الحاج المله حمود مهدي الحميري
ناصر كماز
ناصر كماز
ولد الحاج الملة حمود مهدي الحميري النجار الكربلائي سنة 1926م في مركز مدينة كربلاء المقدسة مقابل ضريح أبي الفضل العباس (ع) في محلة باب الخان. نشأ وترعرع في أزقتها الجميلة حتى دخل إحدى مدارس المدينة الابتدائية. تخرج منها بامتياز ولم يحالفه الحظ لإكمال دراسته المتوسطة وباقي المراحل. فدخل في محافل كربلاء التربوية ذات الثقافة الدينية واستمر عليها عاشقاً حقيقياً مولعاً بحب محمد وآل محمد صلوات الله عليهم أجمعين.
تعلم قراءة القرآن وأخذ بعض علومه، حتى تتلمذ ودرس على يد بعض الأساتذة الكبار المرحوم الحاج حسين الكاتب والمرحوم الشيخ كريم (أبو محفوظ) وكما عاصر المرحوم كبار أساتذة اللغة العربية والتجويد وظل ملتزما بخط المرجعية الدينية أمثال السيد محسن الحكيم، والسيد مهدي الشيرازي (قدس سرهم) كما عاصر العلماء الشيخ حسن سيبويه، ومحمد علي سيبويه، والسيد محمد علي خير الدين (قدس سرهم).
باشر في تدريس القرآن في محافل كربلاء المقدسة عام 1950م وإعطاء الدروس التربوية القيمة وكان أحد أعضاء عزاء باب بغداد، وكذلك في الكثير من الهيئات والمواكب الحسينية وحضور المجالس الحسينية. عاصر المرحوم عباقرة العلوم الفقهية وخطباء المنبر الحسيني، وكانت كربلاء تضم نجوم الرواديد والشعراء الحسينيين أمثال كاظم المنظور، والشيخ كريم، وحمزة الزغير، والشيخ هادي، والشيخ عبد الزهرة الكعبي (تغمدهم الله برحمته الواسعة). وقد كان أهالي كربلاء لحمة واحدة تضم كل أفراد المجتمع الكربلائي، وكأنهم عائلة واحدة، مما زاد في تطلعات المرحوم فارتقى منابر مجالس الحسين (ع) لقراءة القرآن كمقدمة، وكذلك ارتقى مأذنة أبي الفضل العباس (ع) لقراءة القرآن والأذان. وعند مجيء العهد البائد الظالم أخذ يحارب ممارسة الشعائر الحسينية التي تقام في كربلاء المقدسة والعراق عامة، وعلى وجه الخصوص المناطق الشيعية، حتى أخذ يحارب كل المصلين في الجوامع، وكذلك الحضور في محافل القرآن والمجالس الحسينية، وقد كان آخر محفل يقيمه المرحوم في مقبرة شهيب مقابل الحسينية الطهرانية في ضريح الإمام الحسين (ع). وفي عام 1979م تم الاعتداء والهجوم والتخريب في المحفل الذي يقام في مقبرة شهيب وسطوا على كل ممتلكات المقبرة بما فيها كتب التدريس وكتب التفسير ومجموعة من قرائين وبعض الحاجيات العائدة إلى المحفل، حيث كانوا يلاحقون الحضور جميعا ويتهمونهم بكونهم منظمين لحزب الدعوة.
وقد تم اعتقال أخا المرحوم الأستاذ الشهيد صاحب مهدي الحميري عند عودته من مصر، وكان بعض أزلام النظام يكتبون تقارير على أسرته يومياً، وعن تحركاتهم وعن كل شخص منهم. وفي سنة 1980م التي أعدم فيها الشهيد السعيد آية الله العظمى السيد محمد باقر الصدر (قدس سره) تم إعدام الأستاذ صاحب مهدي الحميري وهو مدرس التربية الإسلامية. ومنذ ذلك الحين ونحن محاصرون ومقيدون وعلينا العلامة الحمراء والتفتيش اليومي للبيت، وقد تم إتلاف كتب قديمة وثمينة بما فيها من علم وأدب وفلسفة ودين وشعر ومناقب وأحاديث لأهل البيت (ع) رغم ذلك فقد ظل المرحوم مجاهداً في تدريس القرآن وتعليمه للتلاوة وأصول التجويد. وفي سنة 1996م جاء إليه بعض المؤمنين والوجهاء من المدينة راجين منه أن يقيم محفلاً تدريسياً في جامع الإمام علي (ع) {جامع البلوش سابقاً} فاستجاب لهم وأخذ يدرس فيه القرآن وعلومة تلاوة وشرحاً، فكان في زمن النظام البائد المحفل الوحيد المعلن علناً الذي يدرس فيه القرآن، وكان أزلام النظام البائد حاضرين في المحفل، ليكتبوا تقارير يومياً، وهذا كله تم بفضل الله ورعايته وحفظه لهذا المحفل ببركة محمد وآله الطاهرين الأبرار.
وبعد سقوط النظام المقبور كان مستمراًَ في أداء دروسه ومحاضراته القيمة، ولكن المرض قد أخذ منه كثيراً فلم يعد يقوى على إدارة المحفل بشكل مستمر حتى وافاه الأجل في العاشر من شهر رمضان المبارك سنة 1425هـ وكانت وصيته لابنه الأصغر أنه يداوم على تدريس القرآن ولم يتركه أبداً فأن القرآن شاف ومشفع. أول من يشفع وأول من تقبل شفاعته والحمد لله رب العالمين المحفل دائم بفضل الله وببركات محمد وآل محمد الطيبين (ع).
لقد كان المرحوم يمارس مهنة النجارة منذ صغر سنه وحتى قبل أن يتمكن منه المرض ومن الشخصيات المعروفة في هذا المجال لدى الأوساط الكربلائية. وقد رثاه الشاعر تيسير الأسدي في قصيدة يؤرخ فيها حياة المرحوم. وهي:
أنمــا الله حـــكيم رحــيم أنزل القرآن نهجا قويم
كـتب الله القضـاء علـينا صدق الله العلي العظيم
فقضى حمود مذ أرخوه تلك آيات الكتاب الحكيم
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat