جمعتهما الصدفة كل منهما من بيئة مختلفة ومكان مختلف كان تجمعهم ارضاً مشتركة دائماً لكنهما لم يلتقيا ابدا لكل منهما طباع وتفكير مختلف ورؤية مختلفة تماماً عن الاخر وتكاد تجزم ان ينشأ بينهم اي توادد استحالة وهذا لاينفي وجود قاسم مشترك بينهم جعل طرفي القطبين يلتقيان عاش الطرفان تحت خيمة البيئة القاسية اكلت من تفكيرهم وجردتهم من التسلية الكثير للحد الذي جعلهم يصلون الى قناعة تامة بانه لاسبيل للنجاة من هذه الحياة ورغم انها جلدتهم بكل انواع السياط الا انهم اكتفوا العيش بين الاحياء لكن اموات يخوضون غمارها تسقيطاً لارقام ليس الا يؤدون ماعليهم من واجبات وينسون حقوق انفسهم عليهم ومن غيرهم. ومضت السنون ولم يخرجوا من دائرة كونهم اشبه بالانسان الآلي المبرمج مسبقاً والمشاعر والاحاسيس مبهمة في قاموسهم لان قلوبهم لاتنبض وفكرة ايجاد النصف الاخر يقينا بات لديهم انه كلام قد دُرج على اوراق الروايات ولايمكن له ان يندرج تحت اسم الواقعي ذات يوم. شاءت الاقدار و بومضة وقت بسيطة لاتساوي شيئا قبالة سنوات من الانتظار وبدون سابق انذار انقلبت تلك الموازين وبدات غيمة ذلك التشاؤم المرافق لهم بالانجلاء والانحسار واشرقت شمس الامل معلنة ولادة يوم جديد واخذت الحياة تنمو وتزهر من جديد لتضفي على لوحة العمر ملامح بالوان زاهية وبريقاً يبعث السرور في النفوس ويؤجج العواطف لينبض القلب نشاطاً في سابقة وقفت حائرة امامها علوم الطب فهل للموتى بعدٌ من حياة... كانت الثواني تقف مرتجفة في موعدها المقرر والاقدام تتجمد قلقاً ممزوج بفرح وقلبيهما حزمت امتعة الرحلة المجهولة الوجهة علها تصيب او تخيب بمجازفة بريئة تتوكأ على عكاز الامل لعل القادم فيه من الخير الكثير ويوضع حد للمعاناة القاسية المرافقة لهما كالخليل. تجردوا من كل شيء من الوقت ومن التفكير ومن كل شيء او حاجز يعيق او يعرقل ذلك اللقاء زرع كل منهما في قرارة نفسه بذرة من التفاؤل ومجال بسيط للخيبة لايكاد يذكر ولربما ضنّا بان الحياة ستجبر بخاطريهما وسينالان العوض مرارة الصبر واخذ كل منهما تبديل بيانات ولاداتهم معلنين بانها ستكون اليوم لان سيخلق شخصان جديدان في عالم وشخصيات جديدة ويودعوا اجسادهم الميتة ليكملوا بعض كاللحن جنباً الى جنب . وحينما حل اللقاء كانما لحضتها اختفى العالم عن بكرة ابيه واخذ يتاملها وتتأمله بلهفة واشتياق وكانها لم تكن اللحضة الاولى للقاء تعانقت ارواحهم قبل عناق الايادي وشعرت هي كما كان احساسه ان هذه الروح والهيئة والجسد والصوت جزء مهم من ماضي ليس ببعيد كان حجم الاحساس لايسعه مدى ولايحد بحدود صافحها واخذ الحديث معها ومنها ياخذ مداره وبدات بالبوح عن ما في جعبتها من تعاسة وشقاء قد جلدت ارواحهم واخذ يتأملها كانما عادت من رحلة طويلة واختلط حديثها معه بالدموع تارة وتتخلله ضحكات مسروقة لانه سيكون اخيرا بجنبها وستنتهي معاناتها تارة اخرى. ملئت عيناها ابتسامةً وبريقاً لانه اخذ يردد على مسامعها وهو ينظر لعينييها ( اين كنتِ عني طوال هذه السنين..لماذا تاخرتي كثيراً..) ( انا احتاجكِ اكثر من اي وقت مضى...) واخذ الكلام اكثر من الوقت المقرر له وبان له ما في حياتها كما اوضح هو لها حياته فتعاهدوا على ان يبقوا سوية ما تبقى من حياتهم واخذوا على انفسهم ميثاقاً ووعداً بانه لايفرقهم اي شيئاً اطلاقاً وان يضعوا اليد باليد ليجتازوا كل المشاكل ويجدوا لها حلاً وان تكون لغة الحوار واحترام الراي الاخر هي الحاضرة دوما كأي شخصين ناضجين ولتوضيح المغالطات وتقريب وجهات النظر واماطة اللثام عن الالتباسات التي قد تحدث. مرت الساعات بسرعة البرق فاوجزت بكلامها توديعاً وقلبها لايأبى ذلك فمسك يدها وسار معها متمتماً بعبارات كالنسمة حلت على قلبها وخاطبت روحها ورحلت مسرعة ولاترغب بالالتفات بخطوات سريعة وحملت ذلك الاحساس بين صدرها الذي لاتعلم ما تسميه وتركته رهينة الايام هي من تفسر محتواه. ويوم بعد اخر اصبحا لايحتملان الفراق ولو ساعة وحين اللقاء يود احدهما لو يحتضن الاخر لو لا الحياء.. يتحدثون كثيراً ويطمئن احدهما على الاخر بتقارير يومية منذ الصباح الباكر حتى المساء تجدها شاردة مبتسمة طول الوقت بغيابة وانشغاله لانها تفكر فيه ولاترى عالمها من دونه ابدا وفي داخلها رهبة من فقدانه فهي قد اعتادت ان لاشيء جميل بحياتها يكتمل.. وعلى غفلة من الامر برمته سمعت ضجيجاً وصوتاً للنوافذ تتلاعب بها الرياح فأستفاقت من سريرها على عاصفة هوجاء ملئت حجرتها بالغبار وادمعت عيناها لانها علمت انها كانت في رحلة كاذبة صدقت بها او حلماً واقعه ثواني ومحتواه سنوات طويلة وهو في الضفة الاخرى من الكرة الارضية يعيش حياته بتعاسة وعشق المكوث فيها وعادت الى خيبتها من جديد وحرصت على اغلاق النوافذ جيدا فالعواصف حين تهب لاتذر سوى التراب راضية بما نالته من حياتها وحمدت الله على نصيبها.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat