صفحة الكاتب : د . علي رمضان الاوسي

الذكرى السنوية 34 لاستشهاد الشهيد السيد محمد باقر الصدر واخته العلوية بنت الهدى (رض)
د . علي رمضان الاوسي



الموقف من المشكلة الاجتماعية المعاصرة في فكر الشهيد الصدر

يوم الاحد 6-4-2014 في المركز الاسلامي لندن الساعة 6 عصرا 

بسم الله الرحمن الرحيم

ورقة مقدمة الى: ندوة (الاسلام والحياة)

التي يعقدها المركز الاسلامي في انجلترا في الذكرى السنوية (34) لاستشهاد المرجع السيد محمد باقر الصدر واخته العلوية بنت الهدى (رض)

 

 جوانب من المشكلة الاجتماعية المعاصرة في فكر الشهيد السعيد السيد محمد باقر الصدر (رض)

 

تتلخص المشكلة الاجتماعية في النظام الاجتماعي البشري، فكم بوسعه ان يحقق طموحات الانسان ويبلغ به السعادة؟

لقد فشلت تجارب بشرية كثيرة في تحقيق هذه الغاية المقدسة ولعل الاصطدام الفطري وهذه التشريعات وراء تلك الاخفاقات المرعبة التي عرّضت البشرية لإحباطات جوهرية منعتْ من تقدمها وتعاونها ونأت بها عن التشريع الأمثل الذي يلبي حاجيات الانسان الفطرية.

لعل هذه الصورة هي الشكل الاجمالي للمشكل الاجتماعي ومن هنا انطلق الشهيد السعيد آية الله العظمى السيد محمد باقر الصدر (رض) في طرح المشكلة الاجتماعية ومحاولة طرح الحلول الناجعة لمعالجتها من خلال:

1-غريزة حب الذات: كما صورها القرآن الكريم بقوله تعالى: (وإنّه لحب الخير لشديد)(سورة العاديات: 8)، وقوله تعالى: (ان الانسان خلق هلوعاً)(سورة المعارج: 19).

فهذه الغريزة هي أعمق الغرائز الانسانية، وتتفرع عنها مختلف الغرائز الأخرى في الحياة والطعام والمعاش والرأي والفكر وهكذا. فالانسان المجبول على هذه الغريزة لا يمكن عزل تأثيراتها على مسيرته ومواقفه وسلوكه وفكره.

اذن كيف تعالج هذه الغريزة؟ فقد ذهب البعض الى مثالية خيالية وآخر اتجه صوب مادية جامدة، وبعض حاول ان يكبتها قبال من دعا الى تحررها وانطلاقتها من غير حدود وضوابط.

ففي كل هذه الحالات واجهت المسألة تعقيدات أكثر وإحباطات مدمرة على الصعيد الاقتصادي والسياسي والاجتماعي والثقافي عرّضت الانسان ومسيرته الاجتماعية لأخطار جسام سبّبت له معاناة جمّة عجز عن مواجهة تداعياتها كالذي نشاهده في المجتمعات المتحضرة اليوم التي تعاني من عدم ضبط هذه الحركة الفوضوية الغرائزية في الانسان.

 

التوازن هو الحل:

لا يمكن تبديل خلق الله (فأقم وجهك للدين حنيفاً فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون)(سورة الروم:30)

وقد حاولت الرأسمالية والشيوعية ان تغيرا في هذه الفطرة ولا يمكن لهما ذلك لأنها خلقية تكوينية، لذا حاولوا العبث في أدوار الرجل والمرأة في ادارة الأسرة والمجتمع دون ان يلتفتوا الى ما وهب الله كلاً منهما من طاقات تميّز أحدهما عن الآخر كما عبثوا في جنس الانسان وحاولوا تبديل خلق الله فواجهوا المشكل الأكبر في التداعيات الضخمة التي يعيشها الانسان اليوم بسببها الى جانب العبث السياسي والثقافي والاقتصادي.

ولكن الاسلام الحنيف نظر بتوازن الى تلك القدرات فانطلق بواقعية ووازن بين متطلبات الفطرة الانسانية والخلقية للمخلوقات الأخرى مع قوانين الواقع الحياتي، فليست المصلحة الشخصية هي كل شيء، ولا القضاء عليها هو الطموح السعيد، فوازن في احكامه بين الانسان الفرد والانسان المجتمع:

أ-طرح البعد الأخروي في حياة الانسان وأن الدنيا ليست هي نهاية عالم هذا الانسان فأفقد التفسير المادي بهجته وكشف عن عدم قدرته على طرح الحل الأمثل حيث لا يستطيع التفصيل في ما بعد الحياة المادية، كما أفقد الخياليين رونقهم وعدم قدرتهم على بيان الحل الأنجع حين اعتمد التشريع الاسلامي القوانين والسنن الحياتية في ضوء الحركة الفطرية في خلق الانسان.

ب-البعد الاخلاقي: حتى الاحكام بحاجة الى هذا البعد الروحي الاخلاقي لذا عمد التشريع الاسلامي الى التربية الدينية التي ترتفع بالانسان الى  ما فوق المعطيات المادية وبذلك حلّ الفهم المعنوي للحياة محل الفهم المادي.

ج-الدولة الاسلامية تدفع في طريق التحام الانسان بهذه القاعدة الفكرية المتوازنة، ومن جهة أخرى تراقب حركة الانسان والمجتمع فيما لو ابتعدا عن هذه الانطلاقة ان يُعادا اليها بالاقناع والضابطة.

 

المحتوى الداخلي للانسان:

إنّ المحتوى الداخلي للإنسان يتكوّن من:

1 ـ غريزة حبّ الذات.

2 ـ العقل المفكّر.

3 ـ المحتوى الفكري.

4 ـ الارادة المنفّذة للمحتوى الفكري، والموجِّهة لكلّ السلوك الإنساني، على أساس المحتوى الفكري المخزون في ذهن الانسان.

فالغريزة هي الدافع الأوّل للحركة، ولكنها تحتاج الى توجيه فكري، والعقل بإمكانه أن يدخل لتمييز الأفكار الصحيحة عن الخاطئة، كما أ نّه يدفع الإنسان نحو اكتساب العلم والمعرفة، فالغريزة والعقل الغريزي الفطري يتعاضدان للحصول على المحتوى الفكري السليم، والفكر هو حصيلة السعي العلمي الذي يبذله الإنسان، فما آمن به من معلومات ـ سواء اعتمد على العقل أم على أيّ مصدر آخر ـ كان ذلك هو المحتوى الفكري، والمنظار الذي يُنظر من خلاله الى الحياة. وما الإرادة إلاّ أداة لتنفيذ وتحقيق الأفكار التي آمن بها الإنسان.

ومن هنا كان السلوك الفردي أو الاجتماعي نتيجة طبيعية للمحتوى الفكري، الذي يحصل عليه الانسان، فإن كان سليماً وتامّاً كان سلوكه صحيحاً ونافعاً، وإن كان المحتوى مشوباً أو خاطئاً كان سلوكه منحرفاً. إذاً لابدّ من التركيز على المحتوى الفكري للإنسان، والسعي للحصول على العوامل الموثِّرة في تكوين هذا المحتوى.

وإذا صنّفنا مجموعة العوامل المؤثّرة في صياغة الفكر، وجدنا أن أهمّ عامل في هذا المجال، هو الهدف النهائي الذي يختاره الإنسان لنفسه في الحياة، وهذا الهدف النهائي يجسّد المَثل الأعلى للإنسان، ويكون هو الإله الذي يعبده، ويسعى للوصول إليه. وتختلف الأهداف كمالا ونقصاً، كما تختلف قوّةً وضعفاً وسلامةً وانحرافاً، ومن هنا لزم دراسة أنواع الأهداف وتصنيفها، والتعرّف على خصائص كلّ هدف وآثاره، والأسباب المؤدّية الى اختياره.

 

 

 

 

 

عناصر المجتمع الانساني والمثل الأعلى للانسان:

اشار الشهيد الصدر (رض) الى هذه العناصر:

1-الانسان

2-الارض والطبيعة

3-اصل العلاقة بين الانسان والانسان، والانسان والطبيعة من جهة أخرى.

4-النظام الاجتماعي الذي يحدّد شكل هذه العلاقة.

فالمجتعات البشرية لا تختلف في تعيين العناصر الاساسية للمجتمع إلا في العنصر الرابع وهو النظام الاجتماعي، فحين يضع الانسان مثله الاعلى في الله سبحانه يكون انساناً إلهياً وحتى المجتمع الانساني كذلك.

لذا نقول ان هناك مجتمعاً فرعونياً وآخر نمرودياً وهكذا بينما المجتمع الاسلامي يجب ان يتخذ من اسماء الله الحسنى أسوة وقدوة وطموحاً له فهو يكدح الى الله لتحقيق ما يمكن من هذه الاسماء والمثل العليا: (يا ايها الانسان انك كادح الى ربك كدحاً فملاقيه)(سورة الانشقاق: 6).

وبهذا الكدح الحقيقي نحو الله ينأى الانسان والمجتمع الانساني بنفسيهما عن المثل العليا المنخفضة وهي المثل المنتزعة من الواقع الموجود وتكون تكراراً له، وكذلك ينأيان بنفسيهما عن المثل العليا المحدودة وهي المتطلعة الى المستقبل القريب المادي المحدود.

بينما المثل الاعلى المطلق وهو الله سبحانه فهو المثل الاعلى اللامحدود وهو الله جل وعلا.

ومن هنا تتباين المجتمعات وتبرز المشكلة الاجتماعية وطريقة الحل، فالمثل العليا المنخفضة والمحدودة تبقي الانسان على مشكله الاجتماعي وتكرّس فيه الشخصنة والمنهج الظني والمحدودية وعدم الارتقاء نحو الكمال: (إنْ هي إلا اسماء سميتموها انتم وآباؤكم ما انزل الله بها من سلطان إنْ يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس ولقد جاءهم من ربهم الهدى)(سورة النجم: 23)، لذا فالمثل الاعلى المطلق للانسان يحقق الايمان بالله سبحانه ويوقظ فيه الشعور والاحساس بالمسؤولية في ممارسة الخلافة في الارض وبسط العدل وتحرير الانسان من عبودية منخفضة ومحدودة الى عبودية المطلق وهو الله سبحانه التي بها يتحرر الانسان ويسعى بخطوات واثقة لتحقيق العدل الاجتماعي والوقوف بوجه تداعيات المشكلة الاجتماعية في الماضي والحاضر والمستقبل.

 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . علي رمضان الاوسي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2014/04/06



كتابة تعليق لموضوع : الذكرى السنوية 34 لاستشهاد الشهيد السيد محمد باقر الصدر واخته العلوية بنت الهدى (رض)
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net