صفحة الكاتب : حميد الحريزي

فساد الحكّام وضياع الأنسان ومعاناة المرأة في رواية فاليوم 10
حميد الحريزي

عنوان الرواية  يؤشر للمتلقي انَّه سوف يدخل عالم مأزوم  يعاني من التشوش والأرباك والخلل النفسي وفق أعلى مستوياته ، فالفاليوم 10 هي جرعة عالية من العقار المهديءقبله فاليوم 5 وفاليوم 2 ? فالزيدي يأخذنا عبر25 لوحة بانورامية أستعراضية وبواقع 224 صفحة من الحجم المتوسط من السرد بضمير الأنا  الكلي العلم  وبعددكبيرمن الشخصيات الروائية  كان قطبها الشاب العراقي(سلام الوافي) الذي تقيأ الواقع كما الواقع وضعه على الهامش ، وعبر زمن امتد لما يقارب الخمسة أشهر أبتداء من 10-6-2014 ولغاية 22-11-2014 ليعرض لنا واقع المجتمع العراقي بعد الاحتلال الامريكي للعراق ((ذهب الرفاق القدامى سائرين الى حتوفهم ، وجاء الحجاج والسادة والشيوخ ليحكموا وفق ارادة الله المقدسة كما يزعمون …)ر ص120وبالتحديد بعد سقوط مدينة الموصل بيد الدواعش وهزيمة الجيش العراق المذلة وأنعكاسات هذه الهزيمة على سلوك وحياة الضباط والجنود العراقيين الشرفاء  جسمها لنا الروائي ممثلة بشقيقه العقيد غسان أبو محمد الذي فقد النطق والسمع فأصيب بالصم والبكم بعد الهزيمة وسماعه لخطاب الرئيس وخطاب الخليفة الداعشي  وقد أنهى حياته منتحرا ضمن مجموعة (كفى)  وهي منظمة سرية عراقية تدعو الى خلاص الفرد العراقي من المعاناة عبر الأنتحار الأختياري وفق حفل شعائري خاص كانت له جذور وأمتدادات مع قوى داخلية وخارجية خفيه  وهي دعوة للتمرد السلبي للأنسان العراقي وأشعاره بالعجز عن مقاومة قوى التجهيل والأفساد والخراب وبالتالي الأنتحارهذه طريقة القتل البايولوجي للأنسان الحر العراقي ، بينما  هناك دعوة الى (المثلية الجنسية) التي يقودها  توفي أوهاتف الصراف الفرنسي من أصل عراقي  المأبون  والشاذ  في محاولة أخرى لقتل الأنسان العراقي عبر الشذوذ الجنسي وهو أحد وكلاء ((جوو) الفرنسيةحيث تعمل هذه الوكالة على أنتاج الأفلام الوثائقية عن البلدان التي تشهد أزمات وتوترات محلية ، الصراف ((كان من أشد المدافعين عن حقوق المثليين المسلوبة في العالم العربي، كان يكثر من الحديث عن معنى الحرية الشخصية للجسد…))رص51 وحينما سأل سلام الوافي  أبو العوف عن هاتف الصراف أجابه ((ههههه بلاع من جوه ..يخرط اللباس بسرعة ))رص19…

ارامل الحرب

نوع أخر من البشر يوفر لليائسين والمنبوذين والخائفين حبوب الخدرويؤمن لهم تفعيل شعارالنوم حلا عبرحبوب التخدير والهلوسة  بمختلف الماركات والجرعات  حيث برع بها  ((ابو العوف))  أبن أشهر قحبة وقوادة في بغداد  كما يقول هو الذي لايعرف هو أبن من ؟؟ ابن عراقي او مصري او باكستاني  اوهندي أو … وكما يقولعن أمه العاهرة ((هذا عادي جدا حالها حال الكثيرات من أرامل الحرب …خاصة في سني حرب أيران عندما غاب العراقيون في الجبهات)) رص 162 البائع الاشهرلهذه الحبوب في الباب الشرقي.

((ايوب الأبتر)) اللواط والاختصاص في اقتناص الصبيان  والتغرير بهم واسقاطهم وسلوكهم على طريق اللواطه والشذوذ الجنسي  أحدهم  ((هاتف الصراف )) الملقب توفي .

ناهيك عن عصابات النشل والسرقة والتسليب والقوادة وباعة السلع المغشوشة … هذا حال قاع المجتمع العراقي من المهمشين  والمقموعين والمشردين  كما يضعه أمامنا الشاب الشاعر والمثقف ((سلام الوافي))، في حين تنشغل السلطات وهي جمع من السراق والعملاء واللصوص أمثال دكتور ناعم وهاتف الصراف المتسترين بستار الدين  المنهمكين بسرقة أموال الشعب العراقي وثرواته وخدم قوى الأستعمار وذيوله في المنطقة ، فرحين  مسرروين  بكل خطوة يخطوها  العراق للأنزلاق نحو الرذيلة واليأس والصعلكة والتشرد والأدمان على المخدرات التي تدخل بوسطتهم وبرعايتهم وحمايتهم

هناك الكثير مما يجب التوقف عنده في متن هذه الرواية الرائعة للمبدع الزيدي  ولكننا  سنتوقف مع نماذج من نساء الرواية لالقاء الضوء على معاناة المرأة العراقية من أثر الحروب والمآسي التي عانتها من ممارسات الحكام الديكتاتوريين ومن الحكام الفاسدين ماقبل  الاحتلال  ومابعده …

*((أم أبو العوف )) المرأة العراقية ارملة أحد جنود صدام حسين الذي خطفته الحرب العراقية الأيرانية ، هذه المرأة التي اضطرتها الحياة القاسية  وفقدان الزوج الى سلوك طريق الرذيلة  يقول عنها  ولدها ابو العوف (( تصور تزوجت حتى واحد باكستاني ثم عافته لتلحقه بواحد هندي تتطاير منه رائحة التوابل الهندية وربما لي أخوة في كل أرجاء العالم من دون علمي … تصور سلام كل رجل يقابلني في الباب الشرجي أشك أنَّه أبي ، نام معها كل جنود الجبهات في أيام الحروب بالمجان وبمجهود حربي.. ربما كان أحدهم أبي الملعون … هي الآن عمياء تكفر عن ذنوبها القومية والعالمية بالصلاة المستمرة ))ص163.

ماذا يمكن أن يقول المرء حول هذه الحالة للعشرات من النساء العراقيات ؟؟وماذا يمكن أن يقول حول الوضع النفسي والسلوكي لمثل أبو العوف ومن شاكله ؟؟

*(سليمه حنضل) الأمرأة العراقية البغدادية المندائية باذخة الجمال ، التي أضطرت الى الهرب من العراق للحفاظ على شرفها وعفتها على أثر مطاردتها وتهديدها حتى بالقتل من قبل أحد ضباط المخابرات السلطوية ،وأختطاف زوجها وتغييبه في متاهاتها وسجونها الرهيبة ، تزيت بزي الأسلام خلال معيشتها في قطر  وهي حامل  بابنتها سالي التي ولدتها في كندا بعد استقرارها في هذا البلد الذي احتضنها ووفر لها السلام والأمان  والكرامة …

انسانية الفرد

أضطرت سليمة ان تترك ولدها ((أصيل يوسف)) عند احد الجيران  عند هربها  وقد سجل بأسم ((يوسف عبد الحميد )) وهو الشخص المسلم الذي تبناه ونسبه لنفسه ، هنا أشارة الى  انسانية الفرد العراقي وحنوبعض على بعض للخلاص من قمع السلطات وعدوانيتها  وهمجيتها ، تذكرني قصة (سليمة حنضل) بقصة حياة ((أمينة)) العراقية البغدادية  في رواية الأرملة للروائية العراقية أعتقال الطائي ، التي أضطرت على الهرب من العراق بعد أختطاف وتغييب حبيبها من قبل  أحد رجال السلطة والسعي للايقاع بها  وضمها الى رعيل عاهراته وعشيقاته …

تكرار هذه الأحداث في الرواية العراقية  دلالة على حجم الأذى والأرهاب وأمتهان جسد وحياة وكرامة المرأة العراقية في زمن الديكتاتورية والدم قراطية … وليس هناك أبلغ من شاهد أقدام الديكتاتور على تطليق بنت الشابندر((أم علي)) من زوجها  وزواجها منه وهذا حدث معروف  لكل العراقيين ناهيك عن أفعال ولده المجرم عدي وبطانته من المجرميين وملاحقة الفتيات العراقيات  وأختطافهن من بيوتهن ومن أزواجهن علنا دون أي وازع من  قيم انسانية …

*(الخالة هزيمة )) وهي أسم على مسمى في بلدان الطغاة والجهلة ، انَّها خالة سلام الوافي الأمرأة الواعية للأنظمة  المجرمة  والتي خبرت الحياة  وأمتلكت الخبرة والحكمة  والحياة في مثل هكذا بلدان وتحت ظل مثل هذه الأنظمة المأزومة ، الأمرأة التي كانت تلهج بلعن وشتم وسب هذه  الرؤساء والحكام (( كانت تكره الرؤساء قاطبة ، في أثناء الصلاة كانت تطيل الدعاء المخيف عليهم ، كل رئيس يأتي يقتل شر قتله أو يسحل في الحبال أو يشنق أو ينزوي كجرذ …))ص43

هزيمة التي ((ماتت قبيل سقوط مدينة الموصل كقطة مهروسة على الطريق العام ،أذ داست عليها كل مركبات الكون الطويلة ، أضلاعها ناتئة ووشمها الأزرق على وجهها الرمادي كخريطة دجحخهع6543ممزقة للوطن بجغرافيته القلقة )) رص43

حيث وصفها سلام الوافي (( خالتي المرحومة هزيمة تشبه باذنجانة الحصار الأقتصادي )) ص42.

 هزيمة نموذج لأغلب الأمهات والأخوات والزوجات والخالات  والعمات والجدات العراقيات اللواتي لاحيل لهن الا الدعاء وتوسل الخالق لهلاك الحكام والسلاطين والرؤساءبسبب ما سببوه من مجاعات وحروب وأرهاب وقتل وتعذيب أفقدهن أحبائهن سواء بالتشريد أو الهجرة أو السجون  أو الجنون والأنحراف .

*نادية الحلي  – الشابة العراقية المدللة بنت الجنرال العسكري المحال على التقاعد بسبب التخاذل  في الحرب العراقية على الكويت ، هذه الشابة التى  أرسلت من العراق لتكون زوجة لسلام الوافي  في مهجره في كندا هذا امر اصبح شبه شائع وعادي  بالنسية للعراقيين المهاجرين الى الدول الغربية  أذ يصعب عليهم

الانسجام مع  ثقافة الفتيات الغربيات  وعدم قدرتهم التخلص من ثقافتهم الشرقية  فكانوا يطلبون من ذويهم أختيار فتيات  عراقيات للأقتران بهن  في مهجرهم ، للأسف الكثير من هذه الزيجات كانت تؤول للفشل بسبب الشد النفسي وتغير طبيعة الحياة بالنسبة للطرفين لم يرزق سلام  بمولود فولد ((سراج)) الولد الوحيد عن طريقة الأنابيب وزرع الجنين في رحم  نادية ، وهي دلالة الى صعوبة التآلف والأنسجام بين الطبقة الأرستقراطية العراقية والطبقة  الوسطى العراقية  ومن الصعوبة ان تكون هذه العلاقة منتجة بشكل طبيعي دون تداخل (جراحي).

أخيرا تعود نادية الى العراق  مسكن عائلتها في الحلة  لتترك سلام يعيش وحشته في صقيع كندا .

يتحدث  الروائي حول التغيرات المأساوية للغجريات وللغجر عموما بعد الأحتلال الأمريكي للعراق حيث أصبحوا هدفا لأذى وتذمر وحتى القتل من قبل قوى أسلاموية متطرفة ، فشردوا من  مساكنهم الأصلية ليسكنواعلى أطراف مدينة بغداد  وأمتهنت نساؤهم  التسول في تقاطعات الطرق والساحات بدلا من مهنتهن الأولى في الرقص والغناء والطرب …

تمكن الروائي من الغوص في ثقافة وواقع قاع المجتمع العراقي ومعاناته وأزماته ، هذا الواقع المسكوت عنه والمستتر خلف بريق العمارات الشاهقة والمولات البراقة والسيارات الفارهة والكثير من المظاهرة الخادعة، كما وثق  اللغة الشعبية مصنعة المفاهيم والمصطلحات المعبرة عن الظواهر السائدة في هذا الوسط والتي لايفقهها من هو خارج الوسط  مثل ((اشطح ، افلت ، اكلب ، بلاع …الخ)) …تمكن الروائي من كشف زيف رموز السلطة وتمزيق أقنعة التزييف والقردنة والثعلبة  المستترة تحت أردية الدين والمقدس ومثاله الدكتور ((ناعم))  و الشاذ((توفي هاتف الصراف)) وغيرهم .مماثلة الوضع العراقي بحال وواقع بلدان أخرى تعيش نفس المأساة مثل الصومال  حينما يشير الى صديقه ((جاد الله)) المواطن الصومالي المهاجر الى كندا الذي يرفع شعار النوم هو الحل من خلال  تعاطيه للمخدرات .

لم يتبع الروائي أسلوب السرد التقليدي وانما أتبع اسلوب اللوحات المتنوعة المتقطعة  مع انَّه ربط بعضها ببعض بخيوط المضمون السردي  بحيث مكن المتلقي من متابعة الحدث على شاشة الواقع …

تمكن من جعل المكان يعطي خصوصيته للأشخاص والأحداث مثل الباب الشرقي والبتاوين ومنطقة الغجر ومطعم حيدر دبل  والمنطقة الخضراء ومابين هذه المناطق من تواشج أو أنشطار وتصادم  وتضاد بين الفقر المدقع والثراء الباذخ ، بين توفر الخدمات بكل أنواعها وبين الأهمال الكامل …

كشف زيف الطبقة ((الاقطوازية)) الحاكمة كونها شلة من اللصوص والسراق  والتابعين لقوى أقليمية وعالمية لاتربطها بالوطن والوطنية اية رابط …

بشكل عام أستطاع الروائي أنْ يلاحق ببصيرة واعية  التحولات  الدراماتيكية في بنية المجتمع العراقي بعد الأحتلال الامريكي وبعد سقوط الموصل ، وبذلك أنتج  وخلق رواية ناجحة ، كون الرواية هي وسيلة سرد وتتبع التحولات في المجتمعات .


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


حميد الحريزي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2023/01/31



كتابة تعليق لموضوع : فساد الحكّام وضياع الأنسان ومعاناة المرأة في رواية فاليوم 10
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net