتوزيع اوراق دعائية في شوارع بغداد، وفي ثلاثة ايام من الفعاليات المتنوعة من تنظيم ندوة سياسية حول الحركة النسوية ومسيرة التحقت بها المئات من النساء والرجال الاحرار تجول في شارع الرشيد وسط مدينة بغداد لتنتهي في اليوم الثالث بتنظيم كرنفال كبير في دار الازياء تضمن افتتاح معرض للفنون التشكيلية حول واقع المرأة وافتتاح معرضا للكتاب وبعد ذلك مهرجان خطابي وعرض مسرحية والقاء القصائد والاشعار لينتهي بعزف الفرقة الموسيقية والقاء الاغاني، وقد سجل الحضور من النساء في افتتاح المهرجان نصف عدد الحاضرين من الرجال. ان مشاركة المئات من النساء في هذا اليوم، يوم المرأة العالمي لم يشهدها على الاقل تاريخ المجتمع العراقي منذ غزو العراق واحتلاله وتسليم المجتمع الى براثن الاسلام السياسي بشقيه الشيعي والسني.

ان محاولات تزييف الوعي وتشويهه لم يقتصر على الاسلام السياسي، بل حاول البعث من قبل، لوي عنق المجتمع وفصل نضال المرأة في العراق عن نضال المرأة العالمي، فلقد اختلق بدعة ٥ اذار وبعنوان "يوم المرأة العراقية" لضرب مساواة المرأة عرض الحائط وحصر دورها في تنفيذ مشاريعه القومية واداة سياسته الفاشية المناهضة ليست للمرأة فقط بل لعموم الانسانية برمتها في العراق، ولا داعي لفتح سجل جرائمه فالجميع يعرف ذلك. لكن ما يهمنا هو تسليط الضوء على ان مساعي البعث لم تختلف عن مساعي الاسلام السياسي بقلع الوعي الاجتماعي اليساري او كما يحلو ان يسموه باجتثاث الوعي اليساري على غرار عملية اجتثاث البعث.  فالاسلام السياسي الشيعي كما حاول ان يبدع في عملية "الاجتثاث" للبعث حاول ان يعيد تجربة الاجتثاث للوعي الاجتماعي اليساري في العراق، وليس ضرب المرأة واعادة مكانتها القهقري الى الوراء الا واحدة من عمليات ذلك الاجتثاث.

 

ان الفارق بين عملية اجتثاث "البعث" وبين عملية اجتثاث الوعي الاجتماعي اليساري، هو ان الاول وضع له اطار قانوني ومرر عبر البرلمان، في حين ان الثاني وضع له اجندة غير رسمية وعبر ميليشياتها الممولة من عمليات سلب ونهب ثروات الجماهير لتصفية النساء وارعابهن الى جانب اعلان الحرب العلنية وعبر قادتها الرجعيين، على العلمانية وتسفيهها والادعاء بمساواة العلمانية بسلطة البعث كما نَظّرَ لها المالكي ومستشار الخامنئي عندما زار بغداد عشية الانتخابات التشريعية في العام الفائت.

ان ما يمكن اثباته وبشكل مادي ودون اي خلاف هو ان الوعي الاجتماعي الانساني في المجتمع العراقي، كان وما زال اقوى من كل مخططات الاحزاب والقوى الاسلامية وبمختلف تياراتها وتلاوينها ومشاربها وداعميها الاقليميين والدوليين، واقوى من سلاح ميليشياتها وعصاباتها التي فشلت بنقل الوعي الطائفي الزائف والمقيت الى الوعي الاجتماعي في المجتمع. وهكذا ان نضال المرأة لا يمكن فصله عن الوعي اليساري الاجتماعي ولا يمكن فصله عن يسار المجتمع. فبقدر ما يقوى هذا اليسار تقوى سواعد واشتداد نضال المرأة الى الامام. ان هذا الوعي المتجذر في عمق المجتمع يبدو خاملا وساكنا. اي ان كل ما يحتاجه المجتمع هو تحريك هذا الوعي وإيقاظه من سكونه، انه موجود لكن بحاجة الى تنظيم وقيادة وافق، وهو مفتاح نقل العراق الى بر الامن والامان، بر الحرية والرفاه.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


سمير عادل
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2019/03/11



كتابة تعليق لموضوع : نضال المرأة ومساواتها بين يمين المجتمع ويساره
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net