لماذا ثار زيد بن علي؟
امجد كاظم الدهامات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
امجد كاظم الدهامات

إذا كانت النهضة الحسينية قد وضعت بداية النهاية للدولة الأموية، فإن ثورة الإمام زيد بن علي بن الحسين (ع) سنة (122 هـ) قد وضعت المسمار الأخير في نعشها، فبعد أعوام قليلة جداً انتهت تلك الدولة وأصبحت في ظلمات التأريخ، وسأعرض، بإيجاز، الأسباب والعوامل التي على أساسها قرر زيد القيام بثورته، وسأكون مهتدياً بالأقوال والتصريحات التي صدرت عن زيد نفسه تفسيراً وشرحاً لأهدافه وغاياته وأسباب مواجهته لنظام الحكم القائم في ذاك الوقت، وعلى رأسه هشام بن عبد الملك، ويمكن اعتبار تلك الأقوال بمثابة بيانه السياسي وخطه الفكري الذي آمن به وسار عليه طوال حياته، وبالتالي فيمكن تلخيص تلك الأسباب بما يلي:
1. " لو لم أكن إلا أنا وابني لخرجت عليه" (الجاحظ: البيان والتبيين: 1/310)
بلغ استهتار خلفاء بني أمية المتأخرين واستهانتهم بالدين ومشاعر المسلمين حداً لا يمكن لأي شخص، فضلاً عن زيد، أن يتحمله، وإذا كانوا في بداية حكمهم يتظاهرون بشيء من التدين والتقوى، إلا إنهم نزعوا أقنعتهم أخيراً ليظهروا حقيقتهم البشعة، الأمر الذي جعل رجلاً مثل (سعيد بن المسيب) يقول عنهم (ابن سعد: الطبقات: 5/95): "ما أصلي صلاة إلا دعوت عليهم"، وقد كان هشام بن عبد الملك، الذي حدثت الثورة في عهده، وحسب (الأصفهاني: الأغاني: 6/100): "صاحب شراب، وجعل أحد أيام الأسبوع مخصصاً لشرابه"، ولما قال له عبد الله بن صيفي (الدينوري: الأخبار الطوال: 346):
"أنت خليفة الله في أرضه وخلقه ومحمد (ص) رسوله إليهم، فأنت أكرم على الله منه"، لم ينكر هشام هذا القول منه رغم انه قول يضارع الكفر، وقد وصلت هذه المقولة لمسامع زيد فقال قوله أعلاه، وكان هذا أحد الأسباب.
2. "الحكم بموجب كتاب الله وسنة نبيه، وجهاد الظالمين والدفاع عن المستضعفين وإعطاء المحرومين، وقسم هذا الفيء بين أهله بالسواء، ورد المظالم، ونصرة أهل البيت على من نصب لهم وجهل حقهم" (ابن الأثير: الكامل: 5/92)
كانت هذه دعوة زيد، وعليها بايعه أهل الكوفة، وحققت إجماعاً قلّ نظيره، فلا يمكن لأي إنسان مؤمن أن يقف بوجه هكذا دعوة تحقق الحكم الإلهي في الأرض والعدالة الاجتماعية بين الناس، ولم يبايع زيد شيعة أهل الكوفة فقط، بل فقهاء وعلماء وأهل المذاهب الأخرى، وفي مقدمتهم الإمام أبو حنيفة النعمان الذي أعلن مساندته لزيد، وأفتى بالخروج معه، وأعطاه من ماله الخاص عشرة آلاف درهم، وقال عنه: (الخطيب البغدادي: تأريخ بغداد: 13/323): "ضاهى خروج رسول الله يوم بدر"، وبايعه أيضاً منصور بن المعتمر، محمد بن عبد الملك، قيس بن الربيع، عبد الله بن شبرمة، مسعر بن كدام، وغيرهم. (حُميد المُحلي: الحدائق الوردية: 1/152).
3. "إنما خرجت على الذين قاتلوا جدي الحسين" (الطبرسي: أعلام الورى: 257).
صحيح أن هشاماً لم يشترك بقتل الإمام الحسين، وصحيح أن يزيد هو الذي أمر بذلك، ولكن الحقيقة أن يزيد الشخص غير مهم بذاته، بل بصفاته ومميزاته، وكل شخص يحمل تلك الصفات يكون يزيداً، وبالتالي قاتلاً للحسين، مهما كان الزمان والمكان، وكان هشام يمثّل يزيد عصره فقد كان: "بخيلاً حسوداً فظاً ظلوماً، شديد القسوة، بعيد الرحمة، طويل اللسان" كما وصفه المسعودي (مروج الذهب: 2/393)، ولهذا فقد كانت ثورة زيد لأخذ الثأر من يزيد عصره، وهكذا اغلب الثورات التي حدثت خلال التأريخ الإسلامي.
4. "إنما خرجت على الذين أغاروا على المدينة يوم الحرّة، ثم رموا بيت الله بحجر المنجنيق والنار"
(البغدادي: الفرق: 25).
كما هو معروف فقد أفتتح يزيد حكمه بقتل الحسين وأهل بيته وأصحابه في مجزرة وحشية، وفي السنة الثانية قتل أهل المدينة واستباحها ثلاثة أيام، وفي الثالثة أمر بضرب الكعبة بالمنجنيق وإحراقها بالنار، فأي حكم هذا؟ وأي حاكم هذا؟ وأين هو من روح الإسلام وعدالته؟ فلم يقف الدم الحرام ولا قدسية مدينة الرسول (ص) والصحابة من المهاجرين والأنصار، أمام الجيش الأموي ليمنعه من القيام بكل تلك الفظائع، وإذ كان بعض الصالحين يكتفي بالدعاء ضد الدولة الأموية، فأن زيد العلوي لا يمكن أن يقتنع بذلك فقط، بل لا بد من الثورة حلاً، وهذا ما كان.
5. "إنا كنا أحق الناس بهذا الأمر، ولكن القوم استأثروا علينا ودفعونا عنه"
(الطبري: التأريخ: 8/272).
نعم، فقد كانت ثورة زيد محاولة علوية أخرى من ضمن عشرات المحاولات قبلها وبعدها لاسترجاع حق البيت العلوي في خلافة الدولة الإسلامية، ذلك الحق الذي أشار إليه الإمام علي (ع) بقوله لعبد الرحمن بن عوف (الطبري: التأريخ: 5/37): "هذا ليس أول يوم تظاهرتم به علينا" فكان زيد في أقواله يؤكد على هذا الحق ويطالب به، ثمّ أكد هذا الحق بعمله المبارك العظيم، ثم إن زيداً، وحسب الروايات، لم يكن يدعو لنفسه بل كان يعتقد انه هناك من هو أحق منه بهذا الأمر، وهذا ما يؤكده الإمام الصادق (ع) بقوله (الصدوق: عيون الأخبار: 2/225):
"رحم الله عمي زيداً، إنه دعا إلى الرضا من آل محمد ولو ظفر لوفى بما دعا إليه، وقد استشارني في خروجه فقلت له: يا عم إن رضيت أن تكون المقتول المصلوب بالكناسة فشأنك"
وقال عنه: "ويل لمن سمع واعيته فلم يجبه".
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat