العصبيّة الدينيّة : من كتاب (اتجاه الدين في مناحي الحياة،ص٢٠٢)
السيد محمد باقر السيستاني.

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 إنّ حقيقة العصبيّة هي أن يقدّر المرء ما يتّصف به بأكثر من تقديره، أو يقدّر ما لدى الآخرين بأقلّ من استحقاقه، بحيث يبرّر به سلوكاً خاطئاً.
فالعصبيّة القوميّة ـ مثلاً ـ هي أن يعتقد الإنسان أنّ قومه أرقى وأعلى وأفضل من قوم آخرين بما يوجب التكبّر عليهم واحتقارهم وهضم حقوقهم. ولكن ليس من هذه العصبيّة أن يشعر الإنسان تجاه قومه بمزيد من الودّ والمحبّة تقديراً للجهة المشتركة من غير أن يحتقر الآخرين ويهمل ما يستوجبونه بجامع الأخوّة الإنسانيّة.
والعصبيّة العشائريّة هي أن يعتقد الإنسان أنّ عشيرته أرقى من غيرها بما يؤدّي إلى احتقار العشائر الأخرى وهضم حقوقهم. ولكن ليس من هذه العصبيّة أن يشعر تجاه عشيرته بخصوصيّة إضافيّة من الودّ والمحبّة لمكان كونهم أرحاماً له يستوجبون لمزيد من التفاعل، ويرغبون بحسب تلك الوشيجة إلى مزيد من التعاون، لضمان المصالح المشتركة من غير ظلم للآخرين وتعسّف تجاههم.
ويتفرّع على هذا الأصل أنّه ليس من العصبيّة شعور الإنسان بمزية يتّصف بها ونعمة كان واجداً لها، إذا لم يخرج بها مخارج التعصّب والازدراء للآخرين، بل من الضروريّ أن يكون الإنسان واجداً لهذا الشعور حتّى يعرف قدر النعمة فيتمسّك بها ولا يهملها فيكون مظنّة لافتقادها.
وعليه فليس من عصبيّة الدين أن تدّعي الرؤية الدينيّة الحقّانيّة لنفسها؛ فإنّ ذلك أمر طبيعيّ لكلّ رؤية في أيّ مجال من مجالات الحياة بل تتقوم الرؤية بادّعائها الحقّانيّة لنفسها، وإلا كانت نظريّة راجحة أو افتراضاً محتملاً؛ وإنما الذي يخلّ بالعدالة نفيُ وجود حرمات للآخرين على سبيل التأصيل العام؛ حيث إنّه يجافي القانون الفطري.
كما إنّه ليس من العصبيّة للدين الحقّ المبني على معرفة ثاقبة بحقائق الحياة وآفاقها أن يعتقد المرء بحقّانيّة هذا الدين وصوابه؛ فإنّ مثل هذا الدين هو واعية الحقيقة في الحياة وندائها، ولن يستطيع المرء الحفاظ عليه إلّا بمعرفة قدره والاقتناع بصوابه والتمسّك به، وهذا شأن سائر العلوم الصائبة والخطيرة؛ فإنّ من الطبيعيّ أن يعتقد أصحابها بحقّانيّتها ويشعرون بالمزية من حيث الاطّلاع عليها.
فالدين الراشد أيضاً يشعر صاحبه بأنّ له مزية من جهة استكماله للرؤية الصحيحة والثاقبة للحياة والإذعان بها، وله فرصة متاحة للعمل الصحيح والصالح وفق مناحي تلك الرؤية واتّجاهاتها.
وليس في ذلك تقديراً للأمور بفوق ما يستحقها ويستوجبها ولا تعسّفاً في حقّ من لم يعتقد بهذا الدين كما هو واضح.
وعلى ضوء ذلك: ينبغي أن يفرّق في منحى التعليمات الدينية ذات العلاقة بذلك بين أن يكون منحى التعليم تذكيرَ من أدرك العقيدة الصحيحة بأهميّة هذا الاعتقاد ـ وهو أمر هامّ وخطير في المنظور الديني طبعاً ـ لزرع الثقة في نفسه باعتقاده، ولئلّا ينصرف عنه بشبهات ضعيفة، وبين أن يكون منحى التعليم تحقيرَ الآخرين وهدرَ حقوقهم.
ولا شكّ في أنّ مثل هذا التفريق ممّا تجده كل جهة عامّة تثقّف المجتمع ـ في اعتقادها ـ بالمبادئ الصحيحة ـ وليكن مثلاً قوانينُ حقوق الإنسان والمواطنة ـ كما تجده أيضاً كلُّ جهة خاصّة كالوالدين في تربيتهم للأولاد، والمعلمين في تربيتهم للتلاميذ، فهم يزرعون الثقة فيهم بمقتضيات التربية الصحيحة.
المصدر
📚: (اتجاه الدين في مناحي الحياة،ص٢٠٢).
✍🏻: السيد محمد باقر السيستاني.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


السيد محمد باقر السيستاني.

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2020/07/14



كتابة تعليق لموضوع : العصبيّة الدينيّة : من كتاب (اتجاه الدين في مناحي الحياة،ص٢٠٢)
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net