المعارضة التي نعنيها هي الرفض للنظام ومظاهر الحياة السائدة في القرن الرابع الهجري. ودوافع الرفض عند الشريف الرضي كثيرة ومتعددة تعاون على تعميقها في وجدانه وآثاره الشعرية ما شهده هذا القرن من فشل مرير في البنية السياسية والاجتماعية، واضطراب شديد للأمن وصراع دموي على السلطة بين الأسرة البويهية الحاكمة ومحاصرة ظالمة للعرب حملة الرسالة الإسلامية وأصحاب الإرث المشروع في الدولة العربية التي بدأت تصدعها أحقادُ الشعوبية، ووقوع العامة تحت وطأة متناغيات جند الديلم والأتراك واللصوص وأتون الكوارث الطبيعية والفيضانات والأوبئة والمجاعات واتساع طبقة المكدين والمتسولين في أرجاء البلاد.. وحين تلتقي هذه الصور المؤلمة في هموم الشريف الرضي الذي وضعته زعامته الدينية والسياسية وانتماؤه العربي الهاشمي العلوي في قمة الأحداث، نلتمس عمق دوافعه للرفض والمعارضة، فقد تطلعت إليه العامة، ومنهم العلماء والمثقفون، واستجار به الطالبيون، وقدح في ضميره نداء العرب لدرء الغرباء.. ومن هذه البواعث، نزوغ الشاعر إلى الثورة وتطلعه إلى المراكز المتقدمة إلى قيادة المجتمع، ومن قناعته بشرعية إرثه الزعامة، تكاملت عدة أسباب الرفض، فعبر عنها بشجاعة في معظم قصائد ديوانه الضخم.
وقد ذهب البعض إلى أن المعارضة التي صدرت عن الشريف الرضي لا تدخل في باب المعارضة المبنية على أساس الاستجابة لمعاناة الشعب، بل تنسب إلى طموح الرضي الذاتي إلى الحكم في سياق الصراع السياسي بين العلويين وخصومهم، وتؤول قصائده في الشكوى والتذمر وذم الزمان إلى همومه الذاتية، وهموم أسرته من الجور الذي تعرضوا له أو من ردود الفعل على الأحداث غير المؤاتية لخواطره ونزعاته الشخصية؛ وان هذا التفكير الساذج لمعارضة الشريف الرضي لا يمكن قبوله بأية حال من الأحوال، فهو نقيب الطالبين عامة، وسليل بيت النبوة الكريم، ووجيه العرب المضطهدين من الأعاجم، والناظر في مظالم الناس، والعارف بأحوال الفقهاء والمثقفين، فهل يغفل أن يفصل بينه وبين هؤلاء جميعاً؟ وهل يكون من تقف وراءه هذه الملايين من الشعب بعيداً عن الأمم وأمانيهم لتكون شكواه معارضة ذاتية بحتة؟ أليس هو القائد الذي يعتد باتباعه ويعرف قوته بهم حين يذكرهم في معرض رثائه لوالدته بقوله:ـ
لوكان يدفع ذا الحمام بقوة * لتكدسن عصب وراء لوائي
إذ لايكون الشريف الرضي إلا معارضاً ينطق بلسان المجتمع ولا يكون شعره إلا أدباً رافضاً يلتزم قيم الشعب وأهدافه.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat