العِلمانيّة لِمَن لاكها بين فكّيه ولم يتدبّرها
مرتضى علي الحلي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
مرتضى علي الحلي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
1: لا أبالغ إن قلت - إنَّ العلمانيّة فكر متطّرف وإقصائي بل حتى إرهابي - يخدعون به بعض شبابنا السذّج - بأنّها تعني فصل الدين عن السياسة -
وفي الحقيقة ليس الأمر كذلك فإذا ما رجعنا إلى جذور نشأتها الفكريّة والثقافيّة في أوربا وخصوصاً عندما ظهرت كمصطلح في كتابات التنويريين بعد عصر النهضة وتداولها لأول مرة على يد الكاتب الانكليزي جورج هوليوك سنة 1851م فهي تعني إزاحة الدين المسيحي تماماً من وجه الحياة الإنسانيّة كردة فعل غاضبة تجاه الانحراف الذي أصاب الكنيسة ورجالاها آنذاك.
:2: إنّ مفهوم العلمانيّة تنظيراً وتطبيقاً قد ضُمّن آيديولوجيّة خطيرة جدّاً - وهي التحرر من مفهوم المقدّس ولو كان الإله - ومعاذ الله ، كما حصل في ألمانيا تحت مُسمّى ( موت الإله ) وفي فرنسا وتجليه بإلحاد جان بول سارتر علنا .
:3: وقد جرّت هذه الرؤيّةُ الفكريّةُ في أوربا الشماليّة والغربيّة نفسها إلى مساحات أبعد من الدين والأخلاق والقيم والفطرة - وعلى إثر ذلك برزت الليبراليّة التحرريّة على مستوى السلوك والفعل الاجتماعي والثقافي .
:4: من أبرز المفاهيم والسلوكيات التي تعتمدها العلمانيّة الليبراليّة المنحرفة هي مفهوم ومبدأ ( دعه يعمل - دعه يَمُر ) ممّا أدّى بها إلى تبنّي الإباحيّة المطلقة والمشاعيّة الجنسيّة الشاذة -
وشواهد هذه المفاهيم والتصورات هو ما حصل في فرنسا في عهد بول سارتر وتبنيه للوجوديّة الملحدة بعد الحرب العالميّة الثانية
وإلى يومنا هذا يسري السقوط الفكري و الأخلاقي في مجتمعهم .
:5: الأمر الفظيع والسلبي الذي يُسجّل ضد العلمانيّة في أوربا حديثاً أنّها غيّرت طبيعة البشر وحرفتهم عن الفطرة وعن الأخلاق وحاربت الدين وحذفته من حياتهم لدرجة وصل الحال بها إلى التفكير ، بل القرار بإلغاء مفهوم وقيمة الأسرة كوحدة اجتماعيّة إنسانيّة أصيلة… ولولا الرفض الكبير الذي جوبهت به من قبل نفس شعوبها لتمكّنت من ذلك فعلاً.
:6: ما يعنيا نحن المُتلقّين من المسلمين هو أن نفهم ونتدبّر أنّ المشكلة ليست في الدين حتى نفكّر في استبداله بالعلمانيّة التي هي أدنى منه وأضلّ سبيلا -
بل المشكلة في أنفسنا وعجزنا عن إصلاحها ونزوعنا لرغباتنا وأهوائنا وتصوّرنا أنّ الدين يقف حائلا أمامها ، وهو لم يكن يهدف إلّا لضبطها وتنظيمها وإشباعها من طرقه المشروعة بعيداً عن الفساد والظلم والتعدّي والرذائل.
:7: على الّذين يفكرون في تلقّي هذه المفاهيم على عواهنها ويحرصون على إشهارها والترويج لها ينبغي أن يدركوا أنّها مفاهيم تُصادر قيم الاعتقاد وضرورته - بل تحارب الحريّة الفرديّة وتلجأ إلى الإكراه على التخلّي عن الدين والتزاماته وكشاهد على ذلك القرار الحكومي في فرنسا بمنع ارتداء الحجاب والمُعاقبة عليه وإشاعة الابتذال والشذوذ .
وللعلم أنّ العلمانيّة ليست مذهباً سياسيّا حتى يمكن اعتماده بدلاً من الدين في إدارة الدولة والمجتمع - بل هي مذهب ثقافي وفكري يستهدف إزاحة الدين من واجهة الحياة الإنسانيّة تم توظيفة كذريعة لوصول دعاته إلى السلطة - والبرهان هو إعدام رجال الدين وشنقهم في ثوراتهم قبل قرون في أوربا ضد الكنائس المسيحيّة آنذاك.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat