كل شيء في ليل سَمرها يُضيء..صوتها الآسر يتآمر والليل على روح الأنا القابعة في خَوابي وَلَهيْ..تمتماتها تَسري فيّ كالدبيب ،تعيثُ في الروح فسادا وتَرثني بريقا لاهجاً في فَتق السَّواد،،أنغامها تقتحمني عنوة ،تُجبرني على التَسامي فوق الأبعاد وفي حِياض اللامألوف...و مع ذرات نشوتها ألِجُ نحو أرفلان العُلا وأتمدّد بنشوةٍ نحو الأثير الخالد ..وأتمطّى الى آخر حدود الوقت لأتذوّق إكسير الماضي الجميل..
معها كل شيء يستفيق ؛بنفسجي الذابل وروح فيّ ما انفكّت تحترق..وذاكرة تنزّ بآهٍ تتبعها آهٍ ،وراجفة تتلوها راجفة..كلها؛كلها تستفيق.
معها أهذي للصباح في جوف الغَسق،،وأنادي السُبات في مآتم الأرق.. تذرذرني سفرا لا ينتهي نحو أسوار الشفق.. ..تنثرني هَباءا بين قسمة الحظّ ونصيب القدر، تغمسُني في بريئآآآت الطفولة،وتهديني لعقيمات الذكرى وذابلات الحلم وللهيب القلق..وما أنا لها وفي تباريحِها إلاّ رسول شوقٍ قد تمطّى على كفوف نشوتها جيئةً وذهابا،طولاً وعرضا ..ريثما يستحيل الخافق الى نثرٍ من ألق.
يجمعنا في ليلها المشحون نداء الآآآه.. ويَفرينا وجعٌ ولهب، يذرفنا الحضور دمعا ويهتِك الوله منّا شفيف الجراح.. وسلاسل الحنين الناضجات تؤرجحنا بين الهدوء والصخب ،بين الحقيقة والخيال...والكل في الهَوى ينتحب...
أتدرين يا سيدة البوح أنّي أشبهُكِ..؟!
لصوتكِ نحيب يشبه أزيز قلبي..ولقلبكِ حريق يشبه احتراق جوفي...وكلانا نذوب صَبابة في دنيا البوح والغرق..وكل شيء في ليلنا يحترق الروح والمشاعر والقوافي والأماكن والشعر والورق...
أشبهكِ..! غير أنّ الروح منكِ باقية في تفاصيل العشق في انسكاب الحنين في احتراق الليل في جوقة اللّحن وغياهب المعنى...أمّا أنا فلم يبقَ مني بعد أن أزِف الرحيل وأذِنَت ذات العَصف بالغياب غير الجسد ؛غير الجسد.
أنت عمري...!
سمعتها منكِ يا كلثوم مرارا ومرارا وفي كل مرّة أجدها أحلى وأجمل...مؤلمة أكثر..مؤثّرة أكثر وأكثر... وكيف لا وهي التباشير التي أدليتِ لي بها يا سيدة البوح حتى قبل مولدي..وكأنكِ تدرين بأنه من كان وسيظلّ مهجتي وعمري..
في كل مرّة أشعر وكأنكِ تقولين لي وعني.. وفي كل مرّة اقرأ في تفاصيل قصيدتكِ قصتي..وعلى وجه الحكاية المغرورق بزبد الأفول قد ارتسمت ملامحي..وريقيَ الهارب من فنجان الحظّ ونشوتي وقت اختلاط تفاصيلي بعمقه يشهد..
يا من "أنت عمري" ولا زال..!
لتُخبركَ قصيدتها العصماء..وليخبرك تاريخيَ المحشوّ بين أنغامها ولحنها والكلام ،ليخبرك الكلّ أنّي:
أني الصادقة كنتُ وما زلت.. وأنك العمر كل العمر كنتَ وما زلت.. حتى لو خاب في هواكَ ظنّي...وانكَ الجنون الممتزج في دمي سرّا.. وانّي نصّبتك مليك الروح جهرا ..وانكَ يا عمريَ الربيع الحالم المشرئبّ في حدائق أوردتي طولا وعرضا، وقطوف الزهر النابتات رغما في حنايايَ والشاربات من كوثر دمي صَبابة وهياما وخمرا...
سيدتي:
عبثا أُحاول لملمتي، ورغما أُحاول ترتيبي..فلم يبعثرني صوتكِ مجددا..وتذرني أنفاسكِ معلّقة في سَديم الذكرى كسحابة تائهة في ملكوت ٍذي اتساع تهزّ أركانها ريح زمهرير مكتظّة بالوجوم...
فإلى متى..؟؟!
فلتخبريني روحكِ المقيمة في اللحن الرخيم الى متى..؟!
الى متى سأبقى أسيرة ليلكِ سميرة بوحكِ نديمة آهكِ ..الى متى سأظلّ أغرق في دندناتكِ حدّ الثمالة ، وفي جهنّم غيابه وجنّات نشوتكِ سأبقى أتأرجح بلا مستقرّ عاجزة لا تملك غير دندناتٍ لاهثات نحو رحاب حضرته..؟
فليتَ بمقدوري أن أغدو دندنة في لحن اليَباب..أو كلمة في فم القصيد أو هذيانا في كأس نشوتنا ..أو فراشة تزوره سرّا وجهرا..لنغنّي بين يديه وله أنا وأنتِ يا كلثوم "انت عمري".. لنغنّي له"انت عمري"...
ولكن:
هيهات لنا يا كلثوم هيهات..
فكلانا اليوم رغم امتداد الروح في"أنت عمري"يا كلثوم أموات..
كلانا اليوم أموات...
قناتنا على التلغرام :
https://t.me/kitabat
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat