اسس اصطفاء الافراد والجماعات في القرآن الكريم الحلقة الثامنة
السيد عبد الستار الجابري
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
السيد عبد الستار الجابري
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
اصطفاء آل محمد (عليهم السلام) الخصائص والادوار
نص القرآن الكريم على ان السنن الإجتماعية جارية في امة النبي محمد (صلى الله عليه واله) كجريانها في الأمم السابقة، وهذه المسألة جديرة بالبحث للوقوف على أهمية فهم طبيعة المجتمع البشري ودور تلك الطبيعة في رسم الأحداث، للوصول الى منظومة واقعية يعرف من خلالها مساحة ما اراده الله تعالى من التقدير ومدى حرية الإنسان في التأثير في تلك المساحة.
فعند النظر في اول واصغر مجتمع عددي وجد على الأرض وهم آدم (عليه السلام) وبنوه الذين شاء الله تعالى ان يكونوا اول موجود بشري يتحقق فيه خلافة الانسان في الارض
﴿واذ قال ربك للملائكة اني جاعل في الارض خليفة﴾
فعند التدقيق في واقع تلك الاسرة نجد انها مكونة من عدد محدود جداً من الأفراد، ابوهم اول من اصطفاه الله من البشر، والذي من كرامته على الله ان خلقه بيده ، ونفخ فيه من روحه وامر الملائكة بالسجود له، وطرد ابليس من ساحة رحمته لانه تكبر على آدم (عليه السلام) وعصى أمر ربه، والأم حواء (عليها السلام) رفيقة آدم (عليه السلام) في جنته ورفيقته في الأرض وام بنيه، فلما رزقا بقابيل وهابيل، وتقرر ان يقدم كل منهما قرباناً لربه، اثرت النزعة الشخصية والخلق الفردي في كيفية تعامل الرجلين مع ربهما فقدم هابيل خير ما عنده وقدم قابيل اسوء ما لديه، وكان ذلك كاشفاً عن مدى الحب الذي تعامل به ذينك العبدين مع ربهما فكان هابيل قد اخلص الحب لمولاه، بينما تعلق قلب قابيل بدنياه، فبين لهم الرب العظيم ان قبول القربان موقوف على اخلاص المحبة وتجريد القلب عن غير الله تبارك وتعالى:
﴿واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحق إذ قربا قرباناً فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر قال لأقتلنك قال إنما يتقبل الله من المتقين ֍ لئن بسطت إلي يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك إني أخاف الله رب العالمين ֍ إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك فتكون من أصحاب النار وذلك جزاء الظالمين ֍ فطوعت له نفسه قتل أخيه فقتله فأصبح من الخاسرين﴾
فلم ينفع مع قبح سريرة قابيل كونه ابن آدم صفوة الله ونبيه المجتبى وخليفته في الأرض، فكان منه ما كان بسبب حب ذاته واندفاعه وراء نزواته الشخصية.
ان هناك مسألة من الضروري ان يقف عندها من يتأمل آيات الله تعالى، وهي ان القرآن جاء مليئاً بالحكمة والعبر، فذكر قصة قابيل وهابيل ليست مجرد سرد لقصة تاريخية، وقعت في زمان آدم (عليه السلام) واراد القرآن ان يحكيها لنا، اذ هناك العديد من الأحداث وقعت عبر التاريخ مع كونها احداث تاريخية مهمة الا ان القرآن لم يشر اليها، الا ضمن العمومات المشيرة الى قانون اجتماعي او سنة كونية، فهذا يؤكد ان ما يرويه القرآن من القصص ويخبر به من احداث وقعت في ازمنة متقدمة انما يراد منه بيان وقائع يجب ان يتعض منها الانسان ويأخذ منها دروساً وعبرة، فالتاريخ يُخبر عنه لتُفهم احداثه ويُتعض به.
فمسألة قتل قابيل لهابيل ذكرها القرآن للاعتبار، وفيما يتعلق بالبحث الذي نحن بصدده، فان اسرة آدم (عليه السلام) مجتمع مصغر على رأسه نبي مصطفى من الله ومع هذا النبي مجتمع نشأ تحت كنفه ورعايته منذ ان انعقدت نطفة ابناء ذلك المجتمع وحتى ولدا وترعرعا ثم اصبحا في عمر يؤهلهما ان يتوجه اليه فيهما التكليف، فلما جاء وقت الاختبار وامرا بتقديم القربان للتقرب به الى الرب، كان احدهما قد اخلص لربه وانقطع اليه، فيما كان الآخر يعطي الاولوية لديناه واهتمامه بالعلاقة بربه كانت ثانوية، وفي الامتحان ظهرت المعادن وانكشفت السرائر فتقبل الله ممن اتقاه واخلص اليه، ولم يتقبل قربان من لم يخلص اليه، فلم يحتمل قابيل ان يكون اخاه اقرب الى الله منه، وبدلاً من ان يسعى لإصلاح ذاته انتقم من اخيه فقتله.
وعند التمعن في سورة يوسف (عليه السلام) نجد الامر نفسه قد حصل بين اولاد يعقوب الذين لم يتحملوا ان يكون يوسف (عليه السلام) الاقرب الى قلب ابيه، فبدلاً من ان يتخذوا ذلك القرب
طريقاً الى قلب ابيهم، قرروا ازاحة يوسف (عليه السلام) عن طريقهم، فادخلوا الهم والحزن على يعقوب (عليه السلام) وهو النبي الذي يؤمن ابناءه بنبوته، فهم في هذا كقابيل الذي اتبع هواه وعصى امر مولاه.
وعند التمعن في حياة موسى (عليه السلام) نرى ان بعض بني اسرائيل كان يسعى الى ان يكون موسى (عليه السلام) منساقاً وراء ميوله، كما في قصة قتل موسى (عليه السلام) للفرعوني
عبد الستار الجابري, [06/06/2023 11:42 م]
﴿ودخل المدينة على حين غفلة من أهلها فوجد فيها رجلين يقتتلان هذا من شيعته وهذا من عدوه فاستغاثه الذي من شيعته على الذي من عدوه فوكزه موسى فقضى عليه قال هذا من عمل الشيطان إنه عدو مضل مبين ֍ قال رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي فغفر له إنه هو الغفور الرحيم ֍ قال رب بما أنعمت علي فلن أكون ظهيرا للمجرمين ֍ فأصبح في المدينة خائفا يترقب فإذا الذي استنصره بالأمس يستصرخه قال له موسى إنك لغوي مبين ֍ فلما أن أراد أن يبطش بالذي هو عدو لهما قال يا موسى أتريد أن تقتلني كما قتلت نفسا بالأمس إن تريد إلا أن تكون جبارا في الأرض وما تريد أن تكون من المصلحين﴾
وطائفة من بني اسرائيل طلبت الى موسى (عليه السلام) ان يجعل لهم اصناماً ليعبدوها بعد ان مروا على قرية تعبد الاصنام، وآخرون عبدوا العجل، وآخرون قالوا له اذهب انت وربك فقاتلا انا ها هنا قاعدون، وبعض اتهموه فبرأه الله، وبعض كانوا يتآمرون عليه.
ولما ملك بنو اسرائيل واصبحت لهم دولة حكمهم الانبياء (عليهم السلام) ثم تطاولوا على الانبياء، فاصبح الانبياء رعية في الدولة، وتحكم طواغيت بنو اسرائيل حتى قتل يحيى (عليه السلام) بتحريض من بغي من بغايا بني اسرائيل، ولم يتورعوا من اتهام مريم (عليها السلام) وبهتها وهي التي حملت اليهم دليل طهرها ونقائها بما اجراه الله على يدها من كرامة عندما كلم عيسى (عليه السلام) القوم وهو في اوائل ساعات اشراق نوره في هذه الدنيا.
فمن هذا المجموع من القصص القرآني يتضح ان الارادة الالهية اقتضت ان تكون الدنيا دار بلاء واختبار، وان يعلم كل انسان قدر نفسه وموقعه الحقيقي في هذه الدنيا، وان من يتجاوز قدره يكون ضالاً مضلاً، وان المجتمع الذي يعاصر الانبياء لا يتمتع بالعصمة في القول ولا الفعل، اذ العصمة لأهلها، فمن الممكن جداً ان يقع من المجتمع الذي يعاصر الانبياء الهفوات والاخطاء التي تؤدي الى انحراف المجتمع فيُحرف الدين وتُغير الاحكام ويُحرف الكلم من مواضعه، وكل هذا قد حصل في المجتمعات التي عاصرت المجتمعات السابقة على اشراق نور النبوة المحمدية على صاحبها وآله الآف التحية والتسليم.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat