طهارة دم النبي وأهل بيته
علاء تكليف العوادي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
علاء تكليف العوادي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
دلت الأخبار الدالة على طهارة دم المعصوم في إشارة واضحة إليها، أي إلى طهارة دم المعصوم ( عليه السلام ) ، ومما يدل عليها ما رواه المجلسي ( رحمه الله ) في البحار عن الراوندي في قصص الأنبياء ، والحسين بن بسطام في طب الأئمة ، عنأبي طيبة الحجام ، قال : حجمت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وأعطاني دينارا وشربت دمه ، فلما اطلع على ذلك قال : ما حملك على ذلك ؟ قلت : أتبرك به ، قال : أخذت أمانامن الأوجاع ، والأسقام ، والفقر ، والفاقة ، ولا يمسك النار أبدا ( 1 ) .
وقد علل حرمة الدم في الأخبار بكثرة مضاره ، مثل انه يمرض البدن ، ويغير اللون ، ويورث البخر ، والصفراء، والجنون ، وسوء الخلق ، والقسوة ونحو ذلك ، وإذ ليس في دم المعصوم ( عليه السلام) هذه المفاسد ، بل صرح باشتماله على المصالح المقابلة لها ، فلا حرمة . وفي مرسل المناقبعن عبد الله بن الزبير قال : احتجم النبي ( صلى الله عليه وآله ) فأخذت الدم لأهريقه، فلما برزت حسوته ، فلما رجعت قال ( صلى الله عليه وآله ) : ما صنعت ؟ قلت : جعلته في أخفى مكان - وفي رواية أخرى : جعلته في وعاء حريز ( 2 ) .
قال ( صلى الله عليه وآله) : ألفيك - أي أجدك - شربت الدم ، وفي خبر آخر : لا تعد إلى مثله ( 3 ) . وابن شهرآشوب في كتاب المناقب عن أم أيمن - وهي كانت جارية ورثها النبي ( صلى الله عليه وآله ) منأبيه ، فأعتقها وجعلها حاضنة أولاده ، وقد حلف ( صلى الله عليه وآله ) بأنها من أهلالجنة - قالت : أصبح رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فقال : يا أم أيمن قومي واهرقي ما في الفخارة - يعني البول - قلت : والله شربت ما فيها وكنت عطشى ، قالت : فضحك رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) حتى بدت نواجذه ، ثم قال : أما انك لا يجع ( 4 ) بطنك، وفي خبر آخر بعد هذا : فلا تعودي ( 5 ) .
فيستفاد تقريره ( صلى الله عليه وآله )لشرب دمه وبوله ، وتقرير المعصوم ( عليه السلام ) حجة كفعله وقوله ، فالظاهر من سكوت النبي ( صلى الله عليه وآله ) وعدم نهيه سيما مع ذكر منافعه الرضا به المستلزم للطهارة لحرمة شرب النجس وأكله . واما ان الأخبار الدالة على الأمر بغسل الدم والبول مطلقة أو عامة ، فيشمل دم المعصوم أيضا وبوله مع أنهم ( عليهم السلام ) كانوا يغسلون دماءهم وأبوالهم أيضا - كما ورد في الأخبار المستفيضة - ففيه انه لا كلام في لزوم اجراء هذه الأحكام الشرعية في ظاهر المرحلة ، لما مر من المصالح الخارجية بلا فرق بين دم المعصوم وغيره ، ولكن وجوب الغسل أعم من النجاسة المعروفة ، أي المستلزمة للخباثة لما مر ، ولجواز كونه تعبديا كالأمر بالاحتراز عن استصحاب مالا يؤكل لحمه في الصلاة مع كونه طاهرا أيضا. وانما الكلام في هذه النجاسة، واما النجاسة بمعنى وجوب الغسل ولزوم الاحترازللمصالح الخارجية مع كونه بالذات طاهرا في غاية النظافة فلا كلام فيها ، وإن كان اطلاق النجاسة مستهجنا حينئذ أيضا لانصراف الأنظار من النجاسة إلى الخباثة من جهة الغلبة ، فلعل المنازعة حينئذ لفظية ، فلا خلاف في المسألة . واطلاق الدم المسفوح الذي استشكلبه العلامة في المنتهى ( 6 ) لا ينصرف إلى الأفراد النادرة، ودعوى العموم ممنوعة، ولو سلم فمخصص بالأدلة ، وانكار النبي ( صلى الله عليه وآله ) لام أيمن بقوله: (( ولا تعودي ) ) ونحو ذلك غير معلوم المأخذ ، ولو سلم فيمكن أن يحمل على المنع من التكرار، كما يشعر به الأخبار وسنشير إليه .
ومن الزيارة الجامعة التي رواها ابن طاووس ان الله طهركم من الفواحش ما ظهر منها وما بطن ، ومن كل ريبة ورجاسة ودنية ونجاسة) ( 7 ) .
وورد في الأخبار الكثيرة كون بولهم ونجوهم في رائحة المسك الأذفر ، وأمرالأرض بابتلاعهما مطلقا ، وان ذلك إحدى خواص فجعل أربعون من المنافقين يهزأون برسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ويقولون : زعم أنه قد أعتق الخدري من النار لاختلاط دمه بدمه ، وما هو الا كذاب مفتر ، اما نحن فنستقذر دمه ، فقال رسول الله ( صلى الله عليهوآله ) : أما ان الله يعذبهم بالدم ويميتهم به ، وإن كان لم يمت القبط به ، فلم يلبثواالا يسيرا حتى لحقهم الرعاف الدائم ، وسيلان دماء من أضراسهم ، فكان طعامهم وشرابهم يختلط بذلك فيأكلونه ، فبقوا كذلك أربعين صباحا معذبين ثم هلكوا ( 8 ) .
وفيه أيضامن التقرير مالا يخفى حيث لم يصرح بكونه حراما ولو في أول مرة مع التنبيه على أن الاستقذارمن أثر النفاق لا الاخلاص والوفاق . واما النهي فيه عن العود إليه ، وكذا في خبر المناقب على ما روى أن أبا طيبة الحجام شرب دم رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فقال : لاتعد ان الدم حرام أكله ، فهذا تحذير محمول على جعله عادة ، فيكون مرة واحدة للاستشفاء جائزا والزائد حراما لا للنجاسة ، لعدم الملازمة بين الحرمة أو وجوب الغسل أيضا وبين النجاسة ، كما صرح به في الرياض ، وفي بحث الاجماع من القوانين ، لما مر ولجواز التعبدية.
الهوامش
ـــــــــــــــــــــــــــــ
( 1 ) تفسير الإمام العسكري ( عليه السلام ) : 419 ح 286، عنه البحار 17 : 270 ح 6 ، وتفسير البرهان 2 : 32 ح 4 ، ونحوه مناقب ابن شهرآشوب1 : 220 / في اللطائف .
( 2 ) كامل الزيارات: 286 ، عنه البحار 60 : 154 ح 12 ، وفي تهذيب الأحكام 6 : 74 ح 14 والوسائل 10 :414 ح 1 ، مستدرك الوسائل 16 : 204 ح 19596 .
( 3 ) التهذيب 1 : 107 ح 13 ، والاستبصار 1 : 99 ح 3 ، والوسائل2 : 928 ح 7 ، والبحار 22 : 540 ح 50 .
( 4 ) التعليقات على شرح اللمعة الدمشقية للآقا جمال الخوانساري : 79 / مس الميت .
( 5 ) الدرة النجفية : 41 / مس الأموات .
( 6 ) لهذا الحديث مصادر كثيرة ، منها : الفردوس 1 : 426 ح 1395 ، والصواعق المحرقة : 235 ، وينابيع المودة: 240 ، ومقتل الحسين : 51 ، والمناقب لابن المغازلي : 65 ح 62 ، وكنز العمال 13 :94 ح 534 ، ونور الأبصار : 52 ، وفرائد السمطين 2 : 57 ح 384 .
( 7 ) علل الشرائع 178 ح 2 ، عنه البحار 43 : 13 ح 7 ، والعوالم11 : 72 ح 12 .
( 8 ) علل الشرائع : 178 ح 3 ، أمالي الصدوق : 474 ح 18 مجلس86 ، والخصال : 414 ح 3 ، عنها البحار 43 : 10 ح 1 ، والعوالم 11 : 66 ح 1 ، وفي دلائل الإمامة : 79 ح 19 ، وروضة الواعظين : 148 ، وكشف الغمة 2 : 91 ، والمحجة البيضاء4 : 212 .
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat