صفحة الكاتب : د . صادق السامرائي

مذاهبهم ومذاهبنا؟!
د . صادق السامرائي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
كنت في مدينة (كيوتو) اليابانية , مع صديقي الياباني , وقد تجولنا في أسواقها وشوارعها , وزرنا معابدها.
وهذه المدينة عريقة وذات تأريخ طويل , وكانت عاصمة اليابان قبل طوكيو لأكثر من ألف عام , وقد أسسها الإمبراطور (كامو). 
ومن معابدها ( غينكا كو-جي) و (كينكاكو –جي) , ومعابد أخرى تتجاوز الألف ومئتي معبد على حد ذكر صديقي.
وزرت العديد منها , في مدينة يبلغ تعداد نفوسها المليون والنصف تقريبا , وكل معبد يعبّر عن مذهب , وتوجه ورؤية وتصور يختلف عن الآخر , ما بين البوذية بأنواع مدارسها والشانتوية ومدارسها , وديانات ما أنزل الله بها من سلطان , لكنها ذات معابد وأتباع ومعتنقين.
وتجد في المدينة لكل ما يخطر على بالك وما لا يخطر معبدا , فتتعجب من الأمر , وتحتار.
فسألت صديقي الياباني: ما أكثر المعابد عندكم؟
قال: إنها جزء من الثقافة
قلت: وماذا تقصد
قال: نذهب إليها , ونغادرها ونحن يابانيون!
قلت: ألا تتحسسون من بعضكم؟
ضحك وقال: كيف يجوز ذلك , فهذا غير ممكن , وإن تفعل المعابد ذلك سنتخلص منها!
قلت: كيف
قال: نحن يابانيون , وهذه جزء من التراث والثقافة , نعتز بها ونمارسها , لكن القيمة الوطنية , والهوية اليابانية , فوقها بكثير.
قلت: أكثر من ألف ومئتي معبد في هذه المدينة
قال: نعم
قلت: ولا تتقاتلون
قال: إنك غريب!
قلت: لا أنا جاد في سؤالي
قال: أنت محيّر وتضحكني أسئلتك!
قلت: إكتشفت بأننا مُضحكة!
قال: ماذا تقصد
قلت: عندنا بضعة مذاهب ونتقاتل فيما بيننا كالوحوش في الغاب
قال: لماذا
قلت: لأننا نختلف في المذاهب
قال: ولماذا
قلت: ألا تفهم
قال: لا
قلت: إننا مضحكة يا عزيزي , عندكم أكثر من ألف مذهب ومدرسة ومعتقد , ولا تتقاتلون , وعندنا دين واحد, وفي داخله نتقاتل , ولا ندري لماذا!
قال: لا أفهم ما تقول!
قلت: دعنا من ذلك , ولنمضي إلى معالم المدينة الأخرى.
قال: وأين تريدني أن أأخذك؟
قلت:كيدرو نشيدا
قال: تعني طريق الفلاسفة؟
قلت: نعم
وذهبنا إلى الدرب الذي كان بسير فيه هذا الفيلسوف كل صباح , قبل أن يدخل غرفة المحاضرات , ويتحدث عن فكرة جديدة إستلهمها , وهو يخطو باحثا عن فكرة تصنع الحياة اليابانية الأقوى.
قلت لصديقي: دعني أسير متأملا , لأرى كيف تتوارد الأفكار
قال: إنه الفيلسوف نشيدا...., لا يمكنك أن تكون مثله
قلت: دعني أمشي لوحدي
ومضيت في الطريق أبحث عن الأفكار التي إستنهضت اليابان من تحت رماد الحروب , وأوجدت اليابان المعاصرة المبدعة المبتكرة المفكرة المتماسكة المتفاعلة المنسبكة.
وبعد أن قطعت الطريق ذهابا وإيابا , قلت لصديقي: هيا لنذهب إلى قاعة المحاضرات. 
ووسط دهشته وابتسامته وحيرته , ذهبنا إلى جامعة كيوتو , ودخلت قاعة المحاضرات التي كان الفيلسوف نشيدا يلقي فيها محاضراته , ويبث أفكاره ورؤاه وتحليلاته وفهمه لآليات الصيرورة والإرتقاء.
وجلست متأملا , ومتسائلا عن كيفيات إعمال عقولنا وصناعة حياتنا , وفقا لرؤية معاصرة مقتدرة متفاعلة مع أبعاد زمننا وأطياف رؤيتنا , وغرقت في تفكير عميق , لكن صديقي , أيقظني من إنقطاعي وغيابي , وهو يقول: إن أمرك لعجيب!
فقلت: كل ما فينا عجيب , ولهذا أصبح الواحد منا في دياره غريب!
قال صديقي: هيا لنلحق بالقطار السريع
وما هي إلا بضعة دقائق , وإذا بي في قطار الإطلاقة الذي يسابق الزمن , ويلتهم اللحظات بشراهة غير معهودة.
فقلت لنفسي , وقد إنشغل صديقي بهاتفه: هذا مجتمع يخترق الزمان والمكان , ونحن مجتمعات تستنقع وتتعفن في مكانها , وتتراجع القهقري , فكيف سيتحرك في أرضها مثل هذا القطار؟!
وغرقت في دهشة الإنطلاق من مكان لمكان!
فهل سنمتلك قليلا من إرادة اليابان؟!!

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . صادق السامرائي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2013/06/01



كتابة تعليق لموضوع : مذاهبهم ومذاهبنا؟!
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net