مقامُ سيدة نساء العالمين (سلامُ اللهِ عليها) في السنة
انتصار عدنان عبد الواحد
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
انتصار عدنان عبد الواحد
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
اختصت السيدة فاطمة الزهراء (ع) بمكانة عظيمة في السنة النبوية الشريفة، حيث أفاضت الأحاديثُ والروايات عن هذه المكانة، والتي ليس من اليسير إحصاؤها لكثرتها، وتعدد مصادرها، ولهذا فقد أفرد البعضُ فصولا ومؤلفات بأكملها لتناول هذا الجانب في كتب الحديث والمناقب وغيرها، لذا يجب الوقوف والتأمل في تلك النصوص ومدلولاتها خاصة، إذا أدركنا أن النبي (ص) لم يكن بالذي تدفعه العاطفة المجردة إلى إطلاق أحاديث، أو إضفاء سمات على أشخاص، ليسوا جديرين بها قال تعالى: (وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى* إِنْ هُوَ إلا وَحْيٌ يُوحَى) وقوله أيضاً: (إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ* ذِي قُوَّةٍ عِندَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ* مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ).
وعلى هذا الأساس، لا يمكن أن نفترض إن اهتمام النبي (ص) بابنته فاطمة االزهراء (ع)، كان للعاطفة الأبوية أو لما امتازت به من صفات وكمالات روحية، تستحق الإجلال والتعظيم؛ وإنما لا بد من أهداف أسمى تقف وراء كل فعل وقول صدر منه (ص) بحقها (ع).
إن طبيعة علاقتها (ص) بأبيها لم تقف عند حدود البنوة له، بل نجدها تقدم مثالا يُحتذى به في حبها له ومعاملتها معه (ص) كنبي مرسل، أوجب الله محبته وطاعته، إذ روي عنه (ص) قوله: (لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين). فكانت (ع) تنظر إلى أبيها (ص) نظرة المؤمن المتعبد المطيع، رغم علمها بمدى حبه ومودته لها، فلم تسمح لصلة البنوة بتجاوز آداب النبوة، لذا نجدها تقول: (لما نزلت هذه الآية: (لا تَجْعَلُوا دُعَاء الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاء بَعْضِكُم بَعْضًا) هبت رسول الله (ص) أن أقول له: يا أبه، فكنت أقول: يا رسول الله، فأعرض عني مرة أو اثنين أو ثلاثا، ثم أقبل عليّ فقال لي: يا فاطمة إنها لم تنزل فيك، ولا في أهلك، ولا في نسلك، أنت مني وأنا منك، إنما نزلت في أهل الجفاء والغلظة من قريش، أصحاب البذخ والكبر، قولي: يا أبه فإنها أحيا للقلب وأرضى للرب).
إذن، فالرسول (ص) يحب أن يرى ابنته الوحيدة تتعامل معه كأب، كما يتعامل الأبناءُ مع آبائهم لعلمه بأنها بلغت من الإيمان والكمال، فلا يصدر منها ما لا يليق بمقامه المقدس (ص)، وكانت بغاية الحرص على رعايته (ص)، إذ سخرت نفسها لخدمته، وأحاطته بوافر حبها وإجلالها لشخصه (ص)، وتجلى ذلك من خلال تلك الأدوار التي تقلدتها منذ نعومة أظفارها، وحتى آخر لحظة من حياتها معه (ص)، فلم تفارقه أبداً، وكان من دأبها تفقده وملازمته في حله وترحاله، حتى كناها (ص) بـ(أم أبيها).
وهكذا ارتقت (ع) لتكون وعاء لهموم أبيها (ص)، ومصدرا يحتضنه بالعاطفة المشوبة بالإجلال؛ فكانت كلما دخل عليها قامت إليه، وقبّلته وأجلسته في مجلسها، وكانت تتألم لآلامه، وتذرف دموعها لأجله؛ إذ يروى: (أن رسول الله ( ص) مرض مرضة، فأتته فاطمة (ع) تعوده... فلما رأت ما برسول الله (ص) من الجهد والضعف، خنقتها العبرة حتى جرت دمعتها على خدها)، ويروى أنه عاد من إحدى غزواته: (فبدأ بها قبل بيوت أزواجه، فاستقبلته فاطمة فجعلت تقبل وجهه وعينيه وتبكي، فقال لها رسول الله ( ص): ما يبكيك؟ قالت: أراك يا رسول الله قد شحب لونك وخلولقت ثيابك. فقال لها: يا فاطمة إن الله عز وجل بعث أباك بأمر لم يبق على ظهر الأرض بيت مدر ولا شعر، إلا أدخله به عزا أو ذلا، يبلغ حيث بلغ الليل).
وروي أيضا: (دخل رسول الله (ص) على فاطمة، فقدمت له كسرة يابسة من خبز شعير فأفطر عليها، ثم قال: يا بنية هذا أول خبز أكل أبوك منذ ثلاثة أيام، فجعلت فاطمة تبكي ورسول الله (ص) يمسح وجهها بيده)، وبلغ من شدة تعلقها بأبيها والتصاقها به (ص)، إنها بكت لما أخبرها بدنو أجله، وفرحت لما علمت إنها أول أهل بيته لحوقاً به، ومدى تأثرها لفقده، وكيف عاشت تبكيه وترثيه بعد موته لدرجة أنها لم تُر ضاحكة قط.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat