يُروى ان أحد الخلفاء كان في رحلة صيد فرمى بسهمه على احد الطيور فلم يُصبه فقال له وزيره المرافق : احسنت ياسيدي ، فالتفت اليه الخليفة غاضبا وقال : أتسخر منّي وتهزأ بي لأنني لم أُصب الطير ؟؟ فرد عليه الوزير بمكر ودهاء : ياسيدي الخليفة لقد أحسنت الى الطير بأنك لم تقتله ...
هذه الرواية حرّكت في داخلي موضوعا أزليا وظاهرة اجتماعية خطيرة ألا وهي ظاهرة النفاق ، فالمنافقون والأنتهازيون والمتملقون والمطبلون موجودون في كل زمان ومكان ، لكن اساليبهم تختلف من زمن لآخر .. واذا اردنا تسليط الضوء على معنى النفاق نقول ان النفاق ( كذب ، خداع ، غش ) وهو ان يُظهر المنافق شيئا وفي داخله شيء اخر ، وسُمي المنافق منافقا لأنه يجعل لنفسه اكثر من وجه ، ويُظهر احد تلك الوجوه حسب الموقف الذي تقتضيه مصلحته الشخصية حتى ولو كان ذلك على حساب سمعته وكرامته ( وماء وجهه ) .. ان طابور المنافقين الذي عادة ما يتنامى ويكثر تعداده في الظروف المضطربة وعندما تتصدع منظومة القيم والاخلاق في المجتمع وعندما تكون الساحة مهيأة لسماع المنافقين من كذب وتضليل وتدليس وتزييف و ( مسح الأكتاف ) ... وان من اخطر الوان النفاق واكثرها فتكا وتدميرا هو ( النفاق السياسي ) بكل اشكاله واساليبه ، وان سببه الثقافة الاجتماعية المتدنية فيستغل المنافقون هذا التدني من اجل تحقيق وتمرير مشاريعهم واهدافهم المريضة على حساب القيم والمباديء والاعراف .
ان ظاهرة النفاق السياسي اصبحت وللاسف الشديد ظاهرة مستشرية ، لذلك نرى طوابير المنافقين بمختلف الوانهم وطعمهم ورائحتهم ويتجلى ذلك في التملق وتبديل الوجوه والوقوف كثيرا على الابواب وتبديل الخطاب حسب الحاجة ... اقول ويعتصرني الألم : كم من المنافقين يعيشون بيننا ؟؟ وكم من سياسي منافق بيننا ويتحكم بمصير شعب كامل ومستقبل الاجيال القادمة ...... اننا جميعا جزء من المشكلة ( وماأبريء نفسي ) فكلنا نعرف السياسي المنافق لكننا لانمتلك الجرأة والشجاعة لمواجهته وتعريفه بحجمه الحقيقي وكذبه وزيفه ، هذا اولا وثانيا ان النفاق قديم قدم الدهر وان مسألة اجتثاثه ليست بالامر الهيّن والسهل لأنه مرض استشرى في كل زاوية وفي كل مرفق خاصة في ظل المغريات التي يسيل لها اللعاب .... ربما ستسال أخي القاريء الكريم وهذا من حقّك : ماهو الحل ؟؟ الحل يتطلب جهودا مضنية اولها اصلاح النظام السياسي والنهوض بالمثقفين والاكاديميين والاعلاميين من غير المنافقين وكل حسب موقعه وقوة تأثيره ... فالموضوع صعب وصعب جدا لكن ليس بالمستحيل .... السلام عليكم
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat