صفحة الكاتب : نزار حيدر

عْاشُورْاءُ السَّنَةُ السَّادِسةُ (٩)
نزار حيدر

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

   لماذا لا نتعلَّم من التَّجربة؟ ولماذا يتكرَّر عندنا التَّاريخ دائماً؟.
   فمثلاً؛ لماذا [كلُّ يومٍ عاشوراء وكلُّ أَرضٍ كربلاء]؟.
   برأيي فإِنَّ أَحد أَهم أَسباب هَذِهِ الظَّاهرة هي أَنَّنا ندرُس النَّتائج بكلِّ دقَّةٍ ولكنَّنا لا نتوقَّف عند المُقدِّمات أَبداً أَو نادراً ما نتوقَّف عندها، وكلُّنا نعرف فإِنَّ النَّتائج هي آثار طبيعيَّة للمُقدِّمات، ليس فيما يخصُّ الحركة الإِجتماعيَّة فحسب وإِنَّما في كلِّ شَيْءٍ، سواء على المُستوى العلمي والتَّجريبي فضلاً عن الرُّوحي والنَّفسي والمُجتمعي.
   كذلكَ نعرف بأَنَّنا لا نستطيع أَن نُغيِّر النَّتائج أَبداً وإِنَّما يُمكننا أَن نُغيِّر المُقدِّمات لنُغيِّرها، لأَنَّ النَّتائج مُخرَجات طبيعيَّة للمُقدِّمات، فإِذا لم نغيِّرها فلا يُمكنُ أَبداً أَن نغيِّر النَّتائج مهما فعلنا وحاولنا وجرَّبنا.
   فإِذا رسبَ التِّلميذُ فتلكَ نتيجةٌ طبيعيَّةٌ لمُقدِّماتٍ سيِّئةٍ على طول العام الدِّراسي، لا يُمكنُ تغييرها إِذا لم يُعِد التِّلميذ النَّظر في المُقدِّمات، وسيعجز إِذا أَراد أَن يُغيِّر النَّتيجة من دونِ تغييرٍ في المُقدِّمات.
   وبهذهِ الفلسفة نظر أَميرُ المُؤمنينَ (ع) للتَّاريخ ثمَّ كتبَ لولدهِ الحسن المُجتبى (ع) يوصيه {أَيْ بُنَيَّ، إِنِّي وَإِنْ لَمْ أَكُنْ عُمِّرْتُ عُمُرَ مَنْ كَانَ قَبْلِي، فَقَدْ نَظَرْتُ فِي أَعْمَالِهِمْ، وَفَكَّرْتُ فِي أَخْبَارِهِمْ، وَسِرْتُ فِي آثَارِهِمْ، حَتَّى عُدْتُ كَأَحَدِهِمْ، بَلْ كَأَنِّي بِمَا انْتَهَى إِلَيَّ مِنْ أُمُورِهِمْ قَدْ عُمِّرْتُ مَعَ أَوَّلِهِمْ إِلَى آخِرِهِمْ، فَعَرَفْتُ صَفْوَ ذلِكَ مِنْ كَدَرِهِ، وَنَفْعَهُ مِنْ ضَرَرِهِ، فَاسْتَخْلَصْتُ لَكَ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ نَخِيلَتَهُ، وتَوَخَّيْتُ لَكَ جَمِيلَهُ، وَصَرَفْتُ عَنْكَ مَجْهُولَهُ}.
   عاشوراء مثالاً صارخاً لهذهِ الظَّاهرة في مُجتمعاتِنا، فنحنُ نبذل قُصارى جُهدنا المعرفي لدراسةِ النَّتائج وما بعدَ عاشوراء ولكنَّنا قلَّما ندرُس المُقدِّمات التي أَنتجتها، فندرُس ونتوَّقف عِنْدَ مرحلةِ ما قَبْلَ عاشوراء.
   رُبما من مصلحةِ الطَّاغوت ذلكَ لأَنَّ دِراسة ما قَبْلَ عاشوراء تفضحهُ وتكشف الكثير من الحقائِق عن الإِنحرافات والقصُور والتَّقصير الذي ابتُليت بهِ الأُمَّة والخِلافة، ولكن...
   هل من مصلحتِنا، نَحْنُ كأُمَّةٍ تُريدُ أَن تتجنَّب مشاكِل التَّاريخ ومطبَّاتهِ، أَن نسترسلَ مع هَذِهِ الظَّاهرة؟!.
   هل من مصلحتِنا، ونحنُ نسعى من أَجل أَن لا تتكرَّر مشاهد القتل والذَّبح وحزِّ الرُّؤُوس وحرقِ جثث الضَّحايا وسبي النِّساء وبيعهنَّ في سوقِ النَّخاسة، أَن نُخدع بخُططِ الطَّاغوت في دراسةِ الحوادِث؟!.
   بالتَّأكيد لا.
   إِذا أَردنا أَن نتعلَّم من تجارب التَّاريخ، وكذلكَ من تجارب الآخرين، فعلينا أَن نهتمَّ بدراسةِ مُقدِّمات النَّتائج مهما كانت مُرَّةً وصعبةً.
   المُلاحظة التي يجب الإِشارة إِليها هُنا بهذا الصَّدد هو أَنَّ تراكُم الخِبرة والتَّجربة، سواء فيما يتعلَّق بالنَّجاحات أَو بالفشل على حدٍّ سواء، هذا التَّراكم لا يتأَتى من دراسةِ النَّتائج أَبداً وإِنَّما من دراسةِ المُقدِّمات، فهي التي تُعتبرُ بالنِّسبةِ لنا تجارب ودرُوس وخِبرات، أَمَّا النَّتائج فكلَّها مُخرجات لا أَكثر.
   حتَّى على مُستوى التَّجارب العلميَّة، لا يُمكنُ تصحيح الخطأ إِلَّا بتغييرِ المُقدِّمات.
   ولتقريبِ الفكرةِ يُمكننا أَن نضربَ مثلاً بجهازِ الحاسوب، فالتَّغذية هي المقدِّمات والمُخرَجات هي النَّتائج، فأَيُّهما يطوِّر تجاربَنا في إِستخدام الحاسُوب؟ وأَيُّهما يطوِّر مَلاكاتنا وأَدواتنا المعرفيَّة على مُستوى التَّكنلوجيا والإِليكترُونيَّات؟!.
   بالتَّأكيد التَّغذية وليست المُخرجات.
   ولذلكَ نُلاحظ في قَصص القُرآن الكريم وأَمثالهُ وعِبرهُ ودروسهُ وتجاربهُ أَنَّهُ يحدِّثنا عن المقدِّمات كما يحدِّثنا عن النَّتائج، ويحدِّثنا عن الأَسباب كما يحدِّثنا عن المُخرجات، لأَنَّ القُرآن الكريم يُرِيدُ أَن يقدِّم لنا تجاربَ نتعلَّمَ منها فنُحسِّن من سلوكيَّاتنا الفرديَّة والمُجتمعيَّة، ولا يتحقَّق ذَلِكَ إِذا اكتفت القِصَّة القُرآنيَّة بالحديثِ المُفصَّل عن النَّتائج، نتائج قَصص عواقب الأُمم السَّالفة.
   كقولهِ تعالى {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَىٰ لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ۚ ذَٰلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُوا يَعْتَدُونَ* كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ ۚ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ}.
   فاللَّعنةُ هي النَّتيجة، أَمَّا المُقدِّمات فهيَ التَّعايش مع المُنكر.
   للأَسف فإِنَّنا لا نتعلَّم حتَّى من بقيَّة الشُّعوب والأُمم النَّاجحة لأَنَّنا نرى نهاياتهُم ولا نرى مُقدِّماتها، فنتصوَّر أَنَّ بالإِمكان التعلُّم منهُم إِذا نظرنا لهذهِ النَّهايات الجميلة فقط، فمثلاً؛
   نَحْنُ نعرف أَنَّ السُّود في الولايات المتَّحدة الأَميركيَّة يتمتَّعون الْيَوْم بحقوقهِم الدستوريَّة في البلاد بعد أَن تمَّ القضاء على التَّمييز العُنصري وهو شيءٌ رائعٌ جدّاً نتمنَّى أَن يتحقَّق في بلدانِنا، ولكن هل أَنَّ التمنِّي يكفي لاستنساخِ النُّموذج والتَّجربة؟ أَبداً، لا يكفي، وهل يكفي أَن نطَّلِع على النَّتائج التي تحقَّقت لنستنسخ التَّجربة؟ أَبداً، فإِذا أَردنا ذلك يلزمنا أَن نقرأَ المقدِّمات التي أَنتجت هذا الْيَوْم والتي هي عبارةً عن نضالٍ طويلٍ جداً سالت بهِ دماءٌ وانهمرت بهِ دموعٌ ومعاناة وجرائم إِرتكبها الأَبيض العُنصري حتى تمَّ لهُم الإِنجاز، وتلك هي التي يجب أَن نقرأَها ونتعلَّمها كتجربةٍ وليس الإِنجاز وحدهُ!.
   وهكذا بالنِّسبةِ لكلِّ تجربةٍ إِنسانيَّةٍ ننبهرَ بها ونُحاول إِستنساخها.
   ٧ أَيلول ٢٠١٩
لِلتَّواصُل؛
‏E-mail: nazarhaidar1@hotmail. com
 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


نزار حيدر
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2019/09/08



كتابة تعليق لموضوع : عْاشُورْاءُ السَّنَةُ السَّادِسةُ (٩)
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net