(تأملات في كتاب المصابيح لسماحة السيد أحمد الصافي) 68
علي حسين الخباز
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
علي حسين الخباز

الكثير من العلوم الإنسانية تحاول جاهدة أن تضم لها علم الأخلاق، والبحث في عالم القيم، والسلوك القويم، وما ينبغي أن يكون عليه السلوك الإنساني، وتذهب أغلب تلك العلوم الى أن إصلاح الأمم إنما يعتمد على الأخلاق.
وقراءة الأخلاق كعلم معرفي دون أن يبحث في تطوير السلوك الأمثل وإهمال أي دراسة تبحث فيما ينبغي أن يكون عليه السلوك الإنساني، هي قراءة بعيدة عن المنهج القويم.
يرى سماحة السيد أحمد الصافي أن منهج أئمة أهل البيت عليهم السلام هو منهج التعامل مع كثير من المشاكل الاجتماعية، والنفسية، والاقتصادية، والإيمانية، ضمن منطلق الأخلاق، ويوجه عدد من الأسئلة المحورية.
سؤال: ـ كيف يتعامل مع الإنسان العاصي ربه؟
كيف يتم توجيه هذا الإنسان حسب منهج أهل البيت عليهم السلام؟ كيف يفيد من رحمة الله تبارك وتعالى؟
تعلمنا مدرسة أهل البيت "عليهم السلام"، إن الأئمة يعملون بما يؤمنون به، بعيدا عن النظريات، أي السعي لتعليم الجانب العملي للأخلاق، مثلا منهجية التواصل مع الله سبحانه وتعالى عن طريق الدعاء، وتعريف الناس بآداب الدعاء، يبدأ الدعاء بحمد الله تعالى والثناء عليه ثم الصلاة على محمد وآل محمد وطلب الحاجة.
ونجد في هذا المنهج الرسالي فلسفة تعليم الإنسان كيف يضمن قبول الدعاء، ومن موارد قبول الدعاء الصلاة على محمد وآل محمد، نحن نتعلم في هذه المدرسة، مدرسة المعصومين "عليهم السلام" أن مجرد تحصيل قواعد العلم الإصلاحي لا يجعل الإنسان مصلحا، دون أن يكون لهذا الإصلاح أثر في سلوكه، لو نظرنا إلى علماء الأخلاق عندما يتدارسون مسألة الظلم، يجعلون ظلم الإنسان لنفسه من أخطر أنواع الظلم.
الإنسان يظلم نفسه، أو يوقع نفسه في موارد تسبب الظلم.
تعريف الظلم: هو سلب الحق، وأسوأ أنواع الظلم عندما يظلم الإنسان نفسه، وعندما يسلبها حقها ويبعدها عن موارد الطاعة، وموارد المعرفة، ويجعلها تَنُوء بعيدا، كأنه يدفعها عن حقها الذي أعطاه الله تبارك وتعالى.
علم الأخلاق هو علم الإنسان كما ينظر إليه بعض الفلاسفة، ومنهم من ينظر إليه على أنه علم العادات، وعلم الخير والشر، وعلم الواجبات، وسعوا في معالم التنظير كثيرا.
سماحة السيد أحمد الصافي نظر إلى قضية مهمة لا بد من التركيز عليها، إن الظلم ينافي علة الخلق، فالإنسان خلق ليعبد، وخلق ليعرف الله تبارك وتعالى، الإنسان الذي يحرم نفسه من العبادة حقيقة هو يظلم نفسه، وهناك مورد آخر هو ظلم الآخرين لنصل إلى حقيقة إن الإنسان حين يتكل على الله سبحانه وتعالى، يحاول أن لا يغيب ذكر الله تعالى عنه، الله تعالى لا يغيب عنه شيء، ولا تخفى عنه خافية، علينا أن نتعلم حدود المقدرة الإيمانية إلى أي مدى يمكن أن تكون إعانة الله سبحانه وتعالى للعبد المؤمن، عندما يتعلق الإنسان بالله تعالى فأنه يرى الله سبحانه دائما حاضرا معه.
الإمام "عليه السلام" ينبه على أن الله تعالى قادر على أن يدفع عن الإنسان كل شيء، بعض الروايات تتحدث عن أن الإنسان إذا اعتصم بالله تعالى وكإدته السماوات والأرض والجبال فان الله تعالى سيجعل له المخرج.
بين الله تعالى كل ذلك في سورة الحج /38
﴿إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ والإمام السجاد عليه السلام يعزز هذه المسألة بقوله (ولا أضلن وقد أمكنتك هدايتي) وسبب ذلك أنت الله القادر على الدفع عني، انصهرت القضية الأخلاقية بجميع قيمها في هذا التسليم، وهو غير مرتبط بمسألة التهور أي أن الفعل بلا ضوابط، يعتمد على أن الله تعالى ولأني لا أرضى أن أظلم فأني لا أظلم، والظلم في نفوسنا يكاد يكون أشبه بالشائعة.
لهذا الإمام "عليه السلام" ينهَى عن هذه الحالة، فإذا كنت لا أحب أن أظلم لأنني أعلم علم اليقين أن الله تعالى قادر على أن يقبضني، وعلى أن يحاسبني، وعلى أن ينتقم مني بدلا عن فلان.
مثل هذه القراءات نحن اليوم بأمس الحاجة إليها، بعدما تعرضت الأمة الإسلامية إلى هجمات مختلفة بعيدة عن الثقافة الإسلامية، لأننا لا نريد لهذا التراث أن يحنط، ليعرض في متحف من المتاحف، نريد أن نتفاعل مع أخلاقيات أهل البيت "عليهم السلام" وتميزهم العلمي والثقافي والتربوي، الظلم في مفهوم هذه المدرسة الفاعلة عبارة عن تغيير في موازين العدالة، وموازين الحق، ومن هذه النقطة دخل الإنسان في خانة الظلم، والنفوس الواعية تدرك أن الظلم لا يرضى به الله تعالى، وحين يرى الإنسان حالة وقوفه بين يدي الله سبحانه وتعالى سوف لا يظلم، لأنه يعلم أن الله تعالى لا تفوته فائتة.
الله سبحانه وتعالى لا يحتاج إلى الظلم (يحتاج إلى الظلم الضعيف)
علي الخباز, [10/03/2025 09:49 م]
أحدى حكم الإمام السجاد عليه السلام، يحاول الضعيف أن يعوض ضعفه ويسد نقصه بالتعدي على الآخرين.
ويرى سماحة السيد أحمد الصافي أن مقتضى عدل الله سبحانه وتعالى أن يبين الهداية لكل المخلوقات، وقد جعل الله تعالى في الإنسان جوهرة العقل، وبين له سبل النجاة، ولذا لا يمكن لأي إنسان أن يحتج يوم القيامة على الله تعالى، ﴿فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ﴾ كل إنسان مهما كان لا يستطيع أن يعترض على الله تعالى، فيقول سلبتني كذا وكذا، الله سبحانه وتعالى بين الهداية، وأظهرها لكل احد.
هناك مسألة فكرية في هذا العرض الدقيق، الله سبحانه وتعالى بين للإنسان الهداية، ومكن للإنسان الهداية، ولكن لا تصل إلى مرحلة أن يجبره عليها، لو كانت كذلك فليس فيها فائدة ولا يستحق الإنسان الأجر عليها، وقد قال بطريقة الجبر الكثير من المذاهب.
الإنسان يحتاج إلى دوام الهداية، هداية مستمرة وألا يكتفِ بهداية آنية، من ضمن مرتكزات الأخلاق في مدرسة أهل البيت "عليهم السلام"، عدم التذبذب في منهجية الأخلاق، يحدثنا سماحة السيد أحمد الصافي عن بعض الشخصيات التاريخية التي كانت جيدة في زمن النبي "صلى الله عليه وآله وسلم" وكانوا أمام النبي يصلون ويجاهدون، ولعلهم ضربوا بالسيف الأعداء، لكنهم لم يتوفقوا نهاية المطاف.
لذلك الإنسان عندما يكون مؤمنا مهتديا من غير المعلوم أن يكون في نهاية مطافه محافظا على هذه الهداية، أي علينا أن نحذر الغفلة، وألا نعزل أنفسنا عن أحكام الله تعالى والناس.
حين يكون الإنسان مع الله سبحانه وتعالى عليه أن يبقى مع الله سبحانه.
ليس من الصحيح أن يبقى الإنسان في أجواء الإمام "عليه السلام" وفي مدرسته ومنهجه، ثم نجده من أظلم الظالمين، والعياذ بالله، يجب أن يكون الله سبحانه تعالى حاضرا في تصرفاته، وفي ذهنيته، حتى يتوفق لنيل الاستعداد النفسي، هذه هي أخلاق مدرسة أهل البيت عليهم السلام
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat