صفحة الكاتب : الشيخ معتصم السيد أحمد

هل المثلية الجنسية خارجة عن اختيار الإنسان؟
الشيخ معتصم السيد أحمد

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

يتحدّثُ دعاةُ العلمانيّةِ عن أنَّ المثليّةَ الجنسيّةَ ليسَت اختياراً؟ هل هيَ كذلك؟ وماذا يترتّبُ على الجواب؟ هل يمكنُ تعديلُ الميولِ إذا كانَت فيزيولوجيّةً ومخلوقةً معَ الإنسان؟ 

الجوابُ من سماحة الشيخ معتصم السيد أحمد:
 يُمارسُ الخطابُ العلمانيُّ والإلحاديُّ الكذبَ بنيّةِ تخريبِ النّظمِ الأخلاقيّةِ للمُجتمعات، حيثُ يتلاعبُ بالحقائقِ العلميّةِ ويُضخّمُ افتراضاتٍ ما زالَت في مرحلةِ البحثِ والتحقيق، كما يحرّفُ العلومَ لتحقيقِ أهدافِه الخاصّة، ويستخدمُ التشويشَ والخداعَ لإخفاءِ الحقائقِ العلميّةِ الواضحة.  

 لذا، لا يُعَدُّ الإلحادُ موثوقاً في تعريفِنا بمُنجزاتِ العلومِ الحديثة، نظراً لأنّه لا يعتبرُ القيمَ الأخلاقيّةَ مُحدّداتٍ أساسيّةً للسلوكِ الإنساني، وبالتالي يمكنُ أن يستخدمَ منجزاتِ العلومِ في تعكيرِ صفوِ القيمِ الأخلاقيّة. 

 يعملُ الإلحادُ على تغييرِ النظرةِ السائدةِ لدى البشرِ حولَ الشذوذِ الجنسي، والذي يعتبرُ عندَ الجميعِ انحرافاً عن الطبيعةِ الإنسانيّة، والأمرُ المؤكّدُ أنَّ الشذوذَ الجنسيَّ يُمثّلُ انحرافاً عن السلوكِ الإنسانيّ الطبيعيّ، ولذا فإنَّ الإلحادَ يحاولُ تبريرَ هذه الممارسةِ المُنحرفةِ حتّى لو تطلّبَ ذلكَ التضحيةَ بحُرّيّةِ الإنسانِ في اختياراتِه.

 فإنَّ الزعمَ بأنَّ الشذوذَ الجنسيَّ يعودُ إلى جيناتٍ وراثيّةٍ يعني أنَّ الشخصَ يمارسُه بشكلٍ غيرِ إراديّ ولا يمكنُه التحكّمُ فيه، وهذا يُشكّلُ صورةً سلبيّةً للإنسانِ، حيثُ يتمُّ مصادرةُ حُرّيّتِه وتقييدِه في اختياراتِه.

 ومنَ الغريبِ أنَّ الإلحادَ لا يستندُ إلى أيّ حقائقَ علميّةٍ مُؤكّدةٍ في هذا الشأن، بل يعتمدُ على افتراضاتٍ لا يمكنُ الوثوقُ بها.

 وكمثالٍ على ذلكَ، فإنَّ عالِمَ الوراثةِ الأميركيَّ الشهير دين هامر، الذي يدعمُ المثليّةَ الجنسيّة، نفى أن يكونَ هناكَ جينٌ يتحكّمُ في المثليّةِ الجنسيّة، وأكّدَ أنَّ أيَّ محاولةٍ لإثباتِ وجودِ جينٍ كهذا هيَ محاولةٌ عبثيّةٌ، أو كما عبّرَ جون غريلي بقوله: لا يمكنُ ربطُ عواملَ كيميائيّةٍ بسلوكٍ مُعيّنٍ بشكلٍ ميكانيكيّ، فالارتباطُ لا يعني السببيّةَ.  

 كما أجرى فريقٌ منَ الباحثينَ في جامعةِ "نورث ويستيرن" الأميركيّةِ دراسةً علميّةً في عام 2014 شملَت فحصَ الحمضِ النوويّ لـ400 ذكراً منَ المثليّينَ الجنسيّين، ولم يتمكَّن الباحثونَ منَ العثورِ على جينٍ واحدٍ يمكنُ أن يكونَ مسؤولاً عن توجّهاتِهم الجنسيّة!

 وعلى الرّغمِ مِن أنَّ بعضَ الأبحاثِ تشيرُ إلى أنَّ الجيناتِ قد تؤثّرُ على بعضِ الميولِ السلوكيّة، إلّا أنَّ السلوكَ الإنسانيَّ يبقى رهيناً لإرادةِ الإنسانِ واختياراتِه التي تُمليها عليهِ قيمُه الأخلاقيّة.  

 وعليهِ، فإنّه لا يمكنُ تفسيرُ السلوكِ الإنسانيّ بشكلٍ كاملٍ اعتماداً على الدوافعِ البيولوجيّة فقط، بل يتطلّبُ الأمرُ أيضاً النظرَ في الإرادةِ والاختياراتِ التي يقومُ بها الإنسانُ بناءً على قيمهِ الأخلاقيّة. 

 يقولُ أستاذُ الدراساتِ العائليّة بجامعةِ نبراسكا "دوغلاس أبوت" إنَّ الزعمَ بوجودِ جينٍ يتحكّمُ في سلوكِ الإنسانِ هوَ مُبالغةٌ يصدّقُها البسطاءُ منَ الناس.

وبالتالي، حتّى إذا افترَضنا أنَّ وجودَ جينٍ مُعيّنٍ يؤثّرُ على السلوكِ الجنسي، فلا يمكنُ اعتبارُه مسؤولاً بشكلٍ تلقائيّ عن الشذوذِ الجنسي، حيثُ يبقى الإنسانُ حرّاً في اختياراتِه وأفعالِه، ويعتمدُ سلوكُه على عدّةِ عواملَ مُختلفةٍ، بما في ذلكَ القيم الأخلاقيّة والمُجتمعيّة والثقافيّة التي ينتمي إليها، بالإضافةِ إلى إرادتِه الحُرّةِ والتحكّمِ في نفسِه. وعلى هذا، يتميّزُ الإنسانُ عن الحيواناتِ الأخرى بقدرتِه على التحكّمِ في نفسِه وعدمِ الاستجابةِ العمياءِ للحوافزِ البيولوجيّة، ومنَ الواضحِ أنَّ أيَّ محاولةٍ لتجاهلِ الإرادةِ الإنسانيّة سيؤدّي إلى آثارٍ سلبيّةٍ كبيرةٍ على مُستوى الهويّةِ الإنسانيّةِ والمُجتمعيّة.

 وينطبقُ ذلكَ حتّى على الحوافزِ البسيطةِ مثلَ الجوع، فعلى الرغمِ مِن أنَّ الإنسانَ يشعرُ بالجوعِ بصورةٍ غيرِ إراديّة، فإنّه لا يمكنُه الاعتمادُ على هذا الحافزِ وحدهِ في اتّخاذِ قراراتِه، وإنّما يجبُ عليه أن يتّبعَ قيماً ومبادئَ أخلاقيّةً لتحديدِ سلوكِه.

 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


الشيخ معتصم السيد أحمد
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2023/05/07



كتابة تعليق لموضوع : هل المثلية الجنسية خارجة عن اختيار الإنسان؟
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net