صفحة الكاتب : جمعة عبد الله

 معاناة سيزيف في كتاب ( قضية تقاعد / متوالية سردية ) للكاتب فيصل عبدالحسن
جمعة عبد الله

 أن ما يتناوله الكتاب السردي ( قضية تقاعد )  , يضعنا امام سريالية غريبة وابعد من الخيال , في مسالة في غاية البساطة والسهولة , في إجراءات معاملة التقاعد لموظف خدم في مؤسسات الدولة ( وزارة الثقافة والإعلام )  في السابق ,  لاكثر من عقدين من الزمان , وجاء الوقت لكي   يطالب بحقه القانوني والشرعي في التقاعد . ولهذا السبب شد احزمته وحقائبه  ليودع الغربة وان يعود الى احضان الوطن , وأن يحصل على حقه الشرعي ,  والاستقرار النهائي في احضان  الوطن, ويطوي ويودع سنوات الغربة الطويلة , التي دامت ثماني وعشرين عاماً , اكل فيها الحصرم وليس العنب , وزادت  بوصلة آماله المشرقة ,  بعد دعوة وزير الثقافة له ,  ان يعود الى الوطن ويتعهد في مساعدته وتسهيل الإجراءات معاملة التقاعد , وأن كل شيء واضح يدل على حقه القانوني ان ينال الراتب التقاعدي. دون لف ودوران , على هذه الوعود والتعهد , توجه بالسفر الى العراق '  في رحلة جوية طويلة من أطراف أفريقيا ( المغرب ) في فصل الشتاء البارد مع عائلته ( زوجته وابنه المعاق ) وخلال رحلته توقف في مطار القاهرة , وهناك صدم بالخبر المؤسف  , بأن مطار بغداد مغلق ,  لا يستقبل الرحلات الجوية القادمة , وبعد سؤال وجواب , عرف اسباب اغلاق مطار بغداد , هو تناحر وتنافس الفصائل المتنفذة , لم يتفقوا على ارسال الحقائب الدولارية المسروقة والمرسلة الى خارج , دون أخذ حصة مالية , وأدى هذا الخلاف الى لعلعة الرصاص والنار داخل مطار بغداد , مما اضطرت ادارة المطار الى اغلاقه  في وجه الرحلات الداخلية والخارجية , حتى يتفقوا على الحصص المالية  وتوزيعها بالتفاهم  بينهم , وكانت ساعات  الانتظار طويلة ومتعبة ,  في ظل البرد والجوع من الرحلة الطويلة . وبعد انتهى خلاف الفصائل المتصارعة على المال المنهوب , سمح بفتح المطار واستقبال الطائرات القادمة. وعندما  وصل الى مطار بغداد , صدمته الدهشة والغرابة التي لم يتصورها حتى  خياله , حيث يزدحم مطار بغداد باصحاب اللحى واللباس الأفغاني والايراني وغيرهم , مع نسائهم وأطفالهم ' بروائحهم  الكريهة ,  كأنها رائحة روث متعفن   , لاحظ   أنهم يستقبلون بالحفاوة والترحيب واجراءات سريعة في ختم جوازاتهم  , بينما هو العراقي يدخل في حلقة  تساؤلات وتحقيقات  أمنية مزعجة  , عن سبب الزيارة ؟ وماهو الكفيل الذي يتعهد بدخوله الى بغداد ؟ , وإجراءات عويصة خرج منها بصعوبة , وفي اليوم التالي ,  بدأ  في الصباح في متابعة اجراءات معاملة التقاعد , ولفت نظره الإهمال والخراب  والفوضى والصخب في كل زاوية , ومشاهد الفقر والبؤس واضحة  في كل معالم في الحياة , في عراق العهد الجديد , وأدرك أو افهم بأنه لا  يتم   إنجاز  اية معاملة , إلا بالدفع المالي والرشوة وغير ذلك تهمل , أو تتبع اجراءات معقدة ومتعبة ومرهقة  , ولكن كان بحوزته الامل بتعهد وزير الثقافة , وذهب الى الوزارة لكي يقابل الوزير المعني  , لكن صفعته الدهشة , في الرد على سؤاله , أي وزير تقصد ؟  , الوزير الذي تعهد ووعده بالإنجاز السريع لمعاملة  , أبعد عن منصبه , لم يصدق ما يسمع  ( يا لسوء الحظ عرفت قبل قليل , أن وزير الثقافة الذي وعدني بالمساعدة , حالما اصل بالعراق قد ازيح من منصبه وحل مكانه شخص آخر !! ) ص29 . ( - أن الوزير الذي وعدك بمساعدتنا لم يغادر منصبه إلا منذ بضعة أيام قليلة كما نص الخبر , وليس معنى هذا أنه لم يعد يملك نفوذاً في الوزارة , أو أن المدراء العامين الذين يتعامل معهم الوزير , طيلة وجوده في منصبه , لن يرضخوا لطلباته البسيطة !! وقضيتك بسيطة واصولية !! ) ص29 . مما اضطر ان يخرج كل صباح في متابعة قضية التقاعد , فكان يرمى من مديرية إلى أخرى  , من موظف الى آخر , كأنه كالكرة  القدم تتقاذفها الأقدام اللاعبين , في إجراءات معقدة وصعبة , مع نظرات الحقد والعدوانية في نظرات وملامح الموظفين , لأنهم يعتقدون انه كان يتمتع بالرفاه والسعادة في الغربة , وهم بقوا في العراق ,  تجرعوا معاناة الجحيم في الحصار والجوع وصعوبة الحياة والعيش ( - تركتنا نموت من الجوع في الثمانينات,  أثناء الحصار وهربت  الى الخارج لتتمتع هناك , والآن جئت تطالب تقاعداً في بلدك !! ) ص102 , لذلك ينظر إليه بروح الشك والريبة , كأنه عميل أو جاسوس أو لصاً أو قاتلاً , أو بهلواناً يجيد الرقص على الحبال , مع مرور الأيام بالتعب والإرهاق دون ان يحصل على أية  نتيجة , أو تقدم حتى لو خطوة بسيطة , أخذ المال بحوزته يشيح نتيجة المبيت في فنادق شعبية مختلفة ونتيجة الطعام والشراب , واجرة سيارات التكسي , وهو يتنقل  بين مديرية إلى اخرى كل يوم , ومسألة مرض زوجته بالضغط العالي وتحتاج الى المعالجة والدواء , ولهذا السبب شعر بعسر التكيف في الحياة المعيشة مع شحة المال بحوزته , , يمكن ان يحرم من وجبات الطعام نهار أو نهارين ولكن كيف الحال مع ابنه المعاق ( - لم تكن أي مشكلة في ان نبقى أنا وزوجتي بلا طعام لنهار أو نهارين كاملين !! لكن المشكلة في ولدنا الشاب , الذي يعاني من تخلف عقلي منذ طفولته , فهو  لا يتحمل الجوع ولا يفهم ما سنقوله من وضعنا الجديد ( العيش في الفنادق ) لانه اصم ابكم ايضاً ) ص32 . أدرك ان الواقع الحياتي في العراق مزري وبائس في العهد الجديد , والحياة العامة تغوص في الفقر والبؤس, لانه بكل بساطة متناهية لوضع العراق الجديد , بأن ( الذين جاءوا لحكم العراق بعد الاحتلال الامريكي للعراق , كانوا يحملون في نفوسهم المريضة , غلاً وحقداً لهذا الشعب الكريم , المنكوب بحكامه , هؤلاء الذين جاءوا من الخارج  , محمولين على دبابات المحتلين , من الشرق والغرب جاءوا لتصفية عقد ذلهم وسوء أحوالهم السابقة في خارج العراق !! ) ص62 . يعتقدون في عقليتهم المريضة والسيئة  والخبيثة , بأن العراق غنيمة كالبقرة  الحلوب , تدر الذهب والدولار , والشاطر والذكي من ينهب ويسرق أكثر من الآخر , في تقاسم المحاصصة الطائفية للوزارات وكل مؤسسات الدولة الصغيرة والكبيرة , ويتركون كسرات من  الفتات الضئيلة للشعب المظلوم  , ليعيش حياة  الكفاف والفقر والإهمال والحرمان , ومعاناة شظف العيش القاسية . كان يتصور بأن منصب الوزير متنفذ وفعال بما يريد من يحتل الكرسي , ولم يتصور ان  الكراسي والمناصب , هي ديكورات لا تنش ولا تهش , وبعد مراجعات كثيرة وعويصة , ادرك ان انجاز معاملة التقاعد تتطلب رشوة مالية , وطلب منه ان  يدفع  مبلغ من المال , ستة مليون دينار عراقي تقريباً ( خمسة آلآف دولار) , حتى يحصل على الراتب التقاعدي ,  ولا فائدة في المراجعات هنا وهناك, وهو لا يملك هذا المال , قد سلبوا كل ما كان  يحمل من المال , ضاع في الرشوة هذا الموظف وذاك , وتيقن انه أصيب بالخيبة  والخذلان والخداع , ولا فائدة  في  البقاء في العراق , فقد سدت الابواب بوجهه , وعليه ان يودع بغداد بالفراق الأبدي , بالحزن والدموع والحسرات الموجعة , كأن الوطن طرده  شر طردة ,  ليتجرع علقم عودته الخائبة الى الوطن , وعاد الى بلد الغربة ( المغرب ) وهو يحمل الامتنان من حسن الاستقبال والطيبة من الأقرباء والمعارف  , وكذلك من عامة الناس وهم يحملون الطيبة والشهامة العراقية الاصيلة .

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


جمعة عبد الله
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2025/03/07


  أحدث مشاركات الكاتب :

    • ومضات على كتاب ( رائد الأدب المهجري المعاصر / دراسة الشاعر المغترب قصي الشيخ عسكر ) للباحثة هدى صحناوي  (قراءة في كتاب )

    • أحداث عاصفة في يوميات انتفاضة عام 1991 في رواية ( ربيع التنومة ) للأديب قصي الشيخ عسكر  (قراءة في كتاب )

    • معارضات يوسفية في الديوان الشعري ( يوسفيات ) للأديب واثق الجلبي  (قراءة في كتاب )

    • كومونة انتفاضة تشرين في الرواية القصيرة ( البركان ) للاديب حميد الحريزي  (قراءة في كتاب )

    • قصة يوسف الابن والنبي تتحول الى ملحمة فلسفية في الديوان الشعري ( يوسفيات ) للاديب واثق الجلبي  (قراءة في كتاب )



كتابة تعليق لموضوع :  معاناة سيزيف في كتاب ( قضية تقاعد / متوالية سردية ) للكاتب فيصل عبدالحسن
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net