الإسلام والدفاع الشرعي ح1
الشيخ عبد الرزاق فرج الله
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
الشيخ عبد الرزاق فرج الله

بقدر احترام الإسلام لإنسانية الانسان وتكريمه بصفته أشرف مخلوق على وجه الارض، لقوله تعالى: "ولقد كرمنا بني ادم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا" الاسراء:70 فقد اعطى الاسلام ذات الإحترام والتقديس لكافة حقوقه وحرماته في الحياة، اعطى لماله حرمة، ولعرضه حرمة، ولكافة مقدساته حرمة، واعطاه حق الدفاع عن هذا الحرمات، فقال تعالى: "فَمَنِ اعتَدى عَلَيكُم فَاعْتَدُوا عَليهِ بِمِثْلِ مَا اعتدى عَليكُم وَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَعَ المُتقِينَ" البقرة: 194.
وكلمة "واعتدوا ...."هي التي تتضمن حق الدفاع الذي اعطي للمعتدى عليه، إذ ان السؤال الذي يمكن طرحه اذا كان الاعتداء محرماً في الاسلام، فكيف يعبر القران الكريم بكلمة "فاعتدوا "؟
فنقول :ان المنهي عنه في قوله تعالى: "ولا تعتدوا ان الله لايحب المعتدين" البقرة:190 هو الاعتداء ابتداء او التعسف في كيفية رد الاعتداء او اخذ الحق من المعتدي. فهذا الاعتداء هو الخطر الذي اعطى المعتدى عليه حق رده، ولايكون رده اعتداءً إلا من باب التجوز في التعبير، كما ورد امثال ذلك في القران الكريم كقوله تعالى: "ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين" الانفال: 30. اذ ان المكر ابتداء من الكافرين هو الخديعة والتحايل، اما مكر الله عز وجل فهو الجزاء بالمثال .
فبموجب الاية المتقدمة التي تعطي مشروعية رد الاعتداء حماية النفس او الغير، وعن كل ماله حرمة للإنسان المسلم يتحقق لدينا ماهو معنى الدفاع الشرعي وقد عرفه "عبد القادر عودة "في كتابه "التشريع الجنائي" ص:473 بأنه "هو واجب الانسان في حماية نفسه او نفس غيره وحقه في حماية ماله او مال غيره من كل اعتداء حال غير مشروع بالقوة اللازمة لدفع هذا الاعتداء" وهذا التعريف - على مانعتقد - يعطي لحق الدفاع خصائصه وقيوده التي تجعله "دفاعاً شرعيا" وهذاه القيود هي:
اولا: كونه دفاعا لأن معنى الدفاع هو موقف وقائي للمعتدى عليه، حيث يكون له او عليه - احيانا - القيام بعمل مناسب لدفع الخطر المتوجه اليه من اي معتد اخر، والوقاية تختلف في واقع الامر عن غيرها من الافعال المرتجلة والفاقدة لمبرراتها، والخالية من الغاية التي من اجلها ملك الانسان هذا الحق الذي هو كغيره من الحقوق كحق الملكية - مثلا - الذي يعتبر وظيفة اجتماعية يمارسه صاحبه في حدود وضوابط مقررة، ويعتبر الدفاع عنها حقا وقائيا لا يجوز ان يباشر المالك الا بعد ان تتوفر عوامل وشروط معينة.
ثانياً: كون الفاعل الدفاعي لازماً ومتعيناً لابديل عنه، بمعنى انه اذا أمكن تفادي الخطر بوسيلة أخرى، فيلزم الدفاع ان لايلجأ الى القوة في دفع الخطر، ولذلك قد يكون الهرب وسيلة من وسائل دفع الخطر، اذا لم يكن مشينا وعاراً موجبا اذلال المعتدى عليه، او سبباً لتمادي المعتدي في بغيه وتطاوله: "انظر مبادئ القانون الجنائي /477 د. أحمد رائد .
ثالثاً: كون الفاعل الدفاعي مناسبا لحجم الخطر المتوجه، فاذا أمكن للمعتدى عليه علاج الخطر باليسير من القوة فلا مبرر لاستعمال ماهو أشد عنفاً، وقد تبانى على ذلك كافة المسلمين .
قالت الحنفية: "ولكن ينظر اذا كان المشهور عليه يمكنه دفعه عن نفسه بدون القتل فلا يباح له القتل، وان كان لايمكنه الا بالقتل يباح له القتل لانه من ضرورات الدفع "الاقناع 4/289 –الحجاوي- وقالت الشافعية:"وليدفع الصائل بالاخف فالاخف" تحقق الطالب 2/440 الانصاري .
وقالت المالكية: "يدفعه بالاخف فالاخف، فان ابى... قتله "حاشية الدسوقي - على الشرح الكبير 4/357 . وقالت الحنابلة: "لو اريدت نفس انسان او ماله او حرمته دفع عن تلك بأسهل مايعلم أنه يندفع به" المغني 9/164 ابن قدامة. وقالت الإمامية: "للانسان أن يدافع عن نفسه وحريمه وماله بما استطاع ويجب اعتماد الاسهل" انظر شرائع الاسلام - كتاب الحدود والمبسوط للشيخ الطوسي /625 وكشف اللثام للفاضل الهندي - كتاب الحدود. وهنالك قيود وضوابط ومقاييس للخطر المتوجه، لكي يصدق عليه أنه خطر تبرر حق الدفاع وهذه القيود هي:
أ- كون الخطر حقيقياً لاوهمياً, والخطر الحقيقي هو: الخطر الذي يغلب على ظن الانسان لأسباب معقولة أنه واقع عليه, ليكن الفعل الدفاعي اللازم اتخاذه من قبل المعتدى عليه مشروعاً، ولايكفي الوهم الذي يدفع الانسان احياناً الى اتخاذ اجراء سريع, كما لو صوب انسان سلاحه هازلاً صوب انسان اخر، فوقع في نفس المصوب اليه رعب فعاجل المصوب برد فعل معين, فان ذلك لايعد دفاعاً شرعياً الا على بعض الاراء التي اخذت بعين الاعتبارالظروف والملابسات التي تلقي في روع المدافع أن هناك اعتداءً جدياً وحقيقياً موجهاً اليه". انظر شرح قانون العقوبات العام م377 د. محمود مصطفى .
أما الأعم الأغلب فلا يرون ذلك الرد دفاعاً شرعياً, لأن المصوب لم يندفع بقصد وسوء نية, ولأن الخطر لم يتحقق في واقع الامر إلا على مستوى وهم المصوب إليه وخياله, فلا توجد للخوف أسبابه المعقولة, ولأن تعريف الخطر هو "فعل يتخوف يحدث من الموت أو جراح باللغة اذا كان لهذا التخوف أسباب معقولة" انظر قانون العقوبات البغدادي م م/ 50 ف/ 1
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat