صفحة الكاتب : د . شامل محسن هادي مباركه

تهجير الفلسطينيين؛ بين الحقيقة و الوهم
د . شامل محسن هادي مباركه

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 في عام ١٩٢٩، كتب الزعيم اليهودي الأوكراني فلاديمير جابوتنسكي كلمات أغنيته الشهيرة "ضفتان لهما نهر الأردن - هذا لنا وهذا أيضًا"، في إشارة إلى الضفة الشرقية لنهر الأردن. أستمد هذا الفكر من كتابهم المقدس، حيث يزعُم أن "أرض جلعاد" هي الأردن، وأنها جزء لا يتجزأ من "إسرائيل الكبرى".

من هذا المنطلق؛ أسست "الصهيونية التعديلية" أيديولوجية وعقيدة أخروية أعمق، متجذرة في التاريخ اليهودي، والتي تشكل المناخ السياسي الحالي في إسرائيل. ضمّ الكيان الصهيوني الغاصب  الضفة الغربية بحكم الأمر الواقع في ٢٠٢٠، والذي دفع قادة اليهود دعواتهم للتطهير العرقي بتهجير الفلسطينيين إلى الأردن.

عملت الحركة اليمينية المتطرفة الإسرائيلية "المسيانية"، المهيمنة حاليًا على المشهد السياسي، بعلى نشيط الرؤية الجغرافية والديموغرافية لرسم خرائط الصهيونية التعديلية. على سبيل المثال، في آذار ٢٠٢٣، عبّر وزير المالية الإسرائيلي، بتسلئيل سموتريش، وهو مستوطن من أصل أوكراني يقيم في مستوطنة غير قانونية في الضفة الغربية، عن هذه الرؤية. نفى وجود للشعب الفلسطيني أثناء وقوفه على منصة عرض خريطة تصور "إسرائيل الكبرى".

لم يبتعد سياسيو العراق عن أجواء التهجير، فقد نشرت صحيفة ميدل ايست آي مقالاً بعنوان "هل فقد بايدن السيطرة على نتنياهو؟"،  Has Biden lost control of Netanyahu, بتاريخ ٢٩ تشرين الاول ٢٠٢٣). يذكر  المقال: قبل عام من الآن، كان ثلاثة سياسيين سنة عراقيين من محافظة الأنبار موجودين في أحد الفنادق الفاخرة المطل على البحر الميت حيث كان المسؤولون الإسرائيليون يتوددون إليهم.
لم يكن الموضوع فلسطين بل الأنبار، أكبر محافظات العراق. ذكّر المضيفون ضيوفهم العراقيين بأن محافظتهم تساوي ثلث مساحة العراق تقريباً. يسترسل صاحب المقال: لدى الأنبار احتياطيات ضخمة من المياه غير المستغلة، والتي لم يكن لدى الإسرائيليين والأميركيين سوى الخبرة لاستغلالها. توقع الإسرائيليون أن تصبح الانبار سلة الغذاء للشرق الأوسط. لديها احتياطيات من البنزين والغاز لاستغلالها. يمكنهم أيضًا مساعدة الأنبار في استخراج الاحتياطيات المعدنية. الشيء الوحيد المفقود في الأنبار هو العدد الكافي من الناس لإدارة مثل هذه النهضة. ثم طرح الإسرائيليون السؤال الذي كان يدور حوله الاجتماع: "ماذا لو عرضنا عليكم ٢،٣ مليون فلسطيني؟" أضاف الجانب الإسرائيلي إنهم أيضا من السنة: "الفلسطينيون يعملون بجد، ولديهم نفس الثقافة مثلكم، وإلى جانب وجود المزيد من السنة في الأنبار، يمكن أن يساعد في ترجيح كفة الميزان السني الشيعي لصالحكم".

حرب غزة أماطت اللثام عن نوايا الكيان الصهيوني الغاصب في تهجير الفلسطينيين إلى دول العالم. 

نشرت صحيفة نيويورك تايمز مقالاً تحت عنوان "امحوا غزة": الحرب تطلق العنان للخطابات النارية في إسرائيل، ‘Erase Gaza’: War Unleashes Incendiary Rhetoric in Israel, بتاريخ ١٥ تشرين الثاني). يذكر المقال: قال رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو: “يجب أن تتذكر ما فعلته بنا العماليق، كما يقول كتابنا المقدس – نحن نتذكر”، في إشارة إلى العدو القديم لبني إسرائيل، في كتابهم المقدس. فسره السياسيون على أنه دعوة لإبادة “رجالهم وعائلاتهم، النساء والأطفال والرضع."

أسس قادة العدو الاسرائيلي لعقيدةٍ في حربهم القائمة مع الشعب الفلسطيني من عدسة كتابهم المقدس، ولتمكين اليمين المتطرف من حكومة رئيس كيان العدو الاسرائيلي بترويج هذه الإبادة عند المستوطنين اليهود، وتهجير المتبقين من الفلسطينيين.

في بيانها في مؤتمر "قمة المناخ" الذي أُقيم في دبي، باستخفاف واضح بعقول زعماء الدول الحاضرة، قالت نائبة الرئيس الأمريكي: "تحث امريكا إسرائيل على تقليل الضرر الذي يلحق بالمدنيين على أراضيها" وهي تبعث إلى الكيان الصهيوني الغاصب قذائف تزن الواحدة ٢،٠٠٠ رطل. كما نددت بتهجير قسري للفلسطينيين إلى مصر او الأردن أو دول أخرى. (راجع صحيفة نيويورك تايمز "هاريس تقول إن الولايات المتحدة تعارض بشدة الترحيل القسري للفلسطينيين من غزة”، Harris Says U.S. Strongly Opposes ‘Forced Relocation of Palestinians From Gaza’، في ٢ كانون الاول)

ملف التهجير له مقدمات كشفت عنه الصحف المهمة، فقد نشرت صحيفة واشنطن بوست مقالاً بعنوان "يندد القادة الغربيون بدعوات المسؤولين الإسرائيليين لهجرة الفلسطينيين من غزة"،  Western leaders decry Israeli officials’ calls for ، Palestinian emigration from Gaza، بتاريخ ٤ كانون الثاني. يذكر المقال: دعا وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريش ووزير الأمن القومي إيتامار بن جفير مؤخرا الفلسطينيين إلى الهجرة من غزة. قال سموتريش إن مثل هذه الهجرة يمكن أن تقلل من عدد "العرب في غزة". أضاف بن جفير إنها "يمكن أن تساعد في إنشاء مستوطنات لليهود بالقرب من غزة" 

هذا ما دفع امريكا والاتحاد الأوروبي إلى التنديد بهذه التصريحات. انتقد المسؤولون الأمريكيون والأوروبيون بشدة التصريحات التي أدلى بها مسؤولون إسرائيليون في الأيام الأخيرة والتي تقترح نقل الفلسطينيين من قطاع غزة الذي مزقته الحرب إلى خارج غزة. علّق جوزيب بوريل، كبير الدبلوماسيين في الاتحاد الأوروبي، على إن هذه التصريحات “التي تشوه سمعة السكان الفلسطينيين في غزة” هي “تحريضية وغير مسؤولة”.

كشفت صحيفة زي مان يسرائيل النقاب على سعي رئيس حكومة الكيان الصهيوني الغاصب، حيث قالت في مقالها: أن ائتلاف رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو يجري اتصالات سرية مع الكونغو لاستقبال آلاف المهاجرين من غزة، بالإضافة إلى دول أخرى. قال مصدر كبير في مجلس الوزراء الأمني المصغر إن “الكونغو ستكون مستعدة لاستقبال المهاجرين، ونحن نجري محادثات مع آخرين”.

يوم الاثنين من الأسبوع الماضي، قال نتنياهو خلال اجتماع لكتلة “الليكود” إنه يعمل على تسهيل الهجرة الطوعية لسكان غزة إلى دول أخرى.
أضاف “مشكلتنا تكمن في [ايجاد] دول على استعداد لاستيعاب سكان غزة، ونحن نعمل على ذلك”، والذي دفع فرنسا وألمانيا أنضمام صوتيهما إلى الإدانة الدولية المتزايدة بسبب فكرة “الهجرة الطوعية”.

كعادتها، نفت إسرائيل الهجرة القسرية لشعب فلسطين. (راجع مقال على صحيفة ذي تايمز أوف إسرائيل "تنفي إسرائيل أنها تجري محادثات مع دول أخرى بشأن استيعاب المهاجرين من غزة"، Israel denies it is talking to other countries about absorbing Gazan immigrants، بتاريخ ٤ كانون الثاني ٢٠٢٤)

مع كل ما تقدّم، نرى ولي عهد مملكة ال سعود يستقبل السيناتور الأمريكي الصهيوني ليندسي غراهام لاحياء ملف التطبيع. فقد نشرت صحيفة وول ستريت جورنال مقالاً بعنوان "الولايات المتحدة وشركاء الشرق الأوسط يبدأون محادثات بشأن الفصل التالي في غزة"، The United States and Middle East partners begin talks on the next chapter in Gaza، بتاريخ ٨ كانون الثاني ٢٠٢٤. يذكر المقال: زار السيناتور الأمريكي ليندسي إسرائيل والمملكة العربية السعودية في الأيام الأخيرة في محاولة لاستئناف المحادثات حول تطبيع العلاقات بين البلدين. 

بعد اجتماعه مع كبار المسؤولين الإسرائيليين الأسبوع الماضي، بما في ذلك نتنياهو، حاول غراهام معرفة ما إذا كان هناك إجماع حول استئناف المحادثات مع المملكة. قال: “أغادر هنا متفائلاً إلى حد ما”. 

يبدو أن دماء الالاف من الشعب الفلسطيني و نوايا الكيان الصهيوني الغاصب بتهجير مليوني فلسطيني لم ترّف جفن محمد بن سلمان، حتى يجلس مع السيناتور المتصهين لاحياء ملف التطبيع بين مملكة ال سعود والكيان الصهيوني الغاصب، ويحتاج شعب فلسطين كله إلى الموت عسى أن يُحي النَفَس العروبي عند ولي العهد.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . شامل محسن هادي مباركه
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2024/01/12



كتابة تعليق لموضوع : تهجير الفلسطينيين؛ بين الحقيقة و الوهم
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net