صفحة الكاتب : محمد الرصافي المقداد

من يداوي حمق ترامب؟
محمد الرصافي المقداد

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

يبدو الرئيس الأمريكي (دونالد ترامب) في افتتاحه فترة رئاسته الجديدة، أشدّ تنمّرا من فترته السابقة، كأنّه جاء هذه المرّة ليستدرك ما كان فاته من قبلُ، أو لنقل انّه في حركته بدا متنمّرا على الجميع تقريبا باستثناء مدلّلته إسرائيل، أو كبابا نويل استبق الربيع في عزّ الشتاء، جاء ليحمل معه جملة من القرارات السياسية والجمركية، يراها من وجهة نظره عاملا قويّا من شأنه أن يزيد من انعاش الخزينة الأمريكية، بفرض رسوم جمركية على البضائع المستوردة، الداخلة إلى الأسواق، أو المواد الخام التي تحتاجها الصناعات الأمريكية.

هذه المرّة كشرّ ترامب عن أنيابه، بشكل لم يعد أحد يرى في تكشيرته ابتسامة بلهاء معبّرة عن مودّة كاذبة، فقد استفزت قراراته المتعجّلة المستهدفة، دولا من شتى انحاء العالم، حتى الذين هم معدودين حلفاء له ككندا وأوروبا، نزلت عليهم نزول الصاعقة، وجاءهم أذاها من حيث لم يكونوا يتوقعون، أن يصدر ذلك من حليف لهم، بدا أحمقا اليوم قبل أي وقت مضى، وهي بتعبير آخر حرب اقتصادية غير معلنة، ستتضرر منها اقتصاديات الدول الحليفة بالمقام الأول، ثم تأتي من ورائها دول التبعية والعمالة، وكل من كان يقتات من الدّون الأمريكي.

قرارات أو لنقل مقامات ترامب تنوّعت بين الدعوة والأمر لعل أغربها، أن تكون كندا الولاية الواحدة والخمسين التابعة للولايات المتحدة الأمريكية، وأن تتنازل الدانمارك على جزيرة غريلاند Greenland، - الجزيرة الخضراء - وهي أكبر جزيرة في العالم، وأن تكون بنما بلدا وقناة تحت السلطة الأمريكية، وأن تدفع ألمانيا واليابان لأمريكا لقاء تواجد القوات الأمريكية بالبلدين.

ردود الفعل التي صدرت من كندا والمكسيك بالمعاملة بالمثل، ما جعل الإدارة الأمريكية تتراجع عن بدء تنفيذ قراراتها لمدّة شهر، فسحا لمجال مفاوضات قد يغنم منها الأمريكيون ما لم يغنموه من فرض ضرائب مشطّة على سلع الدول الأخرى، أمّا الصين الشعبية وهي أولى المستهدفين من قرارات ترامب، فقد سارعت الى فرض ضرائب مماثلة على النفط والغاز والفحم الحجري الأمريكي والمركبات والآلات الزراعية والشاحنات الصغيرة، ولا اعتقد أن التجاذبات الأمريكية الصينية ستقف عند هذه الحدود من المعاملات، وقد تخرج هذه الأمور عن السيطرة، ليتطوّر الصراع دراماتيكيا، ويتحوّل من خانته الاقتصادية، إلى الحرب والمواجهة العسكرية المباشرة.

أطماع (ترامب) تنوعت، وتراوحت بين ما يراه من زيادة حظوظ إسرائيل في البقاء – وهي بكل بساطة قاعدته العسكرية الكبرى في الشرق الأوسط -  بإيحاء منه، لتوسيع مساحتها الجغرافية، ليس إلى الضفة والقطاع كما يعتقد الكثيرون، بل إلى تحقيق مخطط إسرائيل الكبرى، الذي يسعى إليه الصهاينة في أمريكا وإسرائيل على حدّ سواء، وما الرئيس الأمريكي سوى أحد هؤلاء الذين حموا وشجعوا قادة الكيان الغاصب، على مواصلة اعتداءاتهم داخل فلسطين وخارجها، وما حصل في لبنان وسوريا سوى دليل على الصبغة العدوانية التي عُرِف بها الأمريكي والإسرائيلي.

حلم (ترامب) في أن تهيمن بلاده على جميع دول العالم، بهذا الأسلوب في الجباية المشطة، سوف لن تتوقف، إلا إذا وقفت جميع الدول المتضررة من قراراته موقفا واحدا، ومعالجة شططه بشطط مثله، تتخذه كل دولة منها مقابل تنمّراته القبيحة، المتمثلة في الكسب الإستغلالي الرخيص، فيما يتغافل العالم عن قيمة الدولار الأمريكي، الذي فقد حقيقة قيمته، ولم يعد يساوي سوى تكلفة طباعته - التي لا تزال متواصلة دون انقطاع فيما يبدو- لولا هيمنة الإدارة الامريكية على العالم، وفرض بقاء الدولار عملة عالمية التداول في شتى قطاعات الاقتصاد.

خضوع دول العمالة والتبعية كان متوقعا ومنتظرا، وهي التي تعوّدت منذ أن تأسست على ذلك النمط من الطاعة العمياء، وكلّ من فرّط في مصالح بلاده بذلك الشكل السيّء، يسهل عليه الاستجابة لطلب من نصّب نفسه حاميا له، دون أن يكون هناك موجب لذلك، ونحن نرى اليوم دول العالم مصنّفة إلى صنفين: دول تعيش بكامل حرّيتها وكرامتها، بفضل ثقافة شعوبها الأصيلة التي ناضلت من قبل، من أجل أن تتبوأ مكانة محترمة بين دول العالم، ودولٌ رضيت بأن تكون مسلوبة الإرادة، محكومة من قوى خارجية لا تريد لشعوبها الخير.

ويأتي إعلان (ترامب) الإنسحاب من (الأونروا)، زيادة في الضغط على الفلسطينيين، وإضعاف إرادتهم في الدفاع عن حقوقهم، والتخلي عنها بما من شأنه، أن يضعف شعبية حماس بين عموم الفلسطينيين، وهو أسلوب حقير اتخذه من أجل تنفيذ مخطط صهيوني، يهدف إلى ترحيل أهل قطاع غزة إلى مصر والأردن، اللتين عبّرتا عن رفضهما المقترح، لكن إلى أيّ مدى سيصمدان، ولا قدرة لهما على إتخاذ مواقف معارضة والصمود فيها، وهما البلدان اللذان يتمتّعان بمساعدات أمريكية سنوية، وعلى ايّة حال فإنّ الإرادة الفلسطينية ستكون الحاسمة في ملف الترحيل  مهما كان قسريّا.

السؤال المطروح بعد كل هذه المقامات التي تفتقت بها قريحة ترامب، ورضيت بها إدارته: أيّ كسب سيحققه من كل هذه التطلّعات والأماني؟ لا أعتقد أن الرئيس الأمريكي سيحقق شيئا منها، باستثناء الدول الخاضعة له، وهي التي لا تردّ له طلبا، مهما كان غير منطقي، بينما بدأت ردود أفعال الدول ذات الكرامة، معبّرة عن رفضها القاطع الإستجابة لهوس رجل، عبّر عن حمق لا مثيل له، وهو حمق يجب معالجته بالردع، حتى لا يعود إلى مثله مرة أخرى، فمن القادر اليوم على ردعه؟

 

من يداوي حمق ترامب؟

 

بقلم: محمد الرصافي المقداد

 

يبدو الرئيس الأمريكي (دونالد ترامب) في افتتاحه فترة رئاسته الجديدة، أشدّ تنمّرا من فترته السابقة، كأنّه جاء هذه المرّة ليستدرك ما كان فاته من قبلُ، أو لنقل انّه في حركته بدا متنمّرا على الجميع تقريبا باستثناء مدلّلته إسرائيل، أو كبابا نويل استبق الربيع في عزّ الشتاء، جاء ليحمل معه جملة من القرارات السياسية والجمركية، يراها من وجهة نظره عاملا قويّا من شأنه أن يزيد من انعاش الخزينة الأمريكية، بفرض رسوم جمركية على البضائع المستوردة، الداخلة إلى الأسواق، أو المواد الخام التي تحتاجها الصناعات الأمريكية.

هذه المرّة كشرّ ترامب عن أنيابه، بشكل لم يعد أحد يرى في تكشيرته ابتسامة بلهاء معبّرة عن مودّة كاذبة، فقد استفزت قراراته المتعجّلة المستهدفة، دولا من شتى انحاء العالم، حتى الذين هم معدودين حلفاء له ككندا وأوروبا، نزلت عليهم نزول الصاعقة، وجاءهم أذاها من حيث لم يكونوا يتوقعون، أن يصدر ذلك من حليف لهم، بدا أحمقا اليوم قبل أي وقت مضى، وهي بتعبير آخر حرب اقتصادية غير معلنة، ستتضرر منها اقتصاديات الدول الحليفة بالمقام الأول، ثم تأتي من ورائها دول التبعية والعمالة، وكل من كان يقتات من الدّون الأمريكي.

قرارات أو لنقل مقامات ترامب تنوّعت بين الدعوة والأمر لعل أغربها، أن تكون كندا الولاية الواحدة والخمسين التابعة للولايات المتحدة الأمريكية، وأن تتنازل الدانمارك على جزيرة غريلاند Greenland، - الجزيرة الخضراء - وهي أكبر جزيرة في العالم، وأن تكون بنما بلدا وقناة تحت السلطة الأمريكية، وأن تدفع ألمانيا واليابان لأمريكا لقاء تواجد القوات الأمريكية بالبلدين.

ردود الفعل التي صدرت من كندا والمكسيك بالمعاملة بالمثل، ما جعل الإدارة الأمريكية تتراجع عن بدء تنفيذ قراراتها لمدّة شهر، فسحا لمجال مفاوضات قد يغنم منها الأمريكيون ما لم يغنموه من فرض ضرائب مشطّة على سلع الدول الأخرى، أمّا الصين الشعبية وهي أولى المستهدفين من قرارات ترامب، فقد سارعت الى فرض ضرائب مماثلة على النفط والغاز والفحم الحجري الأمريكي والمركبات والآلات الزراعية والشاحنات الصغيرة، ولا اعتقد أن التجاذبات الأمريكية الصينية ستقف عند هذه الحدود من المعاملات، وقد تخرج هذه الأمور عن السيطرة، ليتطوّر الصراع دراماتيكيا، ويتحوّل من خانته الاقتصادية، إلى الحرب والمواجهة العسكرية المباشرة.

أطماع (ترامب) تنوعت، وتراوحت بين ما يراه من زيادة حظوظ إسرائيل في البقاء – وهي بكل بساطة قاعدته العسكرية الكبرى في الشرق الأوسط -  بإيحاء منه، لتوسيع مساحتها الجغرافية، ليس إلى الضفة والقطاع كما يعتقد الكثيرون، بل إلى تحقيق مخطط إسرائيل الكبرى، الذي يسعى إليه الصهاينة في أمريكا وإسرائيل على حدّ سواء، وما الرئيس الأمريكي سوى أحد هؤلاء الذين حموا وشجعوا قادة الكيان الغاصب، على مواصلة اعتداءاتهم داخل فلسطين وخارجها، وما حصل في لبنان وسوريا سوى دليل على الصبغة العدوانية التي عُرِف بها الأمريكي والإسرائيلي.

حلم (ترامب) في أن تهيمن بلاده على جميع دول العالم، بهذا الأسلوب في الجباية المشطة، سوف لن تتوقف، إلا إذا وقفت جميع الدول المتضررة من قراراته موقفا واحدا، ومعالجة شططه بشطط مثله، تتخذه كل دولة منها مقابل تنمّراته القبيحة، المتمثلة في الكسب الإستغلالي الرخيص، فيما يتغافل العالم عن قيمة الدولار الأمريكي، الذي فقد حقيقة قيمته، ولم يعد يساوي سوى تكلفة طباعته - التي لا تزال متواصلة دون انقطاع فيما يبدو- لولا هيمنة الإدارة الامريكية على العالم، وفرض بقاء الدولار عملة عالمية التداول في شتى قطاعات الاقتصاد.

خضوع دول العمالة والتبعية كان متوقعا ومنتظرا، وهي التي تعوّدت منذ أن تأسست على ذلك النمط من الطاعة العمياء، وكلّ من فرّط في مصالح بلاده بذلك الشكل السيّء، يسهل عليه الاستجابة لطلب من نصّب نفسه حاميا له، دون أن يكون هناك موجب لذلك، ونحن نرى اليوم دول العالم مصنّفة إلى صنفين: دول تعيش بكامل حرّيتها وكرامتها، بفضل ثقافة شعوبها الأصيلة التي ناضلت من قبل، من أجل أن تتبوأ مكانة محترمة بين دول العالم، ودولٌ رضيت بأن تكون مسلوبة الإرادة، محكومة من قوى خارجية لا تريد لشعوبها الخير.

ويأتي إعلان (ترامب) الإنسحاب من (الأونروا)، زيادة في الضغط على الفلسطينيين، وإضعاف إرادتهم في الدفاع عن حقوقهم، والتخلي عنها بما من شأنه، أن يضعف شعبية حماس بين عموم الفلسطينيين، وهو أسلوب حقير اتخذه من أجل تنفيذ مخطط صهيوني، يهدف إلى ترحيل أهل قطاع غزة إلى مصر والأردن، اللتين عبّرتا عن رفضهما المقترح، لكن إلى أيّ مدى سيصمدان، ولا قدرة لهما على إتخاذ مواقف معارضة والصمود فيها، وهما البلدان اللذان يتمتّعان بمساعدات أمريكية سنوية، وعلى ايّة حال فإنّ الإرادة الفلسطينية ستكون الحاسمة في ملف الترحيل  مهما كان قسريّا.

السؤال المطروح بعد كل هذه المقامات التي تفتقت بها قريحة ترامب، ورضيت بها إدارته: أيّ كسب سيحققه من كل هذه التطلّعات والأماني؟ لا أعتقد أن الرئيس الأمريكي سيحقق شيئا منها، باستثناء الدول الخاضعة له، وهي التي لا تردّ له طلبا، مهما كان غير منطقي، بينما بدأت ردود أفعال الدول ذات الكرامة، معبّرة عن رفضها القاطع الإستجابة لهوس رجل، عبّر عن حمق لا مثيل له، وهو حمق يجب معالجته بالردع، حتى لا يعود إلى مثله مرة أخرى، فمن القادر اليوم على ردعه؟


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


محمد الرصافي المقداد
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2025/02/05



كتابة تعليق لموضوع : من يداوي حمق ترامب؟
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net