على ضفاف الانتظار(85)
الشيخ حسين عبد الرضا الاسدي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
الشيخ حسين عبد الرضا الاسدي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
مكة المكرمة إبّان الظهور
مكة المكرمة، مدينةٌ معروفةٌ، وفضلُها أشهرُ من نارٍ على علم، رويَ عن رسولِ الله - وكانَ واقِفًا بِالحَزوَرَةِ في سوقِ مَكَّةَ -: «واللهِ، إنَّكِ لَخَيرُ أرضِ اللهِ، وأحَبُّ أرضِ اللهِ إلَى اللهِ، ولَولا أنّي أُخرِجتُ مِنكِ ما خَرَجتُ» .
وعنِ الإمامِ الباقر: «النّائِمُ بِمَكَّةَ كَالمُتَهَجِّدِ فِي البُلدانِ» .
فيها مسقطُ رأسِ رسولِ الله وأميرِ المؤمنين والزهراءِ، وفيها نزلَ الوحيُ على رسولِ الله، ومنها بدأ الإسلامُ وانتشرَ إلى آفاقِ الدنيا، وتضمُّ الكثيرَ من الآثارِ الإسلاميةِ المهمة، وإنْ أزالتِ السلطاتُ الحاكمةُ بعضَها، مثل بيته وبيتِ خديجة (صلوات الله عليها)، وفيها مقبرةُ الحجونِ التي تضمُّ قبورَ جدِّه عبد المطلب وعمِّه أبي طالب وزوجتِه خديجة (رضوان الله عليهم) وغيرهم، وإليها يكونُ الحجّ، وفيها المسجدُ الحرام، وغيرُها من الأماكنِ الدّينيةِ والأثرية المعروفة.
وقد وردَ ذكرُها في الرواياتِ المهدويةِ في مواردَ عديدة:
المورد الأول: إنّه المكانُ الذي سيلجأ إليه الإمامُ المهدي بعد خروجِه من المدينة المنورة إثرَ قدومِ جيشِ السفياني إليها للقضاء عليه.
فقد ورد عن أبي جعفر: «... ويبعثُ السُفياني بعثًا إلى المدينة، فينفرُ المهديُّ منها إلى مكة...» .
المورد الثاني: إرسالُ النفسِ الزكية إلى المسجدِ الحرام في مكة المكرمة.
إنَّ مسجدَها الحرامَ هو المكانُ الذي سيُرسِلُ إليه الإمام المهدي أحدَ أصحابِه (وهو النفس الزكية)؛ لإلقاءِ الحُجّةِ على أهلِ مكة ودعوتهم إلى نصرته، وهو نفسه المكان الذي سيُقتَلُ النفس الزكية فيه.
فقد رويَ عن أبي جعفر أنَّه قال: «يَقُولُ اَلْقَائِمُلِأَصْحَابِهِ: يَا قَوْمِ، إِنَّ أَهْلَ مَكَّةَ لَا يُرِيدُونَنِي، وَلَكِنِّي مُرْسِلٌ إِلَيْهِمْ لِأَحْتَجَّ عَلَيْهِمْ بِمَا يَنْبَغِي لِمِثْلِي أَنْ يَحْتَجَّ عَلَيْهِمْ. فَيَدْعُو رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِهِ فَيَقُولُ لَهُ: اِمْضِ إِلَىٰ أَهْلِ مَكَّةَ، فَقُلْ: يَا أَهْلَ مَكَّةَ، أَنَا رَسُولُ فُلَانٍ إِلَيْكُمْ، وَهُوَ يَقُولُ لَكُمْ: إِنَّا أَهْلُ بَيْتِ اَلرَّحْمَةِ، وَمَعْدِنُ اَلرِّسَالَةِ وَاَلْخِلَافَةِ، وَنَحْنُ ذُرِّيَّةُ مُحَمَّدٍ، وَسُلَالَةُ اَلنَّبِيِّينَ، وَإِنَّا قَدْ ظُلِمْنَا وَاُضْطُهِدْنَا وَقُهِرْنَا وَاُبْتُزَّ مِنَّا حَقُّنَا مُنْذُ قُبِضَ نَبِيُّنَا إِلَىٰ يَوْمِنَا هَذَا، فَنَحْنُ نَسْتَنْصِرُكُمْ فَانْصُرُونَا. فَإِذَا تَكَلَّمَ هَذَا اَلْفَتَىٰ بِهَذَا اَلْكَلَامِ أَتَوْا إِلَيْهِ فَذَبَحُوهُ بَيْنَ اَلرُّكْنِ وَاَلمَقَامِ، وَهِيَ اَلنَّفْسُ اَلزَّكِيَّةُ...» .
المورد الثالث: إنّه المكانُ الأولُ للظهورِ الرسمي الأول للإمام المهدي.
حيثُ سيُسنِدُ ظهرَه إلى الكعبةِ المعظّمة ويُلقي خطابَه الأول هناك.
فقد رويَ عن الإمامِ الباقرِ: «والقائمُ يومئذٍ بمكة، قد أسندَ ظهرَه إلى البيتِ الحرام مُستجيرًا به، فيُنادي: يا أيُّها النّاس، إنّا نستنصرُ اللهَ فمن أجابَنا من الناسِ فإنّا أهلُ بيتِ نبيّكم محمدٍ، ونحنُ أولى الناسِ باللهِ وبمحمدٍ...»
المورد الرابع: البيعةُ للإمامِ المهدي في المسجدِ الحرام في مكة المكرمة.
وأولُ من سيُبايعُه هو جبرئيل.
فقد رويَ عن أبي عبد الله: «إنَّ أولَ مَنْ يُبايعُ القائم جبرئيل»
ورويَ عن الإمامِ الباقر في ضمنِ حديثِه عن الإمام المهدي وهو في مكة المكرمة: «فيجمعُ اللهُ عليه أصحابَه ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلًا، ويجمعُهم اللهُ له على غيرِ ميعادٍ قزعًا كقزعِ الخريف، وهي - يا جابر- الآيةُ التي ذكرَها اللهُ في كتابه: ﴿ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللهُ جَمِيعًا إِنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ ، فيبايعونه بين الركن والمقام...» .
وعن أبي جعفر: «يُبايعُ القائمُ بين الرُكنِ والمقامِ ثلاثمائةُ ونيف عدّة أهلِ بدر، فيهم النجباءُ من أهلِ مصر، والأبدالُ من أهلِ الشام، والأخيارُ من أهلِ العراق، فيُقيمُ ما شاءَ اللهُ أنْ يُقيم» .
المورد الخامس: حدوثُ بعضِ الانقلاباتِ في مكة المكرمة بعد الظهور المبارك.
بعد أنْ يُعلِنَ الإمامُ سيطرتَه على مكة، ويضعَ عليها واليًا من قبله، فإنَّ أصحابَ النفوسِ الضعيفةِ لن يرضوا بالحقّ، لذلك ستحدثُ بعضُ الانقلاباتِ التي سيقومُ الإمامُ المهدي بوأدِها ووأدِ الفتنةِ معها.
فقد رويَ عن أبي جعفر قال: «يُبايَعُ القائمُ بمكة على كتابِ اللهِ وسُنّةِ رسوله، ويستعملُ على مكة، ثم يسيرُ نحوَ المدينة فيبلغه أنَّ عاملَه قتل، فيرجعُ إليهم فيقتلُ المقاتلة، ولا يزيدُ على ذلك...» .
لاحظوا: أن الرواية واضحة في أنه يأمر بقتل المقاتلين لا جميع الناس، وهذه حالة طبيعية في الحروب.
المورد السادس: خروج دابة الأرض من مكة المكرمة.
جاءَ في بعضِ الروايات، أنَّ دابةَ الأرضِ تخرجُ من مكة المكرمة، ففي روايةِ علي بن مهزيار الأهوازي: «... تخرجُ دابةُ الأرضِ من بين الصفا والمروة، ومعه عصا موسى، وخاتم سليمان، يسوقُ الناسَ إلى المحشر» .
وروى ابنُ أبي شيبة بسنده عن سمّاك عن إبراهيم قال: «دابةُ الأرضِ تخرجُ من مكة» .
المورد السابع: إنَّ الدجّال لا يدخلُ مكة المكرمة.
وردَ في بعضِ الرواياتِ أنَّ مكةَ المكرمة كالمدينةِ المنورة في عدمِ دخولِ الدجّالِ إليها، فقد رووا عن النبي أنّه قال: «لا يدخلُ الدجّالُ مكةَ ولا المدينة» .
وكذا فقد وردَ عدمُ دخولِ السُفياني إليها لا قبلَ خروجه ولا بعدَ أنْ يبعثَ جيشَه خلفَ المهدي حيث سيُخسّفُ به في البيداء قبل دخولها.
فقد رويَ عن أبي جعفر الباقر قال: «السفيانيُّ أحمرُ أشقرُ أزرقُ، لم يعبدِ اللهَ قطّ، ولم يرَ مكةَ ولا المدينة قط» .
المورد الثامن: إنَّ منها مجموعةً من أصحاب الإمام المهدي الثلاثمائة وثلاثة عشر.
فقد جاءَ في خطبةِ البيان المنسوبة لأمير المؤمنين بنقلِ السيد ابنِ طاووس في بيان أصحاب الإمام المهدي: وأربعة من مكة» .
وفي نقلِ إلزامِ الناصب: «وأربعةُ رجالٍ من مكة: عمر، وإبراهيم، ومحمد، وعبد الله» .
المورد التاسع: قيامُ الإمامِ المهدي ببعضِ الأمورِ في مكة المكرمة.
وردَ في بعضِ الروايات الشريفة أنَّ الإمامَ المهدي سيقومُ ببعضِ الأمورِ في مكة المكرمة، ومنها الآتي:
الأمر الأول: إخراج الطائفين استحبابًا.
إنه سيُصدِرُ أمرًا بخروجِ من يطوفُ مُستحبًا عن المطاف، لتُتاحَ الفرصةُ لمن يطوفُ واجبًا فيها، الأمرُ الذي يكشفُ عن الكثرةِ الكاثرةِ للحجّاجِ عند ظهوره.
فقد رويَ عن أبي عبد الله قال: «أولُ ما يُظهِرُ القائمُ من العدلِ أنْ يُنادي مُناديه: أنْ يُسلِّمَ صاحبُ النافلةِ لصاحبِ الفريضةِ الحجرَ الأسودَ والطواف» .
الأمر الثاني: معاقبةُ سُرّاق بيتِ الله الحرام.
إنه سيُعاقبُ سُرّاق بيتِ الله الحرام، ويقطعُ أيديهم؛ ليكونوا عبرةً لغيرهم، طبعًا لا مشكلةَ فقهيةً في ذلك؛ لأنَّ أولئك قد سرقوا بيتَ اللهِ الحرام، ولم يتركوا له حرمة.
عن الهروي، قال: قلت لأبي الحسن الرضا: ... بأيّ شيء يبدأ القائمُ منكم إذا قام؟ قال: «يبدأ ببني شيبة فيقطعُ أيديهم؛ لأنَّهم سرّاقُ بيت الله» .
الأمر الثالث: إرجاعُ المسجدِ الحرام إلى أساسه.
إنّه سيردُّ المسجدَ الحرامَ إلى أساسِه الذي بناه النبيُّ إبراهيمُ، ممّا يعني إرجاعَه إلى ما أرادَه اللهُ (تعالى).
فقد رويَ عن أبي بصير عن أبي عبد الله قال: «إنَّ القائمَإذا قامَ ردَّ البيتَ الحرامَ إلى أساسه، وردَّ مسجدَ رسولِ اللهِإلى أساسه، وردَّ مسجدَ الكوفة إلى أساسه، وقالَ أبو بصير: موضعُ التمارينِ من المسجد»
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat