صفحة الكاتب : فلاح المشعل

عبد الأمير علوان ..الفنان الذي رأى
فلاح المشعل

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

غادرنا الصديق الحبيب عبد الأمير علوان ، دون وداع ، وكأنه يقول ؛ انا باقي معكم لأرسم أحلام وطني كلما يسرقها الحاكمون ، فلا تحزنوا اصدقائي .. انا مازلت أنظر عبر نافذة مرسمي في شارع السعدون لتفاصيل اليوم العراقي، أشم روائح التعب الصاعدة من أجساد الفقراء،أرسم وجوه الناس المفجوعة واضعها على حيطان الوطن المنهك ، لتكون الشاهد والشهيد ..!
لاتبتئسوا فأنا مزروع بينكم في تفاصيل الدمع وطوفان الأمنيات ، لم أزل امشي على ضفاف دجلة كل صباح، بإنتظار مجيء بلقيس لتقص لي حكاية مملكتها المنهوبة ورغبتها بالرحيل عن بلاد الأوجاع .

أحذركم من امريكا فهي التي اخترعت حكاية موتي الكاذبة ، انا مشغول بالبحث عن العصفور وإطلاقه من قفص اللوحة ، واستحضر وجوه اصدقائي الواحد تلو الآخر اعانقهم بصمت واغني معهم بفرح طافح ، واترك تفاصيل كربلاء تنوح على شهيد لم يزل يتهجى قصيدة الثورة ويحاول ان يخرج من لوحة لم تكتمل بعد .

يحاصرني نشيج الحب لهذا المغادر – الباقي فينا ، أمير الفنان الأصيل الذي لاتحتاج لجهد أو عناء كي تعرف عمقه الإبداعي وروحه التي تضلل كل جمال العالم بلا ضجيج إنما بصمت وحياء ، أواه يا أمير كيف كنت تجتاح إحاسيسنا وتغسلها بمطر عذوبة الوانك، واقعية اللقطة الهاربة من خيال الفنان الى لوحة الواقع المرّ، ترحل فينا بلمسات تشبه إناقة روحك وكرمها المطلق وعشقها الأبدي للآخرين .

مرسم أو (كاليري) عبد الأمير علوان كان مخبئنا الجمالي في زمن الدكتاتورية ، محطة نودع فيها حرقة اوجاعنا وننتشي فيها بطعم الألوان حين تخالطها الموسيقى وضحكات أموري الهامسة ، مرسم أمير في ذلك المبنى كان أحد ممتلكاتنا الأنيقة والمرفهة، نحن الباحثين عن نوافذ لتهريب القلق والخوف من نهارات تشعرك بالإعتقال ، وتذكرك بان لامستقبل لجنونك الذي تدعيه حلما ً.

الفنان العظيم لايموت ، بل يبقى في ذاكرة الوطن والناس ، وكلما احتاج الوطن لجرعة أمل يتطلع في إنجازاته وتلك العواصف الحلمية التي تغطي سماوات الماضي والمستقبل ، وهكذا ترك وجوده عبد الأمير علوان ، أثر وطني يترجم بواقعية السهل الممتنع أوجاع وأحلام ورغبات وتوقعات وتجليات ، أزمنة تمتد من محارق الفاشست الى منعطف الضياع الديمقراطي، الذي جعل أمير يحمل فرشاته ويهرب من بلاد صارت تحتلها الوحشة ويغيب عنها القمر .

الفنان العظيم باقي، هكذا اجد ان عبد الأمير رؤيا حياة تفيض بلوحاته وتنتصر على الموت مثل محمود درويش والسياب والجواهري وجواد سليم وبقية الكبار الباقين يتوسدون ذاكرتنا ببهاء مطلق، وكم كنت اتمنى لو ان لنا حكومة عاقلة، او وزارة ثقافة (مثقفة وتفتهم) لتعطي عبد الأميرعلوان دوره ان يكتب بفرشاته وألوانه، كيف مر ّ الفاشست من هنا يتعقبهم المحتلون ، فهو الفنان الذي رأى كل شيء .

"كلما اتسعت الرؤيا ضاقت العبارة" هذه الجملة الشهير للنفري ، حين وضعتها في مقدمة كلمتي في (فولدر) معرضه الشخصي الخامس في بغداد قاعة الرواق قبل اكثر من عشرين سنة ، كانت كلمة السرّ التي وثقت صداقتنا ، انهمكنا في خلق الرؤيا والعبارة حتى صرنا نهبا ً للوجع وصمت الأحزان .

أموري الجميل، صديقنا الباقي في حقول الذاكرة والوجدان ، وفي رسالة شوقنا نجدد ولاء الحب لك ايها المبحر في شواطئ النرجس ، تجر خلفك قوس قزح واسراب الطيور والذكريات المشتعلة بالحنين لبغداد وكربلاء .. سلاما لروحك الطاهرة .

Falah.almashal@yahoo.com


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


فلاح المشعل
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2014/11/20



كتابة تعليق لموضوع : عبد الأمير علوان ..الفنان الذي رأى
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net