بسم الله الرحمن الرحيم
وتسألني الأطلال عنك..
وبنود العهد تسألني...
والوعود تسألني...
وشواهد الحبّ تسألني...
الليل والفجر والحزن..حلمنا شمسنا أمانينا..حكاياتنا المجنونة ضحكاتنا كلها عنك تسألني... ما انفكت كلها في استغرابٍ تسألني ،عن الماضيات وكيف كنّا ، عن الباقيات منّا.. كيف ومتى والى أين صِرنا..؟ وأحيانا تخاصم وتبوح وتنوح وتعاتبني..!
تعاتبني..!
إذ كيف صيّرناها بين عشيّة وضحاها أطلالا وبيوتا خاويات وهمهمات فارغات وقصصا من خواتيم أسفارنا..؟!
ما انفكّت كلها تلحّ عليّ تسألني..حتى غدت كنافخات الكير تبثّ في كل الاتجاهات ريحها ، على مرايا السماء وفي وجه البدر الصبوح وعلى جيد الفجر وعلى ملامح الأشياء تنفث دخانها،حتى طالني منها رَهّقٌ ،وأصابني ذبول ووهن.
تعبت أفكّر بماذا أجيبها ..
فهذا الليل يسألني بإلحاح عنك وعني، قد اقبل حالكا يطوّق خاصرة الحنين وبين كفيّه قد حمل سرّنا..
فكفاك يا ليل عنه تسألني، فما عاد لي منه غير ذكرى ألملمها في منتصف الألم منك وتحت وسادتي أخبئها..
وهذا الفجر يسألني..!
قد أقبل ثقيل الخطى متثائب،تفوح من فيهِ رائحة الرطوبة وقت صام عن النور طويلا حتى تغشّاه العفن..يسألني عن ذاك الذي أراق الطلّ من كؤوسه المعتّقة بمسك الغواية ، واغتال الأمنيات شنقا بحبال الصباح،ثمّ مضى..
لا تسألني رجوتك يا فجر عنه.. فمذ افترقنا ما عدت أدرك بقايا الليل من أوائل الضياء.
وقادحات الحزن تسألني..!
مغيراتٌ قد أقبلت تفتّش عنك وعني... تتغذّى على سنابل القوّة التي زرعتَها ذات عشقٍ في حقول عمري، فاجتهدت تقصّ الجذور وتعصِفُ بالحَبِّ وتنثره في الدروب أشتاتا.. ثم تربّعت على عرش الشفاه أمدا.
وهذا الحرف يسألني..!
أين سحر القول وبديع الكلام..أين الذي كان ينفث الروح في جسد الكلام..أين مداده السحريّ أين المرام..؟
ألا أيها الحرف رجوتك لا تسألني، فما عُدتُ أجيد ؛ومذ فارقني غير مقارعة كلمات باردات تُقيم على هوامش الدفتر الأصمّ، وما عادت أناملي تُجيد السيطرة على وريقاتٍ رهيفةٍ باتت تُصارع الجمرات الرابضات في كفيّ خِشية الحريق. ولا على قلم تمرّد عليّ من شدّة القلق وسَطوة الضيق.
نافخات الكير مهلا...!
فلقد تجاوزتِ الحد المسموح به لاستهلاك صبري.
فما عاد بمقدوري أن الملم نثري من أرض الشتات..وليس في جُعبتي غير خاطر مكسور وحقيبة من جمر ونار.. وهسيس شوقٍ يتلوى في جوف أنثى.
لم أعد أملك غير قرص ذاكرة ألتهمه وقت جوعي له.. وبضع قصائد كنت قد خبّأتها في دفاتري لأفرّ اليها كلما ألحّ عليّ الهوى وطوّحني الحنين ..، وصورته المقيمة في القلب وفي مقلة العينين.
فدعيني ايتها الأطلال النافخات ضعفا ووهنا في دمي ..
اذهبي اليه أيتها النافخات لظىً في أتون مواقدي واسألي ما شئتِ ،عنكِ ،عنه وعني...
لِمَ وكيف وعلام والى متى وأينَ؟
اسأليه إن كان ما زال يذكرني ..
اسأليه.. ثم اخبريني بربكِ إن كان ما زال يذكرني، أو ما زال يدرك بأني (أنثاه التي خُلقَت من كلمات).
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat