الإيمان من سطح القول الى عمق العمل ح1
الشيخ عبد الرزاق فرج الله
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
الشيخ عبد الرزاق فرج الله

(ياأَيُّهَاالذِينآمَنُواآمِنُوابِاللهِوَرَسُولِهِوَالكِتابِالذِينَزَّلَعَلىرَسُولِهِوَالكِتابِالَّذِيأَنْزَلَمِنقَبْلُوَمَنْيَكْفُرْبِاللهِوَمَلائِكَتِهِوَكُتُبِهِوَرُسُلِهِوَاليَومِالآخِرِفَقَدْضَلَّضَلالاًبَعِيداً) النساء: 136
في الآية عدة خطوات للبحث:
الأولى: دور الإيمان في الحياة كدور الروح في الجسد، فالحياة بدون ايمان لا معنى لها، إذ تكون حركتها بلا قصد كحركة أي عضو من أعضاء الإنسان، حيث يتحرك أحيانا بلا قصد أو غاية من وراء هذه الحركة.
وعليه فهل يعقل أن يخرج الإنسان بهذا التكوين الخاص، فيعمل ويأكل ويبني ويتناسل ويتكاثر، ثم يودع الحياة الدنيا دون أن تكون له رسالة في الحياة أو غاية يكدح من أجلها؟
فالجواب: قطعا لا يعقل ذلك..، ولكن رب قائل يقول: ان الإنسان يدرس ويتعلم ويتطور في ميدان العلم، ويقدم للحياة وللمستقبل الاجتماعي كثيرا من الصنع والابداع، أفلا يكفي أن تكون هذه رسالته في الحياة؟
والجواب: قبل كل شيء، ان العلمَ غالبا يعتبر مقدمة للإيمان، وبالعلم يكون الايمان أرسخ جذورا في نفس الانسان، فكلما تقدم الانسان في العلم، وكان حظه منه أكبر، كان حظه من الإيمان بمثله، ولذلك كان للإسلام موقفه الإيجابي من العلم والتدبر، وقرر أن العلماء أقرب الناس الى الايمان بالله عزوجل، وأكثر الناس خشية منه، كما قال تعالى: (إنما يخشى الله من عباده العلماء).
(في وقت كان شعار قادة الأديان في مشارق الأرض ومغاربها: أطفئْ مصباح عقلك، واعتقد وانت أعمى) جاء الاسلام ينادي بصوت رفيع: (الدين هو العقل، ولا دين لمن لا عقل له) التكامل في الاسلام 1/36
ولكن بشرط أن يكون العلم الذي يغذي العقل ويعده صحيحا، لينتهي بصاحبه الى النتيجة الصحيحة الثابتة، كما قال أحدُ الأدباء:
ما قيمة الإنسان إلا فكرة *** والعقل بالعلم الصحيح يصان
وعلى هذا فان هناك فرقا كبيرا بين الايمان والعلم في مقام التربية والتأثير، وتوجيه حياة الإنسان وذلك:
أولا:إن العلم حقائق مستحصلة من خارج ذات الإنسان، فهي تفد عليه وفودا من خلال دراسة وعناءات وجهود، أما الإيمان فتوجد حوافزه ودوافعه في أعماق كل نفس، بحكم الفطرة التي فطر الله الناس عليها، غاية الأمر فالإيمان في نفس العالم يظهره العلم وتجليه الحقائق على شكل قناعة، وثقة تحمل معها برهانها وحجتها العلمية، وأما في نفس الجاهل فهي حقيقة مجردة، تجد الدعم والتأييد في أعماق الفطرة الإنسانية.
ثانيا:إن العلمَ يبقى موقعه العقل، وما أكثر العقول المحشوة بالنظريات العلمية، وهي على غير قناعة وإيمان بما تعلم، فهي معرضة للزوال والمسح، اذا ما تبدلت قناعة الإنسان بغيرها، أما الإيمان فموقعه القلب الذي هو صفحة يخط عليها قلم العقل الصحيح قناعته وثقته بما يعلم، لذا يصبح من الصعب جدا أن تتغير عقيدة الإنسان وإيمانه الراسخ، أيا كان نوع هذا الإيمان واتجاهه.
ثالثا:إن العلمَ يتطور ويتشعب بالعلم، فاذا كان العلم يطور العلم ويشعبه، الا أنه لا يوجهه ولا يهذبه، بل الذي يهذب العلم ويهديه الى السبيل الأصلح هو الإيمان وحده، أما العلم فلا يستطيع أن يهب السعادة للحياة أو يوفر الأمان والإطمئنان للبشرية، ولا يستطيع وحده أن يمنع الإنسان عن الظلم والاعتداء المسلح على غيره، بل حتى عن استخدام القنبلة الذرية والنووية، وما ضربت (هوروشيما في اليابان) إلا بالعلم والتقنية الحديثة وحدها، ولو كان هناك ما يغذي هذه التقنية الحديثة ويوجهها من الإيمان والورع والتقى لما حدث ما حدث.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat