الانتظار السلبي عند اليهود
زين العابدين

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.


لعل من أهم التكاليف -إن لم يكن التكليف الأوحد للمسلم في زمن الغيبة- هو الانتظار الإيجابي المقترن بالحركة والسعي الحثيث لإبقاء العلاقة الصالحة مع صاحب الزمان أولًا وتمهيد الأرضية الخصبة والصالحة لاستقبال مشروعه الإلهي ثانيًا وهذا الأمر بمجرد اقترانه بمشروع السماء لوراثة الأرض وخلافتها ليس بالأمر الهيّن.
ومن هنا، فلابد أن يكون المنتظِر على وعي تام وتطوير مستمر لقابلياته الذهنية واقترابه من فكر وتراث أهل البيت (عليهم السلام) خصوصًا سيرهم (عليهم السلام) وكذا الاستفادة من القصص والدروس المذكورة في القرآن الكريم والمروية عن أهل البيت (عليهم السلام) والتي يستفاد منها وعورة الطريق في التمهيد أولًا والنصرة والتسليم للمنتظَر ثانيًا والثبات معه في مختلف الظروف ثالثًا، فإن كل مرحلة من هذه المراحل تمثل عقبة وامتحانًا يتساقط فيه المنتظرون أفواجًا إذا لم يتسلحوا بالوعي والمعرفة بالقدر الذي يكفي لأن يجتازوا هذه العقبات.
وإن من القصص العجيبة والمخيفة التي وردت في القران الكريم والتي تخص المنتظرين لبعثة نبينا الكريم (صلى الله عليه وآله) من اليهود ما ورد في تفسير الآية ٨٩ من سورة البقرة (وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ ۚ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ) حيث ينقل السيد الطباطبائي في تفسير الميزان هذه القصة عن مولانا الصادق (عليه السلام) اقتبستها كما هي لعظمتها ولخطرها حيث إنها تضع أيدينا على أهم البلاءات التي يُبتلى بها المنتظرون: 
"في تفسير العياشي، عن الصادق (عليه السلام): في قوله تعالى: «ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق» الآية قال (عليه السلام): كانت اليهود تجد في كتبهم أن مهاجر محمد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ما بين عير وأحد فخرجوا يطلبون الموضع، فمروا بجبل يقال له حداد فقالوا حداد و أحد سواء، فتفرقوا عنده، فنزل بعضهم بتيماء، و بعضهم بفدك، و بعضهم بخيبر، فاشتاق الذين بتيماء إلى بعض إخوانهم، فمر بهم أعرابي من قيس فتكاروا منه، و قال لهم أمر بكم ما بين عير و أحد، فقالوا له إذا مررت بهما فأذنا لهما، فلما توسط بهم أرض المدينة، قال ذلك عير و هذا أحد فنزلوا عن ظهر إبله و قالوا له قد أصبنا بغيتنا فلا حاجة بنا إلى إبلك فاذهب حيث شئت و كتبوا إلى إخوانهم الذين بفدك و خيبر أنا قد أصبنا الموضع فهلموا إلينا فكتبوا إليهم أنا قد استقرت بنا الدار و اتخذنا بها الأموال و ما أقربنا منكم فإذا كان ذلك أسرعنا إليكم، و اتخذوا بأرض المدينة أموالا فلما كثرت أموالهم بلغ ذلك تبع فغزاهم فتحصنوا منه فحاصرهم ثم آمنهم فنزلوا عليه فقال لهم إني قد استطبت بلادكم و لا أراني إلا مقيما فيكم، فقالوا: ليس ذلك لك إنها مهاجر نبي، و ليس ذلك لأحد حتى يكون ذلك، فقال لهم فإني مخلف فيكم من أسرتي من إذا كان ذلك ساعده و نصره فخلف حيين تراهم: الأوس و الخزرج، فلما كثروا بها كانوا يتناولون أموال اليهود، فكانت اليهود تقول لهم أما لو بعث محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) لنخرجنكم من ديارنا و أموالنا فلما بعث الله محمدا آمنت به الأنصار و كفرت به اليهود و هو قوله تعالى: و كانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا إلى آخر الآية." 
فنجد أن هؤلاء المنتظرين قد تركوا الأهل والأرض واستغنوا عن كل شيء وهاجروا إلى البلد الذي يعتقدون أنه بلد المنقذ الذي ينتظرونه، وكانوا يحاربون ويبذلون ويثقفون ويمهدون له، كل هذا الانتظار كان حركيًا وإيجابيًا، وربما يكون ظاهرًا انتظارًا مقبولًا عند الله وعند رسوله، ولكن بعد أن وصلوا إلى العقبة الثالثة التي ذكرناها في مقدمة المقال، وهي عقبة التسليم المطلق لأمر المنتظَر، بان الخلل واضحًا جدًا، حيث أن كل هذا البذل والانتظار والمعاناة التي عانوها، لكنهم كانوا يريدون إمامًا على مقاسهم، يريدونه كما يتمنون أن يكون، وهذا من أعظم الدروس لنا كمنتظرين لمنقذ نعتقد بأنه معصوم ويجب علينا التسليم المطلق لكل ما يصدر عنه (عليه السلام). 
فهل نحن مستعدون؟ 
فلنسأل أنفسنا هذا السؤال قبل كل حركة أو فعل: هل نحن منتظرون لإمامنا الذي نتمنى أن يلبي طموحاتنا أم نحن منتظرون للإمام كيفما كان سلوكه وحركته ولربما يكون سلوكه غير موافق تمامًا لأهوائنا و رغباتنا؟
وأخيرا نسأل الله تعالى أن يرزقنا الهمة والعزيمة على أن نكون من خيرة الممهدين والطائعين والثابتين مع مولانا صاحب الزمان (روحي له الفداء) بوعي وبصيرة لا تجعلنا نقول قبال قوله أو نفعل قبال فعله إنه أرحم الراحمين وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على اشرف الانبياء والمرسلين…


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


زين العابدين

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2019/05/01



كتابة تعليق لموضوع : الانتظار السلبي عند اليهود
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net