صفحة الكاتب : د . مصطفى يوسف اللداوي

حرائرُ فلسطين يستغثن الأمة فهل من معتصمٍ
د . مصطفى يوسف اللداوي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

مؤلمةٌ جداً تلك المشاهد التي سجلتها عدسات المصورين، وتناقلتها وسائل الإعلام المحلية والدولية، وانتشرت عبر وسائل التواصل الإجتماعي، للمرأة الفلسطينية التي تعرضت لاعتداءٍ صارخٍ ومُهينٍ من جنديٍ إسرائيلي لئيمٍ ومَهينٍ، في أحد أزقة مداخل المسجد الأقصى المبارك بمدينة القدس المحتلة، وقد ظهر الجندي وهو يركل السيدة الفلسطينية بقدمه بحقدٍ بادٍ ولؤمٍ لا يخفى، إذ واصل ركلها بعنفٍ مقصودٍ على مرأى ومسمعٍ من بقية الجنود والمارة في الزقاق من الفلسطينيين والمستوطنين على السواء، وقد حاول الفلسطينيون الدفاع عنها ورده ومنعه من الاعتداء عليها، في الوقت الذي وقف فيه المستوطنون يتفرجون عليها، يؤيدون الجندي ويشجعونه على النيل منها، وعدم الإصغاء إلى الداعين لوقف الاعتداء عليها وتركها لسبيلها ومواصلة طريقها.

كما آلمتنا مشاهد اعتقال سليلة عائلة البرغوثي المقاومة، وابنتها الثائرة السيدة حنان البرغوثي، الشامخة بكبريائها والعظيمة بثباتها، والقوية بصبرها، التي لم تخف من طوابير الجنود الذين التفوا حولها واقتربوا منها، ولا من الذين اقتحموا بيتها وحاولوا ترويعها، ومضت تمشي بينهم برأسٍ مرفوعٍ وقامةٍ منتصبةٍ وشموخٍ عالٍ، غير مباليةٍ بجموعهم التي تكالبت عليها ككلابٍ ضالةٍ وضباعٍ ضاريةٍ، تريد أن تنهشها وتنال منها، لكنها جبنت وخافت من ثباتها، وتراجعت أمام إقدامها، وخشيت من وقع أقدامها الواثقة ومن نظرات عيونها الثاقبة، وهي المقيدة اليدين المعصوبة العينين.

كما تؤلمنا كل يومٍ وتحز في نفوسنا وتدمي قلوبنا، قصص أخواتنا الخمس وثلاثين، الأسيرات في سجون العدو، اللاتي يعانين ويقاسين الويلات في المعتقلات الصهيونية، ويواجهن بأجسادهن الضعيفة سياسات بن غفير العنصرية وحكومته اليمينية، ويتحدين بصلابةٍ إرادة السجان، ويقفن كما الرجال في وجوههم، ويرفضن الإنصياع إلى أوامرهم، ويخضن مع إخوانهن الأسرى معارك الإضراب عن الطعام، ويصممن مهما كان الثمن على كسر إرادة العدو، وإجباره على التراجع عن قراراته، وإعادة الامتيازات التي سحبها منهن، والحقوق التي حرمهن منها، وهن اللاتي تركن وراءهن أسرهن وأطفالهن، وتخلين في سبيل وطنهن وشعبهن عن متع الدنيا ونعيم الحياة، وبعضهن حاملاتٌ ومرضعاتٌ، وأخرياتٌ يعانين من أمراض مستعصية ومشاكل صحية مزمنة، ويتعرضن للضرب والأذى، ويشتكين من القمع والبطش، ورغم ذلك فإنهن يقفن بجرأةٍ وبسالةٍ، صفاً واحداً متضامناتٍ في مواجهة سلطات الاحتلال.

ولا ننسى صور الجنود الإسرائيليين الذين أطلقوا كلابهم المفترسة على نسائنا، تنهشهن وتحاول عضهن وتمزيق ثيابهن، وأخرى تتكرر دائماً لجنودٍ آخرين يتهكمون عليهن ويحاولون التحرش بهن وإيذائهن، فضلاً عن عشرات النساء اللاتي قتلن برصاص جنود جيش الاحتلال على المعابر والحواجز الأمنية، وفي الطرقات والشوارع، بحجة الاشتباه بهن وادعاء أنهن يحملن أدواتٍ حادةً ويخططن للقيام بطعن الجنود والاعتداء عليهم، وممن قضين برصاص جنود الاحتلال سيداتٌ مسناتٌ وأُخرُ أمهاتٌ لأطفالٍ صغار، وشاباتٌ وطالبات مدارس، ممن يصادف مرروهن على الحواجز أو قريباً من الدوريات العسكرية.

تلك هي مشاهدٌ يوميةٌ تواجهها المرأة الفلسطينية وتعاني منها، وأخرى غيرها كثيرٌ مما يعجز القلم عن وصفها والإحاطة بها، فالعدو ينظر إلى المرأة الفلسطينية بكرهٍ وحقدٍ شديدين، ويتمنى قتلها قبل غيرها، فهو يرى أنها تربي الأجيال الفلسطينية وتنشئهم على حب فلسطين والتضحية في سبيلها، وترضع أطفالها حليب المقاومة والصمود والثبات والإباء، وهي تحرضهم على تنفيذ عملياتٍ عسكرية ضد الاحتلال ومستوطنيه، وتشرف على تدريبهم وتواكب عملهم وتجهزهم بسلاحهم، وتودعهم بلا ضعفٍ، وتستودعهم أمانتها بقين، وتفرح إذا وصلها نبأ استشهاد ابنها ولا تجزع، وتستقبل المهنئين بشهادته وتفرح، وترفع صوتها بالدعاء له والرضا عليه، وتشهد الله عز وجل أنها عنه راضية.

تصبر المرأة الفلسطينية على كل ما تواجه، ولا تشكو ولا تتأفف، ولا تضيق ذرعاً ولا تيأس، ولا تستسلم لعدوها ولا تخضع، ولا تبكي شهداءها ولا تجزع، بل تحتسب عند الله عز وجل كل ما تلاقي، وترتضيه في سبيل وطنها ومن أجل شعبها.

لكنها ترنو بعيونها إلى أمتها وتتطلع إليها، وتأمل منها وترجو أن تنصرها وشعبها، وأن تقف معها وأهلها، وأن تستجيب لها وتدافع عنها، وأن تساند قضيتها وتؤيد حقوقها، وألا تتركها وحدها في مواجهة هذا العدو الغاشم، الذي طغى عليهن وبغى، وقتل أولادهن واعتدى، وأساء إليهن وقسا.

فهل من ناصرٍ ينصرهن، أو معتصمٍ يغار عليهن، أو ثائرٍ يغضب لهن ويهب واقفاً لنجدتهن والثأر لهن، أو غيور تغلي الدماء في عروقه غيرةً عليهن وتضامناً معهن، أو قائدٍ يسمع صراخهن ويسير الجيوش كرامةً لهن، فإنهن والله يستحقن من الأمةٍ نصراً، وينتظرن منها غوثاً، ويأملن فيها خيراً.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . مصطفى يوسف اللداوي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2023/09/08



كتابة تعليق لموضوع : حرائرُ فلسطين يستغثن الأمة فهل من معتصمٍ
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net